( أيما أهل عرصة – منطقة أو حي سكن – أصبح فيهم امرؤ جائعاً ، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله )
ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله :
( إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد )
ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه ” دروس في الاشتراكية العربية ” بقوله :
” إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً ، ولا يجب احترامه ، ولا تجوز حمايته ، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع “.
وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد ، فمروا على بئر ، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه ، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال : هلا وضعتم فيهم السلاح .
ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري : عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه !
هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية ؟
السؤال: 134948
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي ، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق ، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس .
وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة ، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها .
والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد ، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي .
فمثلاً :
الحديث الوارد في السؤال ، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى ) رواه أحمد في ” المسند ” (8/482) .
أولاً :
هذا الحديث ضعيف ، فقد قال أبو حاتم في ” العلل ” (2/238): منكر . وكذا قال الشيخ الألباني في ” ضعيف الترغيب ” (1/275)، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط : ” إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر ” انتهى . وينظر : المسند (8/486) – ط الرسالة ـ .
ثانياً :
غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير ، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً ، كما هي النظرة الاشتراكية ، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر .
ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال ، يرويها الحنفية ، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب “الآثار” (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله ، عن الهيثم : أن قوماً مروا بماء ، فسألوا أهلها : أين البئر ؟ فأبوا أن يدلوهم ، وأبوا أن يعطوهم الدلو . فقالوا : ويحكم ، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً ، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم ، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال : ألا وضعتم فيهم السلاح .
فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة ، فيما إذا اضطر المسلم ، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك ، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم ، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح ، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص .
وأما حديث : ( إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد ) فليس هو بحديث أصلاً ، ولا وجود له في كتب السنة والآثار .
ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن ، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة .
جاء في ” مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” رحمه الله (7/394) :
” إنكار النظام الاشتراكي في العراق : برقية :
فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق :
إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة ، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه . والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه ، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل ، لا يستند لأي أساس من الصحة ” انتهى.
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب ” حكم الإسلام في الاشتراكية ” للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب