0 / 0

أمهم تسمع صوتا تزعم أنه صوت النبي عليه الصلاة والسلام ويأمرها بترك الزكاة وعدم السماح لأبنائها بالزواج

السؤال: 184497

أمي تعتنق الفكر الصوفي ، وتحدث لها أشياء غريبة في السنوات الماضية ، حيث تعتقد أن هناك إشارات في سمو روحها ، فهي تسمع أصواتا ، وتظن أن هذه الأصوات تخص النبي محمدا صلى الله عليه وسلم ، بل وتظن أنها تسمع صوت حفيد النبي حسين ، وصوت علي رضي الله عنهم ، ورموز دينية أخرى من الماضي .
هذه الأصوات تخبرها بفعل بعض الأمور ، مثل التوقف عن دفع الزكاة ، فذات مرة قالت : إنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: بأنها من المفترض عليها أنها لا تسمح لأي أحد من أولادها بالزواج حتى زمن متأخر ، حتى يخبرها هو بهذا ومن الذي يتزوج من أولادها ، ولهذا السبب فهي لن تسمح لأحد من أولادها بالزواج ، فهي تنتظر الصوت حتى يخبرها ، وهي على هذا الأمر منذ عشر سنين في انتظار هذا الصوت .
كل أولادها بما فيهم أنا حاول إقناعها بأن هذه الأصوات التي تسمعها ليست صوت النبي ، وأنه ينبغي عليها ألا تنصت لها ولا تعيرها انتباهاً ، ولكن لأن هذه الأصوات تخبرها بأمور ممكن أن تتحقق ، فهي تظن بأنها صوت النبي وعائلته وصحابته .

وسؤالي
هل هناك حديث أو آية من القرآن نستطيع إقناعها بها بأن النبي لا يزور أحدا بصوته فقط وهم مستيقظون ؟ وهل هناك أي أدلة نعرضها عليها لنبين لها أن ما مرت به من خبرات ليست جيدة ، وأنه يجب عليها ألا تطيع تلك الأصوات ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :
التصوف مذهب من المذاهب المحدثة في الدين ، وكان أوائل من انتسب إليه من الزهاد ، وفي كثير منهم تعبد وصلاح ، ثم انتشرت فيهم البدع والشركيات والاختراعات التي لم يسبقوا إليها ، وكثر ذلك في المتأخرين منهم ، حتى مرق كثير منهم من الدين .
وهم طرق متعددة ، ومذاهب مختلفة ، متفقون على البدعة ، والغالب عليهم الوقوع في الشركيات ، والنفرة من السنة وأهلها ، بل وبغضهم ومعاداتهم ، وموالاة أهل البدع والضلال والانحراف ، بل والكفار الخلص ، كما وجد في كثير منهم .

ومن جملة تلبيس الشيطان بهم وهمينته عليهم أنه يوهمهم أن لهم اتصالا بالغيب ، وأن من الممكن للواحد منهم أن يخاطبه النبي أو الولي وإن كان قد مات منذ دهر ؛ بما لهم من خصوصية خرق حُجب الزمان والمكان ، والتحديث والإلهام بما يشبه الوحي ، إلى خرافات وخزعبلات كثيرة غير محتملة شرعا ولا عقلا .
راجع لبيان ما عليه هذه الطائفة من الضلال والتلبيس إجابة السؤال رقم (4983) .
ثانيا :
لا يجوز لأحد أن يحتج بشيء يراه في منامه ، أو يسمعه ، ولو في يقظته ؛ إذا كان يخالف ما جاء في شريعة الله تعالى من أحكام ، ويرد بها ما حفظه الله من دينه وشرعه ، سواء كان ذلك ردا عاما ، بدعوى تحليل أو تحريم ، أو ردا خاصا له ، أو لأتباعه ، أو نحو من ذلك ؛ فإن دين الله عز وجل قد كمل ، وكملت الشريعة ، وانقضى زمان الوحي بموته صلى الله عليه وسلم .
فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ) . رواه الطبراني في ” الكبير “(1647) ، وصححه الألباني في الصحيحة (1803) .
قال ابن القيم رحمه الله : ” فقد بيَّن الله – سبحانه – على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) ” .
انتهى من ” إعلام الموقعين ” ( 1 / 250 ) .

وقد سبق في إجابة السؤال رقم (70364) بيان أن المنامات لا تثبت بها سنة ، ولا يغير بها حكم من أحكام الشريعة ، ولو زعم الرائي أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد نقل النووي رحمه الله الاتفاق على أنه لا يغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع من أحكام .

وأما ما تسمعه والدتكم من أصوات تأمرها بما أخبرتكم به ، مما يخالف الشرع ، فهذا من وحي الشيطان وأمره ، ومن شأن من يتبع ذلك – إن مضى في ذلك الطريق – أن يخرج عن الدين ويتحرر من التكاليف الشرعية ، ويرد ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله وأجمع عليه علماء المسلمين ، وهذا هو الكفر بعينه ، نسأل الله السلامة .

فالواجب على العقلاء من أبنائها تدارك هذا الأمر ، وأن يوجهوها لضلال ما هي فيه ، وما تعتقده ، وأن هذا من تلبيس الشيطان عليها ، وأن يبينوا لها أن هذا من أمر الشيطان وأنه يجب عليها عدم الإصغاء إليه وعدم طاعته التي تخالف بها دين الله وشريعته .

ويمكن إجمال هذا البيان في هذه النقاط التالية :
أولا :
يجب أن تبينوا لها أن الشريعة قد كملت وفُرغ منها بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه ليس لأحد كائنا من يكون أن يغير شريعة الله التي شرع لعباده لهدايتهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور .
ثانيا :
أنه لا يجوز لأحد أن يحتج بما يسمعه في يقظته أو يراه في منامه على خلاف الشرع ، وإلا لارتفع الدين بالكلية ، ولكان لكل واحد شرع يخصه ، يمليه عليه هذا الصوت الذي يسمعه ويزعم أنه رسول الله أو أنه الصحابي فلان .
ثالثا :
مَن أدراها أن هذا الصوت هو صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو صوت عليّ رضي الله عنه ؟ أين الدليل على ذلك ؟ وكيف يكون الحال لو سمع غيرها صوتا يزعم أنه رسول الله يأمره بخلاف ما أمرها به هذا الصوت الذي سمعته ؟
أليس في ذلك ما يقتضي أن يكون لكل واحد شرع يخصه ؟
وهل يجوز مثل ذلك في دين أحد من الناس ، فضلا عن دين الله الذي أنعم الله به على الناس كافة ؟
رابعا :
قال الله تعالى: ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21
فلا يجوز لأحد أن يشرع في دين الله ما لم تأت به شريعة الله التي شرعها لنبيه صلى الله عليه وسلم وأمر الناس بها .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” الأصل الحجر على كل أحد أن يشرع شيئا ما جاء عن الله وعن رسوله ” انتهى من “تفسير السعدي” (ص 757) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” الأصل في العبادات الحظر والمنع ، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله : إما في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومتى شك الإنسان في شيء من الأعمال هل هو عبادة أو لا ، فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليل على أنه عبادة ” .
انتهى من “فتاوى نور على الدرب” (169 / 1) .
فإذا كان هذا فيما لم يأذن الله بتشريعه ، فكيف بما يخالف شرعه ويناقضه ؟!
فمن جاء بعد مئات السنين يزعم أنه يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بخلاف شرعه الذي شرعه ، ومضى عليه الناس ، فقد كذب على الله ، وكذب على رسوله ، وضل عن الحق الثابت بالعقل والشرع ضلالا مبينا !!

خامسا :
أليس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقت اختلافهم وحصول الفتنة بينهم كانوا أحوج إلى أن يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو يروه بعد وفاته حتى يفتيهم فيما هم فيه ، ويفصل بينهم فيما اختلفوا فيه ؟
فما بالنا لم نجد أحدا منهم حصل له ذلك ، ولا ادعاه ، مع أنهم كانوا أحوج ما يكونون إليه ؟
قال علماء اللجنة الدائمة :
” توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما بلغ الرسالة وأكمل الله به دينه وأقام به الحجة على خلقه ، وصلى عليه أصحابه رضي الله عنهم صلاة الجنازة ، ودفنوه حيث مات في حجرة عائشة رضي الله عنها ، وقام من بعده الخلفاء الراشدون ، وقد جرى في أيامهم أحداث ووقائع فعالجوا ذلك باجتهادهم ، ولم يرجعوا في شيء منها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن زعم بعد ذلك أنه رآه في اليقظة حيا وكلمه ، أو سمع منه شيئا قبل يوم البعث والنشور : فزعمه باطل ؛ لمخالفته النصوص والمشاهدة وسنة الله في خلقه ” .
انتهى من ” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 1 / 486 ، 487 ) .
ويراجع : إجابة السؤال رقم (70364) لبيان أنه لا يجوز لأحد أن يدعي أنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة .

وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن هؤلاء الذين يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء ومن الأولياء يأتيهم ويكلمهم ويسألونه فيجيبهم ، وقال :
” قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِمَنْ ظَنَّ ذَلِكَ : وَيْحَك أَتَرَى هَذَا أَفْضَلَ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟ فَهَلْ فِي هَؤُلَاءِ مَنْ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَهُ ؟ ، وَقَدْ تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ فِي أَشْيَاءَ فَهَلَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُمْ ؟ وَهَذِهِ ابْنَتُهُ فَاطِمَةُ تُنَازِعُ فِي مِيرَاثِهِ فَهَلَّا سَأَلَتْهُ فَأَجَابَهَا ؟ ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (10/ 407) .
راجع إجابة السؤال رقم (114317) .

سادسا :
حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على النكاح وحض عليه وقال : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ منكُم الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري (5066) ومسلم (1400) .
ولم يأمر أحدا باستئذان أحد قبل أن الزواج ، وإنما أمر بالزواج أمرا عاما لمن أطاقه وقدر على تكاليفه وتبعاته ، ولقد كان في الصحابة من تزوج ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولا استأذنه ، ولا عرف النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد زواجه ؛ فروى البخاري (2048) ومسلم (1427) ” أن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَاءَ يوما وعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ ، فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تَزَوَّجْتَ ؟ ) قَالَ: نَعَمْ ، قَالَ : ( وَمَنْ ؟ ) ، قَالَ : امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالَ: ( كَمْ سُقْتَ ؟ ) ، قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ ، أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ) .
وروى البخاري (5247) ومسلم (715) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أنه قال للنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ ، قَالَ : ( أَتَزَوَّجْتَ ؟ ) ، قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : ( أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟ )، قَالَ : قُلْتُ بَلْ ثَيِّبًا ، قَالَ : ( فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ ؟ ) .

فهذا يدل على أن الشريعة جاءت بالأمر بالزواج والحث عليه ، ولم تلزم أحدا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أن يستأذنه في ذلك ، فالذي جاءت به والدتكم من أنها سمعت من يزعم أنه رسول الله يأمرها بتأخير زواج أبنائها ، وينهاها عن زواجهم إلا بإذنه – لا شك أنه شيطان مريد ، يريد أن يبدل كلام الله ، ويوقع الناس فيما يخالف الشريعة ويضادها ، متوهمين أن ذلك من الشريعة ، وصدقوا ، ولكنها شريعة الشيطان ، لا شريعة الرحمن .

فالواجب عليكم أن تنصحوا أمكم بالكف عن ذلك والتوبة منه وعدم الالتفات إليه لأنه من أمر الشيطان ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات ، ولا يأتي لأحد – لا هو ولا أحد من صحابته رضي الله عنهم ولا غيرهم – بعد الوفاة ، وأن الذي يأتي ويتكلم إنما هو الشيطان يريد أن يضل ابن آدم ويخرجه عن دينه .
يريد أن يسقط حق الله وحق عباده في الزكاة وفي الصلاة وغير ذلك من أمور الدين .

كما يجب عليكم أن لا تطيعوها في شيء مما تأمركم به من خلاف الشرع ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وعليكم بالزواج ولو بدون إذنها ورضاها ، والأنثى لابد لها في الزواج من ولي .
وفقكم الله ، ويسر لكم أمركم .
ولمعرفة الطريقة المثلى لدعوة المتصوفة لطريق أهل السنَّة والجماعة يرجى مراجعة إجابة السؤال رقم (145905) .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android