في منطقتنا إمام شاب ، وهو كل جمعة في الخطبتين يستدل كثيراً بالشعر ، فما هو رأيكم ؟
هل يجوز لخطيب الجمعة أن يستشهد بالشعر ويكثر منه؟
السؤال: 103241
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على الشعر الذي يستعمله صاحبه لنصرة الإسلام ، ورد افتراءات المشركين ، فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَسَّانَ بن ثابت رضي الله عنه : (اهْجُهُمْ وَجِبْرِيلُ مَعَكَ) رواه البخاري (3814) ومسلم (4541) .
وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (اهْجُوا قُرَيْشًا ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ ) رواه مسلم (4545) .
ومع ذلك فقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم من يشتغل بالشعر ، ويُقبل عليه ، ويعرض عن القرآن والعلم الشرعي .
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً ) . رواه البخاري ( 5802 ) ومسلم ( 2258 ) .
والحديث بوَّب عليه البخاري بقوله : ” ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده ” .
وعلَّق الحافظ ابن حجر بقوله :
“تنبيه : مناسبة هذه المبالغة في ذم الشعر : أن الذين خوطبوا بذلك كانوا في غاية الإقبال عليه والاشتغال به ، فزجرهم عنه ؛ ليُقبلوا على القرآن ، وعلى ذِكر الله تعالى ، وعبادته ” انتهى .
” فتح الباري ” ( 10 / 550 ) .
وقال النووي رحمه الله :
“الصواب : أن المراد أن يكون الشعر غالباً عليه ، مستولياً عليه ، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذِكر الله تعالى ، وهذا مذموم من أي شعر كان ، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه : فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا ؛ لأن جوفه ليس ممتلئا شعراً ” انتهى .
” شرح مسلم ” ( 15 / 14 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
“واعلم أن التحقيق الذي لا ينبغي العدول عنه أن الشعر كلام ، حسنه حسن ، وقبيحه قبيح ، ومن الأدلة القرآنية على ذلك : أنه تعالى لما ذم الشعراء بقوله : ( والشعرآء يَتَّبِعُهُمُ الغاوون أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ ) استثنى من ذلك الذين آمنوا وعملوا الصالحات في قوله : ( إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً ) الشعراء/ 227 ، وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشِّعر محمول على من أقبل على الشعر ، واشتغل به عن الذِّكر ، وتلاوة القرآن ، وطاعة الله تعالى ، وعلى الشعر القبيح المتضمن للكذب ، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيات ونحو ذلك ” انتهى .
” أضواء البيان ” ( 6 / 165 ) .
فليحذر الدعاة إلى الله وطلبة العلم والخطباء من فتنة الشِّعر ؛ فإن لها بريقاً يخطف الأبصار ، ولها حلاوة تسلب العقول ، وليحرص أن يمتلأ جوفه بكتاب الله ، ونصوص السنَّة ، ولا بأس من حفظ بعض الأشعار ، لكن ليس على حساب نصوص الوحي .
ثانياً :
اختلف العلماء في حكم إنشاد الشِّعر في خطبة الجمعة ، فذهب بعضهم إلى المنع منه ، وأجازه آخرون بشرط عدم الإكثار منه .
والذين ذهبوا للمنع قالوا : لم نجد في السنَّة النبوية أي دليل على أنه صلى الله عليه وسلم كان ينشد الأبيات من الشعر على المنبر ، والذين قالوا بالجواز قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم أثنى على بعض الشعر ، وقال إن فيه حكمة ، فلا مانع من أن يأتي الخطيب في خطبته ببعض الأبيات ، على أن لا يكثر من ذلك ، وعلى أن لا يكون ذلك على حساب الأدلة الشرعية .
وممن قال بالمنع : الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله حيث قال :
“ولا أعرف في خطب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا في خطب الصحابة رضي الله عنهم الاستشهاد بالشعر ببيت فصاعداً ، وعلى هذا جرى التابعون لهم بالإحسان .
وقد استمرأ بعض الخطباء في القرن الرابع عشر تضمين خطبة الجمعة البيت من الشعر فأكثر ، بل ربما صار الاستشهاد بمقطوعات شعرية متعددة ، وربما كان إنشاد بيت لمبتدع ، أو زنديق ، أو ماجن ” .
وقال أيضاً :
“والمقام في خطبة الجمعة مقام له خصوصيات متعددة يخالف غيره من المقامات ، في الدروس ، والمحاضرات ، والوعظ ، والتذكير ، وهو مقام عظيم لتبليغ هذا الدين صافياً ، يجهر فيه الخطيب بنصوص الوحيين الشريفين ، وتعظيمهما في القلوب ، والبيان عنهما بما يليق بمكانتهما ومكانة فرائض الإسلام ، فلا أرى لك أيها الخطيب للجمعة إلا اجتناب الإنشاد في خطبة الجمعة ، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهو بك أجمل ، وبمقامك أكمل ، والله المستعان ” انتهى .
” تصحيح الدعاء ” ( ص 99 ) .
وقد ذهب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ، إلى جواز أن يستشهد خطيب الجمعة بأبيات من الشِّعر ، على أن يكون ذلك بقدر ، وبحسن اختيار .
فقد سئل الشيخ رحمه الله : هل الاستشهاد ببعض الشِّعر في خطبة الجمعة مما يحث على مكارم الأخلاق ، والجهاد في سبيل الله أمر مشروع ؟ .
فأجاب:
“لا شك بذلك ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ مِن الشِّعر لحكمة ) ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينشد مع الصحابة وهم يبنون المسجد ، ينشد معهم عليه الصلاة والسلام :
والله لولا الله ما اهتدينا … ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينةً علينا … وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا … إذا أرادوا فتنة أبينا
كان رافعا بها صوته يقول: أبينا ، أبينا ، أبينا ، كما أن عليه الصلاة والسلام أنشدهم وهم يحفرون الخندق .
فالمقصود : أن إنشاد الشعر الحق الطيب في الخطب ، والمواعظ ، والمحاضرات ، وخطب الجمعة ، والأعياد : لا بأس به ؛ لأنه يؤثر ، ويحصل به خير عظيم ” انتهى .
” جريدة المدينة ” العدد 9170 ، الثلاثاء 22 / 12 / 1412 هـ .
وهذا القول هو الراجح ، فلا بأس أن يستشهد خطيب الجمعة بما يراه مناسباً لخطبته من شعر يحتوي على بلاغة وفصاحة وتأثير في الناس ، على ألا يكثر من ذلك ، ولا يكون ذلك مقدماً عنده على نصوص الوحيين : القرآن والسنة .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب