لي صديقة كانت تعرف إنساناً طيباً وصالحاً ومتزوجاً ! وعرفته لمدة 15 عاماً ، وعاشرته معاشرة الأزواج ! وكان يراعي مصالحها ، ويقف إلى جانبها في وقت الشدة ، ويخاف عليها ، وهي أيضا كانت تقف بجانبه في وقت أزماته ، وكانت تعتبره سندها في الحياة ، وكانت تعتبر نفسها زوجته ، وكانت تحافظ عليه ، وبعد هذه المدة يريد تركها تواجه الحياة بمفردها ، وهو كأن شيئاً لم يحدث في حياته طيلة هذه المدة ، وهو له حياته وبيته وأولاده ، وكل التضحيات التي ضحتها من أجله وسنوات عمرها التي أفنتها في حبه تذهب هباء ، بحجة أن ما يفعلوه حرام ، ويريد التوبة ، فماذا تفعل ؟ وللعلم هي ما زالت تكن له كل احترام وحب ومودة ، فهل من حقه أن يتركها هكذا وكأن شيئاً لم يكن ، أم الأفضل لهما أن يصلحا غلطتهما ويتزوجوا على سنة الله ورسوله ، ويعيشوا باقي حياتهم للمغفرة والتوبة ؟ .
أرجو النصيحة بما يرضي الله ، فهي معترفة بغلطتها ، وتريد إصلاحه ، فهل الشرع والأخلاق يفرضوا عليه أن يتزوجها ؟ وبماذا تنصحه إذا رفض الزواج منها ؟ .
وجزاكم الله خيراً .
ترك عشيقته ، بعد 15عاما من العلاقة المحرمة !
السؤال: 103294
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لم تخاطبنا تلك المرأة الآثمة ، ولا ذلك الرجل الفاجر ، وإنما كان الخطاب منكِ أنتِ ، وقد جاء في سؤالك من الإثم والمنكر الشيء الكثير ، وإننا لفي غاية العجب منكِ ، كيف تصفين الأمور المنكرة بغير اسمها ؟ وكيف تهونين من فاحشة الزنا المستمرة لسنوات كثيرة ؟ وكيف تثنين على من لا يستحق الثناء ، وتذمين من لا يستحق الذم ؟ .
وتأملي جيداً ما وقعتِ فيه من أخطاء وآثام :
1. قلتِ : ” لي صديقة كانت تعرف إنساناً طيباً وصالحاً ومتزوجاً ! وعرفته لمدة 15 عاماً ، وعاشرته معاشرة الأزواج ! ” !!!
ما هو تعريف الطيب والخبيث عندك ؟ من هو الصالح والفاسد في نظرك ؟ كيف جعلتِ هذا الفاجر الآثم طيباً وصالحاً ، وهو على علاقة محرَّمة مع امرأة أجنبية عنه استمرت لمدة 15 سنةً ؟! وكيف يعاشرها معاشرة الأزواج وهي أجنبية عنه ، وتتكرر معصيته كل يوم ؟! هل تعرفين حكم هذا المجرم في الشرع ؟ إنه الرجم حتى الموت ! نعم ؛ لأنه محصن ، ووقع في الزنا ، وهذا هو حكم هذه الشريعة المطهرة فيه وفي أمثاله ، ثم تأتين أنتِ لتصفيه بالطيبة والصلاح ! فأي طيبة وأي صلاح عند هذا الفاجر ، يا أمة الله ؟! .
2. قلتِ : ” وكان يراعي مصالحها ، ويقف إلى جانبها في وقت الشدة ، ويخاف عليها ، وهي أيضا كانت تقف بجانبه في وقت أزماته ، وكانت تعتبره سندها في الحياة ” !
هل هذا كلام من فهم الإسلام ، وعرف المعروف من المنكر ، والصواب من الخطأ ؟ هل هذا كلام امرأة مسلمة تربي أولادها على الخلق والحياء والعفاف ؟ أي مصالح يرعاها ذلك الفاجر الآثم ؟ ومم يخاف عليها ؟ من جهنم ؟ من عذاب القبر ؟ من الخزي في الدنيا والآخرة ؟ أم تراه يخاف عليها من الذئاب البشرية أن يفترسوها ؟! وهو الحمل الوديع ، والملاك الطيب ؟! وكيف تعتبره صديقتك سندها في الحياة وهو مجرم آثم يهتك عرضها لمدة 15 سنة ؟! هل جهلنا الإسلام وأحكام وشرائعه وشعائره حتى يتكلم أحدنا بمثل هذا الكلام ؟! .
3. قلتِ : ” وكانت تعتبر نفسها زوجته ” !!
هداكِ الله وأصلحك ، هل تعلمين خطر مثل هذه العبارات والكلمات ؟ هل تدركين عِظم المنكر والإثم في كلامك هذا ؟ هل ترضين هذا لابنتك ؟ هل يوجد في الإسلام من تمارس الزنا وتعتبر نفسها زوجة ؟! أين شروط العقد الشرعي للنكاح وأركانه ؟ أين موافقة الولي ؟ وأين إنشاء العقد بالإيجاب والقبول ؟ وكيف كانت تعتبر نفسها زوجة ولم يكن يعتبر نفسه زوجاً ؟! هل عقد الزواج الذي هو الميثاق الغليظ والكلمة التي تستباح بها الفروج يُستهزأ به ويُسخر حتى يهون على تلك المرأة فتعتبر زناها زواجاً ؟! .
4. قلتِ : ” وبعد هذه المدة يريد تركها تواجه الحياة بمفردها ، وهو كأن شيئاً لم يحدث في حياته طيلة هذه المدة ” !
سبحان الله ! وهل تعتبرين ما حدث خلال تلك الفترة كلها من المعاشرة الزوجية الحلال ؟ هل تطلبين منه أن لا ينسى الفضل بينه وبينها ؟ وهل تذكِّرينه بتلك المدة ليستمر بها بدلاً من أن يترك ما هو عليه من الإثم والفجور ؟! وهل تخافين عليها من أن تواجه الحياة بمفردها ولم تخافي عليها من أن تواجه ربها تعالى يوم القيامة بمفردها ( وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً ) مريم/ 95 ؟ ولمَ لم تخافي عليها يوم تكون وحدها في قبرها ؟ .
5. قلتِ : ” وكل التضحيات التي ضحتها من أجله وسنوات عمرها التي أفنتها في حبه تذهب هباء ، بحجة أن ما يفعلوه حرام ، ويريد التوبة ” !
الله المستعان ! كبرت هذه الكلمة أن ينطقها فمك ، وأن تكتبها يدك ، ” بحجة أن ما يفعلوه حرام ” وهل الأمر – عندك – ليس كذلك ؟ وهل تسمين زناها طيلة تلك المدة كلها ” تضحية ” ؟!! ومن قال لك : إنها ستذهب هباء ” ؟ بل هي مكتوبة عليها ، وسيحاسبها ربها تعالى عليها يوم القيامة ، وقد يعجل بعض عقوبتها في الدنيا ، فلن يذهب ما فعلته من إثم ومعاصٍ هباءً ، بل ستجد ذلك أمامها ، قال تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ) الكهف/ 49 ، وسوف تجني عاره وذله في الدنيا ؛ فلتنظر من يتزوجها بعد ذلك ، ومن يرض بمثل حالها ، إلا من يشبهها : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .
6. قلتِ : ” وللعلم هي ما زالت تكن له كل احترام وحب ومودة ” !!
وأين التوبة ؟ وأين الندم ؟ وهل مثل هؤلاء يستحقون الاحترام والحب والمودة ؟ ولا ندري حقيقة طبيعة تلك المرأة التي تتكلمين عنها ، هل هي مسلمة ؟ كيف تفهم الإسلام ؟ هل تعلم أن الزنا حرام ؟ هل تعلم عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة ؟ إننا نعلم عن شهوة عابرة تجتاح الرجل أو المرأة فيقعان في الفاحشة ، أما الاستمرار على ذلك 15 سنةً والمداومة على ذلك وكأنهما زوجان ؟ هذا غاية في القباحة والشناعة ، وسترى عاقبة تلك المحبة والمودة في الآخرة ، وقد يعجل لها أن ترى بعضهعا في الدنيا .
قال تعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) الزخرف/ 67 .
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – :
أي : كل صداقة وصحابة لغير الله : فإنها تنقلب يوم القيامة عداوة ، إلا ما كان لله عز وجل ، فإنه دائم بدوامه .
” تفسير ابن كثير ” ( 7 / 237 ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – :
لأن خلتهم ومحبتهم في الدنيا لغير اللّه ، فانقلبت يوم القيامة عداوة .
” تفسير السعدي ” ( ص 769 ) .
7. قلتِ : ” فهل من حقه أن يتركها هكذا وكأن شيئاً لم يكن ” !
بل من الواجب عليه تركها ، ولا يحل له الاستمرار على معصيته ، وليحرص على تعويض تلك السنوات من الإثم والمعصية بالأعمال الصالحة ، وأول خطوة في التوبة هو الكف عن زيارتها ولقائها ، ثم الندم على ما فات من آثام ، ثم العزم على أن لا يعود لها .
8. قلتِ : ” أم الأفضل لهما أن يصلحا غلطتهما ويتزوجوا على سنة الله ورسوله ، ويعيشوا باقي حياتهم للمغفرة والتوبة ؟ ” .
ليس هناك مفاضلة بل يجب ترك تلك المرأة والابتعاد عنها ، ولو أراد هذا الرجل الزواج بها لتزوجها منذ زمن ، وهي لا تصلح له زوجة ، وهو لا يصلح لها زوجاً ، ولا يجوز تزوج الزانيين إلا بعد التوبة الصادقة ، واستبراء الزانية بحيضة يطهر بها رحمها .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 11195 ) ففيه حكم الزنا ، وعقوبته ، وحكم زواج الزانييْن .
9. قلتِ : ” فهي معترفة بغلطتها ، وتريد إصلاحه ” .
لم يظهر لنا اعترافها بغلطتها ، ولا حبها لإصلاحه ، وعلى كل حال : فباب التوبة مفتوح ، ولا يحول أحد بينها وبين توبتها ، ولتعلم أن عليها أن تسلك ما ذكرناه لذلك الرجل حتى تكون صادقة في توبتها ، فيجب أن تكف عن لقائه والاتصال به ، وعليها أن تندم على ما عملته وجنته في حق نفسها ، وعليها أن تعزم على عدم العود له ولصحبته .
10. قلتِ : ” فهل الشرع والأخلاق يفرضوا عليه أن يتزوجها ؟ ” .
بالطبع لا ، لا يفرض الشرع عليه أن يتزوجها ، والأمر مباح له في حال تحققت منه ومنها التوبة الصادقة ، وأما الأخلاق فدعينا من الحديث عنها ، يا أمة الله ؛ فوالله إنا لنستحيي من ذكرها ؛ أية أخلاق تبحثين عنها ، بعدما عاشا في الفجور خمسة عشر عاما !
وإننا لنأسف أشد الأسف أن نقرأ عن مثل هذه الحالات عند المسلمين والمسلمات ، ولا ندري كيف نجح الشيطان في تهوين العِرض على الناس حتى صار أهون شيء عندهم ، وبخاصة المرأة ؛ فإن عِرضها وشرفها غالٍ عندها ، لا تفرط به ، ولو أدى ذلك لموتها أو قتلها ، وكل مصيبة – عدا الدين – تهون في مقابل فقد الشرف ، فهي تلطخ سمعتها ، وسمعة أهلها ، ولما كان الزنا منها أقبح قدَّمها الله تعالى في الذِّكر قبل الزاني فقال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/ 2 .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
وقد بدأ الله سبحانه في الحدِّ بذِكر المرأة فقال : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) النور/ 2 ، وفي اللعان بذِكْر الزوج ، وهذا في غاية المناسبة ؛ لأن الزنى من المرأة أقبح منه بالرجل ؛ لأنها تزيد على هتك حق الله : إفساد فراش بَعلها ، وتعليق نسبٍ من غيره عليه ، وفضيحة أهلها ، وأقاربها ، والجناية على محض حق الزوج ، وخيانته فيه ، وإسقاط حرمته عند الناس ، وتعييره بإمساك البغي ، وغير ذلك من مفاسد زناها ، فكانت البداءة بها في الحد أهم .
وأمَّا اللعان : فالزوج هو الذي قذفها وعرَّضها للعان ، وهتك عرضها ، ورماها بالعظيمة ، وفضحها عند قومها ، وأهلها ، ولهذا يجب عليه الحدّ إذا لم يلاعن ، فكانت البداءة به في اللعان أولى من البداءة بها .
” زاد المعاد ” ( 5 / 339 ) .
والله المستعان
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
موقع الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة