0 / 0
267,22505/09/2007

حكم حلق الشارب

السؤال: 103623

يطلق بعض إخوتي لحاهم ويحلقون شواربهم ، ويقولون إن عمر رضي الله عنه كان يفعل ذلك ، لقد قرأت بعض ردودكم الخاصة بتهذيب الشارب على الموقع ، ولكن هل يجوز حلقه ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

اختلف أهل العلم في السنة المستحبة في الشارب ، على قولين :

القول الأول : أن السنة هي الحلق بالكلية ، وهو مذهب أبي حنيفة وصاحبيه ، ورجحه غير واحد من المحققين منهم .

واستدلوا بظاهر الألفاظ النبوية الواردة في هذا الباب، ومنها: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ البخاري (5892)، ومسلم (259) ، (أَنْهِكُوا الشَّوَاربَ)  البخاري (5893)، وفي لفظ لمسلم (260)  جُزُّوا الشَّوَارب.

قال الطحاوي ، رحمه الله ، بعد حكاية الآثار في الباب :

“فَثَبَتَتْ الْآثَارُ كُلُّهَا الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ ، وَلَا تَضَادُّ ، وَيَجِبُ بِثُبُوتِهَا : أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْقَصِّ .

وَهَذَا مَعْنَى هَذَا الْبَابِ ، مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ .

وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ ، فَإِنَّا رَأَيْنَا الْحَلْقَ قَدْ أُمِرَ بِهِ فِي الْإِحْرَامِ ، وَرُخِّصَ فِي التَّقْصِيرِ .

فَكَانَ الْحَلْقُ أَفْضَلَ مِنْ التَّقْصِيرِ ، وَكَانَ التَّقْصِيرُ ، مَنْ شَاءَ فَعَلَهُ ، وَمَنْ شَاءَ زَادَ عَلَيْهِ ، إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ بِزِيَادَتِهِ عَلَيْهِ أَعْظَمَ أَجْرًا مِمَّنْ قَصَّ .

فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ حُكْمُ الشَّارِبِ قَصُّهُ حَسَنٌ ، وَإِحْفَاؤُهُ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ .

وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَبِي يُوسُفَ ، وَمُحَمَّدٍ .” انتهى من “شرح معاني الآثار” (5/320-322).

وينظر : “فتح القدير” (2/398-399).

وقد نقل ابن عابدين في “رد المحتار” (2/550) عن المتأخرين اختيار القص ، فقال:

“وَاخْتُلِفَ فِي الْمَسْنُونِ فِي الشَّارِبِ هَلْ هُوَ الْقَصُّ أَوْ الْحَلْقُ؟

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ الْقَصُّ. قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ” انتهى، “حاشية ابن عابدين” (2/550).

القول الثاني : أن السنة قص الشارب ، وأما حلقه فمكروه : وهو مذهب المالكية والشافعية ، وشدَّد الإمام مالك رحمه الله في ذلك .

واستدلوا على ذلك بما يلي :

1- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ : الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ ، وَنَتْفُ الْآبَاطِ رواه البخاري (5891)، ومسلم (257) .

2- وعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ : ” كَانَ شَارِبِي وَفَى – أي زاد – فَقَصَّهُ لِي – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – عَلَى سِوَاكٍ ” رواه أبو داود (188) وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .

وروى البيهقي في “السنن الكبرى” (1/151) بسنده عن : “عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال :

ذكر مالك بن أنس إحفاء بعض الناس شواربهم فقال : ينبغي أن يضرب من صنع ذلك ، فليس حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الإحفاء ، ولكن يبدي حرف الشفتين والفم .

وقال مالك بن أنس : حلق الشارب بدعة ظهرت في الناس ” انتهى باختصار .

وقال أبو الوليد الباجي في “المنتقى شرح الموطأ” (7/266) :

” روى ابن عبد الحكم عن مالك : ليس إحفاء الشارب حلقه ، وأرى أن يؤدب من حلق شاربه . وروى أشهب عن مالك : حلقُهُ مِن البدع .

قال مالك رحمه الله : وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا أحزَنَهُ أمرٌ فَتَل شاربه . ولو كان محلوقا ما كان فيه ما يفتل ” انتهى . وانظر “التمهيد” (21/62-68) .

وقال النووي في “المجموع” (1/34-341) :

” ثم ضابط قص الشارب أن يقص حتى يبدو طرفُ الشفة ، ولا يحفّه من أصله , هذا مذهبنا ” انتهى.

وفي “نهاية المحتاج” للرملي (8/148) من أئمة الشافعية : ” ويكره الإحفاء ” انتهى . يعني : إحفاء الشارب .

ونص الحنابلة أيضا على قص الشارب ، دون حلقه :

قال البهوتي رحمه الله :

” (وَ) سُنَّ (حَفُّ شَارِبٍ) أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ. وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصًّا. وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي قَصِّهِ.” . انتهى، من “دقائق أولي النهى” (1/45) .

وقال أيضا :

“(وَيُسَنُّ حَفُّ الشَّارِبِ ، أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ، وَحَفُّهُ أَوْلَى ؛ نَصًّا) .

قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إحْفَاءُ الشَّوَارِبِ : أَنْ تُبَالِغَ فِي قَصِّهَا . وَكَذَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : الْإِحْفَاءُ – بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ – : الِاسْتِقْصَاءُ ، وَمِنْهُ : ( حَتَّى أَحْفُوهُ بِالْمَسْأَلَةِ ) .” انتهى، من “كشاف القناع” (1/75) .

وحاصل ذلك :

أن القص مشروع ، يحصل به أصل السنة ، وإحفاؤه ، وهو المبالغة في قصه : أولى، وبه تمام السنة .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

” وَتَحْصُلُ السُّنَّةُ بقصه ، حَتَّى يَبْدُوَ الْإِطَارُ ، وَهُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ .

وَكُلَّمَا أُخِذَ فَوْقَ ذَلِكَ : فَهُوَ أَفْضَلُ ؛ نَصَّ عَلَيْهِ .

وَلَا يُسْتَحَبُّ حَلْقُهُ؛ لِأَنَّ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:      ( أنْهَكُوا الشَّوَارِبَ ، وَأَعْفُوا اللِّحَى ) .

قَالَ الْبُخَارِيُّ : ” وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحْفِي شَارِبَهُ حَتَّى يُنْظَرَ إِلَى مَوْضِعِ الْحَلْقِ ” .

وَرَوَى حَرْبٌ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَسَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنَ عُمَرَ وَأَبَا أُسَيْدٍ : يَجُزُّونَ شَوَارِبَهُمْ ، أَخَا الْحَلْقِ” انتهى، “شرح العمدة” (1/222) ط عالم الفوائد .

وقد ورد هذا المذهب عن جماعة من السلف أيضا :

فروى البيهقي في “السنن الكبرى” (1/151) بسنده : عن شرحبيل بن مسلم الخولاني قال : “رأيت خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصون شواربهم ويعفون لحاهم ويصفرونها : أبو أمامة الباهلي ، وعبد الله بن بسر ، وعتبة بن عبد السلمي ، والحجاج بن عامر الثمالي ، والمقدام بن معد يكرب الكندي ، كانوا يقصون شواربهم مع طرف الشفة “.

وأجابوا عن أدلة القول الأول بأحد جوابين :

1- أن المراد بالإحفاء والإنهاك : هو قص طرف الشعر الذي على الشفة ، وليس حلق أصل الشعر ، بدليل الروايات التي فيها ذكر القص فقط ، فهي مُبَيِّنَةٌ لأحاديث الإحفاء .

قال أبو الوليد الباجي في “المنتقى شرح الموطأ” (7/266) :

” روى ابن القاسم عن مالك : أن تفسير حديث النبي صلى الله عليه وسلم في إحفاء الشوارب إنما هو أن يبدو الإطار : وهو ما احمَرَّ من طرف الشفة ، والإطار جوانب الفم المحدقة به ” انتهى .

وقال النووي في “المجموع” (1/340) :

” وهذه الروايات – يعني روايات ( أحفوا..أنهكوا..الشوارب ) – محمولةٌ عندنا على الحف من طرف الشفة ، لا مِن أصل الشعر ” انتهى .

2- أن الإحفاء والإنهاك في اللغة لا يعني الإزالة الكلية ، بل يعني إزالة بعضه .

قال أبو الوليد الباجي في “المنتقى شرح الموطأ” (7/266) :

” إنهاك الشيء لا يقتضي إزالة جميعه ، وإنما يقتضي إزالة بعضه . قال صاحب “الأفعال” : نهكته الحمى نهكا : أثرت فيه ” انتهى .

3- أن المراد بالإنهاك ، والإحفاء : المبالغة في قصه ، لا حلقه بالكلية .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، بعد ذكر ألفاظ أحاديث الباب ، واختلافها :

” فكل هذه الألفاظ تدل على أن المطلوب : المبالغة في الإزالة ؛ لأن (الجز) – وهو بالجيم والزاي الثقيلة – : قص الشعر والصوف إلى أن يبلغ الجلد . و(الإحفاء) – بالمهملة والفاء – : الاستقصاء؛ ومنه : ( حتى أحفوه بالمسألة ) .

قال أبو عبيد الهروي : معناه الزقوا الجز بالبشرة .

وقال الخطابي : هو بمعنى الاستقصاء .

والنهك – بالنون والكاف – : المبالغة في الإزالة ، ومنه ما تقدم في الكلام على الختان ، قوله صلى الله عليه وسلم للخافضة : ( أشمي ولا تنهكي ) ؛ أي لا تبالغي في ختان المرأة . وجرى على ذلك أهل اللغة ” انتهى ، “فتح الباري” (10/347) .

والراجح – والله أعلم – هو القول الثاني ، بأن السنة هي القص وليس الحلق .

قال الشيخ ابن عثيمين في “مجموع الفتاوى” (11/باب السواك وسنن الفطرة/سؤال رقم 54) :

” الأفضل : قص الشارب كما جاءت به السنة… وأما حلقه فليس من السنة .

وقياس بعضهم مشروعية حلقه على حلق الرأس في النسك : قياس في مقابلة النص ، فلا عبرة به ، ولهذا قال مالك عن الحلق : إنه بدعه ظهرت في الناس ، فلا ينبغي العدول عما جاءت به السنة ، فإن في اتباعها الهدى والصلاح والسعادة والفلاح ” انتهى باختصار .

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ورد في عدة أحاديث : (قصوا الشارب) فهل الحلق يختلف عن القص ؟ وبعض الناس يقص من أول شاربه مما يلي شفته العليا ، ويترك شعر شاربه ، تقريباً يقص نصف الشارب ، ويترك الباقي ، فهل هذا هو المعنى ؟ أو ينهك الشارب أي : يحلق جميعه؟ أرجو الإفادة عن الطريقة التي يقص الشارب بها .

فأجابت

“دلت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على مشروعية قص الشارب ، ومن ذلك : قوله صلى الله عليه وسلم : (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى ؛ خالفوا المشركين) متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى ؛ خالفوا المجوس) ، وفي بعضها : (أحفوا الشوارب) والإحفاء هو المبالغة في القص ، فمن جز الشارب حتى تظهر الشفة العليا ، أو أحفاه : فلا حرج عليه ؛ لأن الأحاديث جاءت بالأمرين ، ولا يجوز ترك طرفي الشارب ، بل يقص الشارب كله ، أو يحفيه كله ؛ عملاً بالسنة” انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز … الشيخ عبد الرزاق عفيفي … الشيخ عبد الله بن قعود . “فتاوى اللجنة الدائمة” (5/149) .

وقد اختار الطبري والقاضي عياض جواز الأمرين : الحف والقص .

وينظر : “فتح الباري” (10/347-348) ، “زاد المعاد” لابن القيم (1/171-175) ، وأيضا : “الموسوعة الفقهية” (25/320) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android