طوال عملي في المصانع التابعة لشركات أجنبية ، طوال 6 سنوات تقريبا ، والمختلطة من حيث التوقيت في العمل ، ومن حيث الجنسين وما يتبع ذلك من محادثات ومزح وما إلى ذلك ومشاهدة أشياء محرمة وفواحش تقع بين بعض الشبان وبعض الفتيات ، وذلك على سبيل الصدفة ، خصوصا عند العمل ليلا ، وطبعا كنت أحصل على أجري كل شهر ، والآن وقد تركت العمل منذ سنتين بقي لدي أشياء كنت قد اشتريتها من تلك الرواتب التي كنت أتقاضاها ، منها آلة خياطة كنت أيضا أخيط عليها الملابس للفتيات ، وقد كنت لا أهتم لاحتشام هذه الملابس ، بل كنت أخيط كل ما تريده زبوناتي ، ولكن الآن تبت إلى الله عز وجل ، ولم أعد أفعل ذلك . سؤالي هو : ما حكم تلك الأموال التي كنت أتقاضاها ، وما حكم ما بقي من الأشياء التي اشتريتها بذاك المال ، وكيف أتصرف فيها ، ومنها آلة الخياطة ، وبعض الذهب ، وبعض الأثاث والمفروشات ؟
أفيدوني لما فيه مرضات الله سبحانه وتعالى عني ؛ لأني أريد أن تكون توبتي خالصة لله ، ونقية من كل شائبة .
هل تتخلص من المال الذي أخذته من العمل الحرام ؟
السؤال: 103918
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
نحمد الله تعالى أَنْ مَنَّ عليك بالتوبة ، ورزقك الإنابة ، فوالله إن خير ما يكسبه المرء في دنياه صدق الرجوع إلى الله ، ومن أراد الله به خيرا فتح له باب الذل والانكسار والافتقار ، وأراه عيوب نفسه وجهلها وظلمها وتعديها حدوده ، وألان قلبه إلى التوبة والاستغفار والندم على الذنب والتفريط .
فقد كان عملك في الأماكن المختلطة وفي صنع وإنتاج ما يستعمل على الوجه الحرام من المحرمات التي تمنعها الشريعة الإسلامية ، حفظا للدين ، وصيانة لمجتمعات المسلمين ، والتزاماً بحدود الله ، وتعظيماً لشرعه ، ومعرفةً لقدره عز وجل .
قال ابن القيم في “الوابل الصيب” (ص/32) :
” وأما علامات تعظيم المناهي : فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها ، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها ، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها ، وأن يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس ، وأن يجانب الفضول من المباحات حشية الوقوع في المكروهات ، ومجانبة مَن يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو إليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها ، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه ، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته ” انتهى .
ثانيا :
خياطة الملابس النسائية الفاضحة – لمن تلبسها في المعصية وتستعملها في الفتنة – من الأعمال المحرمة ؛ لما فيها من الإعانة على المنكر ، والواجب على المسلم تعظيم حدود الله فلا يرضى أن يعصى الرب تعالى من طريقه ، ولا يقبل أن يكون من أعوان الشيطان وحزبه.
قال ابن تيمية في “شرح العمدة” (4/387) :
” وكل لباس يغلب على الظن أن يستعان بلبسه على معصية فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم ، وكذلك كل مباح في الأصل علم أنه يستعان به على معصية ” انتهى .
وقال أيضا – كما في “مجموع الفتاوى” (22/141) – :
” إذا أعان الرجل على معصية الله كان آثما ؛ لأنه أعان على الإثم والعدوان ، ولهذا لعن النبى صلى الله عليه وسلم الخمر ، وعاصرها ، ومعتصرها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وبائعها ، ومشتريها ، وساقيها ، وشاربها ، وآكل ثمنها .
وأكثر هؤلاء كالعاصر والحامل والساقي إنما هم يعاونون على شربها ، ولهذا ينهى عن بيع السلاح لمن يقاتل به قتالا محرما : كقتال المسلمين ، والقتال فى الفتنة “انتهى .
وقال ابن حزم في “المحلى” (7/522) :
” ولا يحل بيع شيء ممن يوقن أنه يعصي الله به أو فيه , وهو مفسوخ أبدا :
كبيع كل شيء يعصر ممن يوقن بها أنه يعمله خمرا . وكبيع المملوك ممن يوقن أنه يسيء ملكته . أو كبيع السلاح أو الخيل : ممن يوقن أنه يعدو بها على المسلمين . أو كبيع الحرير ممن يوقن أنه يلبسه , وهكذا في كل شيء ; لقول الله تعالى : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) .
والبيوع التي ذكرنا تعاون ظاهر على الإثم والعدوان بلا تطويل , وفسخها تعاون على البر والتقوى .
فإن لم يوقن بشيء من ذلك فالبيع صحيح ; لأنه لم يعن على إثم , فإن عصى المشتري الله تعالى بعد ذلك فعليه ” انتهىباختصار.
وجاء في “الموسوعة الفقهية” (2/73) :
” لا يجوز احتراف ما يؤدي إلى الحرام أو ما يكون فيه إعانة عليه , كالوشم : لما فيه من تغيير خلق الله ، وككتابة الربا : لما فيه من الإعانة على أكل أموال الناس بالباطل ، ونحو ذلك ” انتهى .
ثالثا :
التوبة من المال الحرام شرطها التخلص منه ، وذلك بصرفه في مصالح المسلمين ، وفي أوجه البر المختلفة .
قال ابن تيمية – كما في “مجموع الفتاوى” (22/142) :
” ومن أخذ عِوضًا (أجرة) عن عين محرمة ، أو نفع استوفاه ، مثل : أجرة حَمَّال الخمر ، وأجرة صانع الصليب ، وأجرة البَغِيّ ، ونحو ذلك ، فليتصدق بها ، وليتب من ذلك العمل المحرم ، وتكون صدقته بالعوض (الأجرة) كفارة لما فعله ؛ فإن هذا العوض لا يجوز الانتفاع به ؛ لأنه عوض خبيث ” انتهى .
وجاء في “الفروع” (2/666) لابن مفلح :
” والواجب في المال الحرام التوبة وإخراجه على الفور ” انتهى .
فالواجب عليكِ تقدير ما حصلته من أجرة خياطة ثياب النساء المتبرجات ، ثم إخراجه للفقراء والمساكين رجاء تكفير الإثم والمعصية السابقة .
أما الأموال التي حصلتِها من العمل في المصنع – ومنها آلة الخياطة – فلا يجب عليك إخراجها ولا التخلص منها ؛ لأن الحرام لم يتعلق بأصل العمل ، بل بالاختلاط الذي صاحبَه ، وهو أمر خارجٌ عن أصله ، اللهم إلا إذا كان عمل المصنع في الحرام ، كمصانع الخمور والدخان والآلات المحرمة ، فيجب عليك حينذ إخراج الأجرة التي أخذتها منه .
وإن ضاق عليك الحال ، ولم تتمكني من إخراج جميع المال الذي حصلته من خياطة الملابس المحرمة ، فلا حرج عليك من إبقاء ما تحتاجين إليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – كما في “مجموع الفتاوى” (29/308) :
” فإن تابت هذه البغي وهذا الخَمَّار وكانوا فقراء ، جاز أن يُصرف إليهم من هذا المال قدر حاجتهم ، فإن كان يقدر يتجر أو يعمل صنعة كالنسج والغزل ، أعطي ما يكون له رأس مال ” انتهى .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب