سؤالي إليكم أسري ، واجتماعي بنفس الوقت ، أبي – يا شيخ حفظكم الله – مبتلى بالمسكر ( الخمر ) منذ زمن , وكلما رأيته بهذه الحالة أنقهر ، وأغتم مما أراه ، وإذا نصحته وقلت له إن هذا الشيء لا يجوز وحرام : يزعل مني ، ويحاول إسكاتي ، مما يجعلني أتصادم معه في الكلام ، وأحياناً أسبه وكأنه واحد من أعدائي , علما بأن أمي متوفية – رحمها الله – منذ سنتين ، وجدتي التي هي أم أبي مريضة في المستشفى بسبب جلطة دماغية عافانا الله وإياكم منها , ومما يزيد الأمر سوءً أن أبي – هداه الله – لا يستطيع المشي إلا على العكاز ، ولمسافة قريبة فقط ؛ لأنه منذ صغره وهو أعـرج ، وعمره الآن 60 سنة ، وكما قلت لكم أنني نصحته أكثر من مرة ولكن لا فائدة من الكلام ، حيث إن أصحابه نصحوه ، ولكن لا حياة لمن تنادي , كذلك يعاني من مرض السكر ، والضغط , وأنا لا أريد العقوق به ، ولكن ما الذي يجب أن أعمله تجاهه ؟ .
والده يشرب الخمر ، فكيف يتصرف معه ؟
السؤال: 104976
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
شرب الخمر حرام ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد دلَّ على تحريمه الكتاب ، والسنَّة ، والإجماع ، ولا خلاف بين العلماء في تحريمه .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) المائدة/ 90 ، 91 .
وللخمر مفاسد على الدين ، والبدن ، والعقل ، والمال ، والعرض ، ولذا فإن كثيراً من الصحابة رضي الله عنهم حرّموا شربها على أنفسهم في الجاهلية : ومنهم أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه ، قالت عائشة رضي الله عنها : ” حرَّم أبو بكر الخمرة على نفسه ، فلم يشربها في جاهلية ، ولا إسلام، وذلك أنه مرَّ برجل سكران يضع يده في العذرة ويدنيها من فيه ، فإذا وجد ريحها صرف عنها ، فقال أبو بكر : إن هذا لا يدري ما يصنع ” .
ومنهم : عثمان بن مظعون ، حيث روي عنه قوله : ” لا أشرب شراباً يذهب عقلي ، ويضحك بي مَن هو أدنى مني ، ويحملني على أن أنكح كريمتي من لا أريد ” .
ومنهم : قيس بن عاصم ، حيث روي عنه قوله – في سبب تحريم شرب الخمر على نفسه – : ” لأني رأيته متلفة للمال ، داعية إلى شرّ المقال ، مذهبة بمروءات الرجال ” .
ويتعرض شارب الخمر يعرِّض نفسه لمفاسد وعقوبات في نفسه ، إن لم يتدارك نفسه بتوبة صادقة : هلك ، وانظر بعض هذه المفاسد والعقوبات في جواب السؤال رقم (38145 ) .
ثانياً:
أما ما يجب عليه تجاه المنكر الذي يفعله والدك فإنه يتلخص بما يلي :
1. المداومة على نصحه ، ووعظه ، بتبيين حرمة شربه للخمر ، والعقوبات المترتبة على فعله .
2. التلطف في المعاملة ، والإحسان له بالقول والفعل .
3. عدم إعانته على شراء الخمر ، لا من حيث جلبه له ، ولا من حيث إعطاؤه من المال ما يشتري به من ذلك المنكر .
4. عزله عن الأسرة ، أو عزل الأسرة عنه في حال سكره ؛ لئلا تؤثر مخالطته لهم على سلوكهم وأخلاقهم ، خاصة إذا كان في الأسرة من يمكن أن يتأثر به ؛ ولكي يأمنوا شرَّ أفعاله إذا سكر .
5. رفع الأمر لمن يأخذ على يده بالعقوبة ، من حاكم ، أو قاضٍ ، أو جهات مسئولة .
6. الدعاء له بأن يهديه الله ويخلصه من فعل الحرام .
وهذه بعض الفتاوى في الموضوع ، نسأل الله أن تكون نافعة في بيان المقصود .
أ. سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم الإسلام في المسلم الذي يشرب الخمر ، ولا يقبل النصح ، ويعلل ذلك بقوله : ” إنه هو الوحيد الذي سيحاسبه الله ” ، ولا يسمح لأحد أن يتدخل في شئونه ، فهل يجوز للمسلمين أن يتعاملوا معه أو لا ؟
فأجابوا :
يجب على مَن عرف الحق من المسلمين أن يبلغه قدر طاقته ، وأن يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر حسب استطاعته ، فإن قُبلت نصيحته : فالحمد لله ، وإلا رفع أمر مَن ارتكب المنكر أو فرَّط في الواجبات إلى ولي الأمر العام ، أو الخاص ، ليأخذ على يد المسيء حتى يرتدع ، ولا ينتشر الشر ، ودعوى من يشرب الخمر ويصر على ذلك أنه لا يحاسبه على شربها غير الله : ليست بصحيحة إذا كان يشربها علناً ، فإن مَن يراه يشربها مكلف بالإنكار عليه حسب استطاعته ، فإن لم يقم بالواجب عليه نحو من يرتكب المنكر : عوقب على تفريطه في واجب البلاغ والإنكار ، فليس شرب إنسان الخمر علناً مما يختص جرمه بالشارب ، بل يعود ضرره على المجتمع في الدنيا ، وخطره يوم القيامة على الشارب ، والمفرط في الإنكار عليه ، وفي الأخذ على يده ، وعلى مَن عرف من المسلمين حال المجرم أن يهجره في المعاملات ، ولا يخالطه إلا بقدر ما ينصح له ، وما يضطر إليه فيه ، وليجتهد ما استطاع في إبلاغ ذلك إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه الحد ؛ ردعاً له ، ولغيره ؛ وقطعا لدابر الشر والفساد ؛ وتطهيراً للمجتمع من ذلك الوباء .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 22 / 81 ، 82 ) .
ب. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً – :
أنا موظف في إحدى الدوائر الحكومية ، وأستلم راتبا وقدره ( 2981 ) ريالاً ، ولي أب يريد أن أعطيه من الراتب الذي أستلمه ، وأنا لا أقدر ؛ لأنني اشتريت سيارة ، وأسدد أقساطها ، وكل قسط ( 2000 ) ريال ، ولي أخت تعطيه شهريا ( 850 ) ريالاً ، ويوجد عنده محل يبيع ويشتري المواد الغذائية ، ويريد مني نقوداً ، وأنا لا أقدر ، مع أنه يشرب الخمر ! ويريد أن أعطيه نقوداً ، فهل يجوز أن أعطيه نقوداً مع أنه يمكن أن يشتري خمراً بالنقود التي أعطيه إياها ؟ وإذا لم أعطه نقوداً يطردني من البيت ، ويقول :” إن لم تعطني نقوداً فاخرج من البيت ” ، وأخواتي لا يعطيهم نقوداً إلا بعد مشقة كبيرة .
أفيدوني في هذا السؤال ، أفادكم الله ، وأسكنكم فسيح جناته ؟ .
فأجابوا :
إذا كان الواقع كما ذُكر من أنه يشرب الخمر ، وكان عنده ما يكفيه لحاجته المباحة : فصاحبه في الدنيا بالمعروف ، وأحسن إليه بما تيسر لك ، مما لا يتمكن من صرفه في محرم ؛ مثل أن تعطيه كسوة ، أو كيس أرز ، أو شيئاً مما يكون أثاثاً للبيت ؛ من سجادة ، أو أواني ، وتبش في وجهه ، وتكلمه كلاماً ليِّناً سمحاً ، ونحو ذلك من المعروف والإحسان ، مع نصيحته بترك شرب الخمر ، وسائر المحرمات .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
” فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 25 / 173 ، 174 ) .
ج. وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله – :
أنا شاب هداني الله للإيمان – والحمد لله – متزوج حديثًا ، وأتقاضى راتباً شهريّاً ، وقد استأجرت بيتًا ، وسكنت فيه مع زوجتي ؛ وذلك لصغر بيت أهلي ، وأعطي أهلي جزءًا من راتبي ، وبعضه لوالدي الذي يشرب الخمر يوميّاً ! فهو مدمن عليها ! لذلك فإن ضميري يؤنبني بأني بذلك أشجعه على شراء الخمر ، علماً أنه يتقاضى راتباً يعطي منه لوالدتي نصفه والباقي يصرفه على شراء الخمر ، والسجائر ، ولعب القمار – أحياناً – ، خصوصاً وأنا بحاجة إلى هذا المبلغ لتكوين نفسي ، وكذلك فإن أختي الكبيرة تعطيه من راتبها ، فما حكم إعطائنا له تلك المبالغ ؟ أفيدونا أفادكم الله .
فأجاب:
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي ، ولاسيما الكبائر ، كشرب الخمر ، ولعب القمار ، وغير ذلك مما حرم الله سبحانه وتعالى ، فيجب على هذا الوالد ، وعلى كل عاصٍ : أن يتوب إلى الله ، ويبادر بالتوبة ، وألا يتجارى مع الهوى ، والشيطان ، فيُهلك نفسه ، فيقع في غضب الله ، وسخطه ، والواجب عليكم أن تناصحوه ، وأن تكرروا له النصيحة ، وتغلظوا عليه ، وإذا كان هناك سلطة إسلامية : فيجب عليكم أن ترفعوا شأنه إليها للأخذ على يده ، وإعانته على نفسه .
وأما بالنسبة لما تعمله أنت ، وأنك هداك الله للإسلام : فهذه نعمة عظيمة ، ونسأل الله لنا ولك الثبات ، ثم ما تعمله من توزيع راتبك على حوائجك ، وعلى أهلك ، وعلى والدك : فهذا شيء تشكر عليه ، ونرجو الله أن يتقبل منا ومنك .
وأما بالنسبة لكون والدك يشرب الخمر ، ويستعين بما تعطيه على ذلك : فإذا تحققت أن والدك يستعين بما تدفعه إليه على معصية الله : فلا تعطه ؛ لأن الله جل وعلا يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/ 2 .
فإذا تحققت من أن والدك يستعين بما تعطيه إياه على معصية الله : فإنك تمنع عنه العطاء ؛ لعله يتوب إلى الله ، ويرتدع عما هو عليه .
وعلى كل حال : الوالد له حق ، لكن إذا كان بالحالة التي ذكرتها ، وأنه يستعين بما تدفعه إليه على شرب الخمر ، ولعب القمار ، وغير ذلك : فإنك لا تعطيه شيئًا يعينه على المعصية .
” المنتقى من فتاوى الشيخ صالح بن فوزان ” ( 4 / ص 261 ، السؤال 266 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة