كنت أتاجر بمال حرام والآن أريد الخلاص منه وأن أبدأ بمال حلال ، ولكن أصبحت أشك في أي أموال أريد أن أقترضها ، وأخاف أن تكون حراما ؟ كيف أتخلص من شكوكي وأغلب أموال الناس أجد فيها بعض المعاملات الحرام ، وخوفي أن أقترض مالا من شخص أشك فيه ويأتي علي يوم أكتشف فيه أن أموالي حرام مرة أخرى فماذا أفعل ؟ أرجو أن تدعو الله أن يرزقني مالا حلال لا أشك فيه . وما هو الحل لمشكلتي ؟ وكيف أتخلص من شكوكي؟
يريد الاقتراض من غيره ويخشى أن يكون ماله حراما
السؤال: 105239
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
نهنئك على التوبة من الاتجار بالمال الحرام ، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك ، ويهيئ لك أسباب الرزق الحلال ، وأن يبارك لك فيه.
ثانيا :
ينبغي إحسان الظن بالمسلم ، وحمله على السلامة ما أمكن ، فالأصل في الأموال التي معه أنه اكتسبها بطريق مباح ، حتى يثبت خلاف ذلك ، ومن كان هذا حاله جاز التعامل معه في ماله بيعا وشراء وهبة وقرضا وغير ذلك .
وقد قَررَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذا الأصل. فقال رحمه الله : ” جميع الأموال التي بأيدي المسلمين واليهود والنصارى التي لا يُعلم بدلالة ولا أمارة أنها مغصوبة أو مقبوضة قبضا لا يجوز معه معاملة القابض ، فإنه يجوز معاملتهم فيها بلا ريب ، ولا تنازع في ذلك بين الأئمة أعلمه .
ومعلوم أن غالب أموال الناس كذلك …
فإذا نظرنا إلى مال معين بيد إنسان لا نعلم أنه مغصوب ، ولا مقبوض قبضا لا يفيد المالك ، واستوفيناه منه أو اتّهبناه منه [أي أخذناه هبة] أو استوفيناه عن أجرة أو بدل قرض لا إثم علينا في ذلك بالاتفاق ، وإن كان في نفس الأمر قد سرقه أو غصبه .
فإذا لم أعلم حال ذلك المال الذي بيده بنيت الأمر على الأصل … لكن إن كان ذلك الرجل معروفاً بأن في ماله حراماً ترك معاملته ورعاً ، وإن كان أكثر ماله حراماً ، ففيه نزاع بين العلماء .
وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلا ، ومن ترك معاملته ورعاً كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان ” انتهى من “مجموع الفتاوى” (29/323- 327) بتصرف واختصار .
والمال الحرام نوعان :
الأول : ما كان محرما لكسبه ، فهذا حرام على كاسبه فقط ، ولا يحرم على من أخذه منه بوجه مشروع ، وذلك كالمال الذي كسبه صاحبه من الربا أو من العمل في بعض الوظائف المحرمة ، فهذا إن اقترضتَ منه ، لم يلحقك إثم ؛ لأنك أخذته منه بوجه مشروع ، ولكن كره بعض أهل العلم الاقتراض ممن هذا حاله .
والنوع الثاني : ما كان محرما لعينه ، كالخمر ، أو كان مستحقا للغير ، كالمال المنهوب أو المسروق أو المغصوب ، فهذا لا يجوز قبوله عن طريق الهبة أو القرض أو البيع والشراء ، لأنه في حال الخمر مال مهدر شرعا ، وفي حال المسروق والمغصوب ، يجب رده إلى صاحبه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قال بعض العلماء : ما كان محرما لكسبه ، فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب ، بخلاف ما كان محرما لعينه ، كالخمر والمغصوب ونحوهما ، وهذا القول وجيه قوي ، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله ، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر ، وأجاب دعوة اليهودي ، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا ويأكلون السحت ، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة : (هو لها صدقة ، ولنا منها هدية) “انتهى من “القول المفيد على كتاب التوحيد” (3 / 112).
وقال أيضا : ” وأما الخبيث لكسبه فمثل المأخوذ عن طريق الغش ، أو عن طريق الربا ، أو عن طريق الكذب ، وما أشبه ذلك ؛ وهذا محرم على مكتسبه ، وليس محرما على غيره إذا اكتسبه منه بطريق مباح ؛ ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود مع أنهم كانوا يأكلون السحت ، ويأخذون الربا ، فدل ذلك على أنه لا يحرم على غير الكاسب ” انتهى من “تفسير سورة البقرة” (1/198).
وبهذا يتبين أن الأصل في الأموال التي بأيدي الناس أن لهم التصرف فيها ، ويجوز معاملتهم فيها .
وما يوجد في بعض معاملاتهم من الحرام ، لا يعني أن تكون تلك الأموال حراماً على جميع الناس ، بل منها ما يكون حراماً على من اكتسبه فقط ، ومنها ما يحرم على كل من علم بها . كما سبق .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والعون والهداية والسداد .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب