أريد أن أصلح في الأرض ، ولكن لا يوجد عندي شهادة جامعية ، وأنا جالسة في بيتي ، ولست متزوجة لكي أصلح بيتي وأولادي ، فبماذا تنصحني أعمل ؟
تريد الإصلاح في الأرض
السؤال: 108236
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الإصلاح في الأرض وظيفة الأنبياء ، ومهمة الرسل الأولى ، يقوم بها من بعدهم الصالحون والمؤمنون ، يبتغون في ذلك رضوان الله تعالى ، الذي أمرهم بالخيرات ، ونهاهم عن السيئات .
فقد قال عز وجل على لسان نبيه شعيب عليه السلام :
( إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) هود/88.
ثم إن من فضل الله على عباده أن فتح للخير أبوابا لا تعد ولا تحصى ، ونصب لمن أراد الإصلاح والصلاح كل سبيل ، ولم يَقصُر سبيل الخير على شخص أو مكان أو زمان .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ) رواه البخاري (9) ومسلم (35).
فكل طاعة تقومين بها من صلاة وصيام وزكاة وقراءة للقرآن هي لبنة في صلاح الأرض وعمارتها بالخير ، إذ هي سبب لنزول الرحمات وتتابع الخيرات ودفع النقمات ، ورب حسنة كانت سببا في نجاة قوم من العذاب والهلاك ، بل حتى الاستغفار والذكر باللسان سبب يفتح الله به أبواب البركات .
يقول الله سبحانه : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ) نوح/10-12
ومن أعظم الإصلاح في الأرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذا عرف المسلم أركان الإسلام وفرائضه الظاهرة بلّغَها الناس ، وذكر بها الغافلين ، وعلمها الجاهلين ، وإذا عرف الكبائر والمحرمات الظاهرة حذر منها المسلمين ، ووعظ الوالغين فيها من سخط الله وعقابه ، يبدأ بِمَن حوله من أهل بيته وجيرانه وأصحابه ، وإن قدر على إيصال كلمته إلى غيرهم لم يتوان ولم يُقصِّر ، وهو في ذلك يبتغي مرضات الله عز وجل .
فإن عجزت عن شيء من ذلك كله ، فأمسكي عن الشر ، فهو صدقة منك على نفسك ، وإصلاح لنفسك ، ولغيرك :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : ( قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ ؟
قَالَ : الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ .
قَالَ : قُلْتُ : أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ ؟
قَالَ : أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا ، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا .
قَالَ : قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ ؟
قَالَ : تُعِينُ صَانِعًا ، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ .
قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ ؟
قَالَ : تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ .)
رواه مسلم (84) .
واعلمي أيتها الأخت الفاضلة أن الله يتقبل من عباده كل إصلاح وصلاح إذا كان خالصا لوجهه الكريم ، مهما كان صغيرا ، خاصة إذا كان فيه إحسان إلى الناس ، ومساعدة لهم ، وتفريج كرباتهم وقضاء حوائجهم .
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) رواه مسلم (2626)
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( كُلُّ سُلاَمَى عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ ، يُعِينُ الرَّجُلَ فِى دَابَّتِهِ يُحَامِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَدَلُّ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ) رواه البخاري (2891) ومسلم (1009) .
فوصيتنا لك أن تُفَتِّشي حولك عن أبواب الخير كلِّها : البر بالأقارب والأصحاب والإخوان ، والإحسان إلى الجيران ، ورعاية الفقراء والأيتام ، وعيادة المرضى ، ونحوها من الأبواب ، فتسلكي منها ما ييسره الله لك ، مع حرصك الدائم على مراقبة الله تعالى في نفسك في السر والعلن ، والمسارعة نحو الاستزادة من الطاعات والعبادات ، ليكون كل يوم يمر عليك أفضل من اليوم الذي يسبقه .
كما نوصيك بالبحث عن العلم النافع ، سواء كان علما شرعيا ، أم علما دنيويا ، ليكون لك بابا من أبواب الخير ، وتتمكني به من خدمة المسلمين ، وإصلاح شأنهم ، واحرصي على اختيار العلم الذي يحتاجه مَن حولك مِن الناس ، لتكوني أنت مَن يسد عنهم حاجتهم ، فتنالين بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى .
نسأل الله سبحانه لنا ولك التوفيق والنجاح في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب