0 / 0
9,67617/09/2008

إذا أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه قبل القبض؟

السؤال: 108358

إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات ، لشراء سلع بقيمة معينة ، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولا :

الكوبون الذي يخوّل حامله شراء سلع من مكان محدد ، يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع ، ولا يعتبر سندا بالنقود ، وعليه فلا يجري في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود ، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع .

ثانيا :

بيع هذه الكوبونات التي تمثل سلعاً من الطعام أو الكساء أو غير ذلك ، فيه تفصيل :

إذا كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة ، كأن يشتريها إنسان بثمن ما ممن أخذها من الشركة ، ثم يريد بيعها ، فلا يجوز له بيعها حتى يقبض هو السلع ثم يبيع السلع إن شاء ، لأن بيع الشيء قبل قبضه لا يجوز .

قال صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : ( إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه ) رواه أحمد (15399) والنسائي ( 613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) .

وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ( نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.

وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن عباس : (وأحسب كل شيء مثله) . أي : لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .

أما إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة ، كأن تكون هدية من الشركة لموظفيها ، فقد اختلف العلماء في جواز بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها .

فروى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ : أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا ! فَقَالَ مَرْوَانُ : مَا فَعَلْتُ . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى . فَخَطَبَ مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا . قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ .

ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ ، فَتَبَايَعَ النَّاسُ تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا ، فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَا : أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا يَا مَرْوَانُ ! فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ ، وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَا : هَذِهِ الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا ، فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ ، وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا .

(الجار) مكان بساحل البحر الأحمر ، كان يجمع فيه الطعام .

واختلف في المراد بهذا الحديث على قولين :

الأول : أن من أخذ الصكاك له أن يبيعها قبل قبضها ، لأنه لم يأخذها بمعاوضة ، بل عطية من بيت المال ، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبيعها إلا بعد قبض الطعام .

والثاني : أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها .

وإلى الأول ذهب المالكية والشافعية ، فأجازوا أن يبيع الإنسان ما ملكه بغير معاوضة ، كالهبة والوصية والميراث ، ولو لم يقبضه .

وإلى الثاني ذهب غيرهم ، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله ، فقد نص على كراهيته وقال : هو شيء مغيب لا يدري أيصل إليه أم لا ؟

انظر : “المنتقى للباجي” (4/284)، “حاشية الدسوقي” (3/151) ، “القواعد لابن رجب” ص (84) ، “المهذب مع المجموع” (9/328).

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : ” الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ ، بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا : لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره ، فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ; وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا .

وَالثَّانِي : مَنْعهَا . فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة وَبِحُجَّتِهِ . وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته : وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ ” انتهى .

وقال الشيرازي في “المهذب” (9/328) : ” ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه , كبيع الأعيان المملوكة بالبيع والإجارة والصداق , وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما روي أن حكيم بن حزام قال : يا رسول الله إني أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لي منها مما يحرم ؟ قال : (لا تبع ما لم تقبضه) ولأن ملكه عليه غير مستقر ; لأنه ربما هلك فانفسخ العقد , وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز … فأما ما ملكه بغير معاوضة كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد , فإنه يجوز بيعه قبل القبض , لأن ملكه عليه مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض ” انتهى .

ومما يرجح القول بالجواز : ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 131 ) عن الزهري أن ابن عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك , ويقولون : لا تبعه حتى تقبضه .

فهذا يرجح الاحتمال الأول ، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه ، بل النهي متوجه لمن اشترى منه ، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه .

ولكن يبقى أمر آخر ، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة ، من جهة عدم تحديد السلع التي تؤخذ به ، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة ؛ لأن السلع محدودة بقدر معين من المال ، فمآلها إلى العلم .

وخلاصة الجواب : أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة ، أن يبيعه على غيره بأزيد أو أقل من قيمته ، وأما من اشتراه منه ، أو كان أخذه من الشركة أجرةً على عمله فليس له أن يبيعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android