إذا أخذ كوبونا هدية فهل له أن يبيعه قبل القبض؟
السؤال: 108358
إذا أعطت الشركة لموظفيها كوبونات ، لشراء سلع بقيمة معينة ، فهل يجوز بيع الكوبون بأقل من قيمته ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
الكوبون الذي يخوّل حامله شراء سلع من مكان محدد ،
يعتبر سندا أو صكا بقدر معين من السلع ، ولا يعتبر سندا بالنقود ، وعليه فلا يجري
في هذا الكوبون أحكام التعامل بالنقود ، وإنما ينظر إليه باعتبار ما يمثله من سلع .
ثانيا :
بيع
هذه الكوبونات التي تمثل سلعاً من الطعام أو الكساء أو غير ذلك ، فيه تفصيل :
إذا
كانت الكوبونات مأخوذة بعقد معاوضة ، كأن يشتريها إنسان بثمن ما ممن أخذها من
الشركة ، ثم يريد بيعها ، فلا يجوز له بيعها حتى يقبض هو السلع ثم يبيع السلع إن
شاء ، لأن بيع الشيء قبل قبضه لا يجوز .
قال
صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : ( إذا اشتريت مبيعا فلا تبعه حتى تقبضه ) رواه
أحمد (15399) والنسائي ( 613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342) .
وأخرج أبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه ( نهى
أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) حسنه الألباني في صحيح أبي
داود.
وفي
الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع
طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132) ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن
عباس : (وأحسب كل شيء مثله) . أي : لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .
أما
إذا كانت الكوبونات مأخوذة بغير معاوضة ، كأن تكون هدية من الشركة لموظفيها ، فقد
اختلف العلماء في جواز بيعها قبل قبض السلع المستحقة بها .
فروى مسلم (2818) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ :
أَحْلَلْتَ بَيْعَ الرِّبَا ! فَقَالَ مَرْوَانُ : مَا فَعَلْتُ . فَقَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ : أَحْلَلْتَ بَيْعَ الصِّكَاكِ ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُسْتَوْفَى . فَخَطَبَ
مَرْوَانُ النَّاسَ فَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا . قَالَ سُلَيْمَانُ: فَنَظَرْتُ إِلَى
حَرَسٍ يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ .
ورواه مالك في الموطأ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ صُكُوكًا خَرَجَتْ لِلنَّاسِ فِي
زَمَانِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مِنْ طَعَامِ الْجَارِ ، فَتَبَايَعَ النَّاسُ
تِلْكَ الصُّكُوكَ بَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا ، فَدَخَلَ زَيْدُ بْنُ
ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَالَا : أَتُحِلُّ بَيْعَ الرِّبَا
يَا مَرْوَانُ ! فَقَالَ : أَعُوذُ بِاللَّهِ ، وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَا : هَذِهِ
الصُّكُوكُ تَبَايَعَهَا النَّاسُ ثُمَّ بَاعُوهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَوْفُوهَا ،
فَبَعَثَ مَرْوَانُ الْحَرَسَ يَتْبَعُونَهَا يَنْزِعُونَهَا مِنْ أَيْدِي النَّاسِ
، وَيَرُدُّونَهَا إِلَى أَهْلِهَا .
(الجار) مكان بساحل البحر الأحمر ، كان يجمع فيه الطعام .
واختلف في المراد بهذا الحديث على قولين :
الأول : أن من أخذ الصكاك له أن يبيعها قبل قبضها ، لأنه لم يأخذها بمعاوضة ، بل
عطية من بيت المال ، وأما من اشتراها منه فليس له أن يبيعها إلا بعد قبض الطعام .
والثاني : أن الجميع ممنوعون من بيعها قبل قبضها .
وإلى الأول ذهب المالكية والشافعية ، فأجازوا أن يبيع الإنسان ما ملكه بغير معاوضة
، كالهبة والوصية والميراث ، ولو لم يقبضه .
وإلى الثاني ذهب غيرهم ، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله ، فقد نص على كراهيته وقال :
هو شيء مغيب لا يدري أيصل إليه أم لا ؟
انظر : “المنتقى للباجي” (4/284)، “حاشية الدسوقي” (3/151) ، “القواعد لابن رجب” ص
(84) ، “المهذب مع المجموع” (9/328).
قال
النووي رحمه الله في شرح مسلم : ” الصِّكَاكَ جَمْع صَكّ وَهُوَ الْوَرَقَة
الْمَكْتُوبَة بِدَيْنٍ , وَالْمُرَاد هُنَا الْوَرَقَة الَّتِي تَخْرُج مِنْ
وَلِيّ الْأَمْر بِالرِّزْقِ لِمُسْتَحِقِّهِ ، بِأَنْ يَكْتُب فِيهَا :
لِلْإِنْسَانِ كَذَا وَكَذَا مِنْ طَعَام أَوْ غَيْره ، فَيَبِيع صَاحِبهَا ذَلِكَ
لِإِنْسَانٍ قَبْل أَنْ يَقْبِضهُ . وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي ذَلِكَ ;
وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ جَوَاز بَيْعهَا .
وَالثَّانِي : مَنْعهَا . فَمَنْ مَنَعَهَا أَخَذَ بِظَاهِرِ قَوْل أَبِي هُرَيْرَة
وَبِحُجَّتِهِ . وَمَنْ أَجَازَهَا تَأَوَّلَ قَضِيَّة أَبِي هُرَيْرَة عَلَى أَنَّ
الْمُشْتَرِي مِمَّنْ خَرَجَ لَهُ الصَّكّ بَاعَهُ لِثَالِثٍ , قَبْل أَنْ
يَقْبِضهُ الْمُشْتَرِي فَكَانَ النَّهْي عَنْ الْبَيْع الثَّانِي لَا عَنْ
الْأَوَّل , لِأَنَّ الَّذِي خَرَجَتْ لَهُ مَالِك لِذَلِكَ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا
وَلَيْسَ هُوَ بِمُشْتَرٍ فَلَا يَمْتَنِع بَيْعه قَبْل الْقَبْض , كَمَا لَا
يَمْتَنِع بَيْعه مَا وَرِثَهُ قَبْل قَبْضه . قَالَ الْقَاضِي عِيَاض بَعْد أَنْ
تَأَوَّلَهُ عَلَى نَحْو مَا ذَكَرْته : وَكَانُوا يَتَبَايَعُونَهَا ثُمَّ
يَبِيعهَا الْمُشْتَرُونَ قَبْل قَبْضهَا فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ ” انتهى .
وقال الشيرازي في “المهذب” (9/328) : ” ولا يجوز بيع ما لم يستقر ملكه عليه , كبيع
الأعيان المملوكة بالبيع والإجارة والصداق , وما أشبهها من المعاوضات قبل القبض لما
روي أن حكيم بن حزام قال : يا رسول الله إني أبيع بيوعا كثيرة فما يحل لي منها مما
يحرم ؟ قال : (لا تبع ما لم تقبضه) ولأن ملكه عليه غير مستقر ; لأنه ربما هلك
فانفسخ العقد , وذلك غرر من غير حاجة فلم يجز … فأما ما ملكه بغير معاوضة
كالميراث والوصية أو عاد إليه بفسخ عقد , فإنه يجوز بيعه قبل القبض , لأن ملكه عليه
مستقر فجاز التصرف فيه كالمبيع بعد القبض ” انتهى .
ومما يرجح القول بالجواز : ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ( 131 ) عن الزهري أن ابن
عمر وزيد بن ثابت كانا لا يريان بأسا بشرى الرزق إذا أخرجت القطوط , وهي الصكاك ,
ويقولون : لا تبعه حتى تقبضه .
فهذا يرجح الاحتمال الأول ، وهو أن النهي لا يلحق من أخذ الصك ثم باعه قبل قبضه ،
بل النهي متوجه لمن اشترى منه ، فليس له أن يبيعه حتى يقبضه .
ولكن يبقى أمر آخر ، وهو أن الكوبون بالسلع فيه نوع من الجهالة ، من جهة عدم تحديد
السلع التي تؤخذ به ، والذي يظهر أنها جهالة مغتفرة ؛ لأن السلع محدودة بقدر معين
من المال ، فمآلها إلى العلم .
وخلاصة الجواب : أنه يجوز لمن أخذ الكوبون هديةً من الشركة ، أن يبيعه على غيره
بأزيد أو أقل من قيمته ، وأما من اشتراه منه ، أو كان أخذه من الشركة أجرةً على
عمله فليس له أن يبيعه على ثالثٍ حتى يقبض السلع .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟