هل يمكننا تسمية الناس الذين يرتكبون الشرك والبدع بالمسلمين؟
تفصيل مفيد بالأمثلة عن البدعة والشرك
السؤال: 10843
ملخص الجواب
ضابط البدعة شرعاً التعبد لله بما لم يشرعه الله، وإن شئت فقل التعبد لله بما ليس عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه الراشدون. وضابط البدعة المكفرة من أنكر أمراً مجمعاً عليه متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة. وضابط البدعة غير المكفرة ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيءٍ مما أرسل الله به رسله. الشرك الأكبر هو كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه. والشرك الأصغر هو كل عمل قولي أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك ولكنه لا يُخرج من الملة. في إبطال الرياء للعبادة تفصيل، انظره في الجواب المطول.
Table Of Contents
هذا السؤال فيه مبحثان:
1/البدعة. 2/الشرك.
البدعة
وهذا المبحث فيه ثلاثة مطالب:
1/ ضابط البدعة. 2/أقسامها. 3/حكم من ارتكب البدعة – هل يكفر أم لا؟
ضابط البدعة
قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله -: "البدعة شرعاً ضابطها "التعبد لله بما لم يشرعه الله"، وإن شئت فقل: "التعبد لله بما ليس عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلفاؤه الراشدون".
فالتعريف الأول مأخوذ من قوله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: 21].
والتعريف الثاني مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور.
فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو بشيء لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون فهو مبتدع سواءٌ كان ذلك التعبد فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته أو فيما يتعلق بأحكامه وشرعه.
أما الأمور العادية التي تتبع العادة والعرف فهذه لا تُسمى بدعة في الدين، وإن كانت تسمى بدعة في اللغة، ولكن ليست بدعة في الدين وليست هي التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم.
ولا يوجد في الدين بدعة حسنة أبداً" أ.هـ. "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (ج/2، ص/291).
أقسام البدعة
البدعة تنقسم إلى قسمين:
الأول: بدعة مكفرة. الثاني: بدعة غير مكفرة.
فإن قلت: ما ضابط البدعة المكفرة وغير المكفرة؟
ضابط البدعة المكفرة
فالجواب:
قال الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله -: "ضابط البدعة المكفرة: من أنكر أمراً مجمعاً عليه، متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة من جحود مفروض، أو فرض ما لم يُفرض، أو إحلال محرم أو تحريم حلال، أو اعتقاد ما ينزه الله ورسوله وكتابه عنه، من نفي أو إثبات؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب وبما أرسل الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
مثل بدعة الجهمية في إنكار صفات الله عز وجل، والقول بخلق القرآن، أو خلق أي صفة من صفات الله، وكبدعة القدرية في إنكار علم الله وأفعاله، وكبدعة المجسمة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه.. وغير ذلك.
ضابط البدعة غير المكفرة
والقسم الثاني: البدع التي ليست بمكفرة – وضابطها -: ما لم يلزم منه تكذيب بالكتاب ولا بشيءٍ مما أرسل الله به رسله.
مثل بدع المروانية (التي أنكرها عليهم فضلاء الصحابة ولم يُقروهم عليها،ولم يكفروهم بشيء منها ولم ينزعوا يداً من بيعتهم لأجلها)، كتأخيرهم بعض الصلوات إلى أواخر أوقاتها، وتقديمهم الخطبة قبل صلاة العيد، وجلوسهم في نفس الخطبة في الجمعة وغيرها. "معارج القبول" (2/ 503-504).
حكم من ارتكب البدعة؟ هل يكفر أم لا؟
الجواب: فيه تفصيل:
فإن كانت البدعة مكفرة فلا يخلو فاعلها من حالين:
الأول: أن يُعلم أن قصده هدم قواعد الدين وتشكيك أهله فيه، فهذا مقطوعٌ بكفره، بل هو أجنبيٌ عن الدين، ومن أعداء الدين.
الثاني: أن يكون مغرَّرَاً به وملبَّساً عليه فهذا إنما يُحكم بكفره بعد إقامة الحجة عليه وإلزامه بها.
وإن كانت البدعة غير مكفرة فلا يكفر بل هو باقٍ على إسلامه إلا أنه فعل منكراً عظيماً.
كيفية التعامل مع أصحاب البدع
فإن قلت: وكيف التعامل مع أصحاب البدع؟
فالجواب:
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله -: "وفي كلا القسمين يجب علينا نحن أن ندعوا هؤلاء الذين ينتسبون إلى الإسلام ومعهم البدع المكفرة وما دونها إلى الحق؛ ببيان الحق دون أن نهاجم ما هم عليه إلا بعد أن نعرف منهم الاستكبار عن قبول الحق لأن الله تعالى قال: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108]… فإذا وجد العناد والاستكبار فإننا نبين باطلهم، على أن بيان باطلهم أمرٌ واجب.
أما هجرهم فهذا يترتب على البدعة، فإذا كانت البدعة مكفرة وجب هجره، وإذا كانت دون ذلك فإننا نتوقف في هجره؛ إن كان في هجره مصلحة فعلناه، وإن لم يكن فيه مصلحة، أو كان فيه زيادة في المعصية والعتو اجتنبناه؛ لأن ما لا مصلحة فيه تركه هو المصلحة، ولأن الأصل في المؤمن تحريم هجره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل لرجلٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاث" أ.هـ. من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" بتصرف (ج/2، ص/293).
الشرك
أنواع الشرك
قال الشيخ محمد بن عثيمين:
"الشرك نوعان: 1/ شرك أكبر مخرج عن الملة. 2/ شرك دون ذلك.
النوع الأول: الشرك الأكبر وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لله عز وجل لغير الله، كأن يصلي لغير الله، أو يصوم لغير الله، أو يذبح لغير الله، وكذلك من الشرك الأكبر أن يدعو غير الله، مثل أن يدعو صاحب قبر أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله.
النوع الثاني: الشرك الأصغر، وهو: – كل عمل قولي، أو فعلي أطلق عليه الشرع وصف الشرك، ولكنه لا يُخرج من الملة – مثل الحلف بغير الله فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.
فالحالف بغير الله الذي لا يعتقد أن لغير الله من العظمة ما يُماثل عظمة الله فهو مشرك شركاً أصغر، سواءٌ كان هذا المحلوف به معظماً من البشر أم غير معظم، فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا برئيس ولا بالكعبة ولا بجبريل لأن هذا شرك، لكنه شركٌ أصغر لا يُخرج من الملة.
أثر الرياء في إبطال العبادة
ومن أنواع الشرك الأصغر الرياء. والرياء: أن يعمل ليراه الناس لا لله.
والرياء ينقسم باعتبار إبطاله للعبادة إلى قسمين:
الأول: أن يكون في أصل العبادة، أي ما قام يتعبد إلا للرياء، فهذا عمله باطل مردود عليه؛ لحديث أبي هريرة مرفوعاً: قال الله تعالى "أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم كتاب الزهد رقم (2985).
الثاني: أن يكون الرياءُ طارئاً على العبادة، أي أن أصل العبادة لله لكن طرأ عليها الرياء فهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يدفعه، فهذا لا يضره.
مثاله: رجل صلى ركعة ثم جاء أُناس في الركعة الثانية فحصل في قلبه شيءٌ، بأن أطال الركوع، أو السجود، أو تباكى وما أشبه ذلك، فإن دَفَعه فإنه لا يضره، لأنه قام بالجهاد. وإن استرسل معه فكل عمل ينشأ عن الرياء فهو باطل كما لو أطال القيام، أو السجود، أو تباكى فهذا كل عمله حابط، ولكن هل هذا البطلان يمتد إلى جميع العبادة أم لا؟
نقول لا يخلو هذا من حالين:
الأولى: أن يكون آخر العبادة مبنياً على أولها مع فساد آخرها فهي كلها فاسدة.
وذلك مثل الصلاة: فالصلاة مثلاً لا يمكن أن يفسد آخرها ولا يفسد أولها، إذن تبطل الصلاة.
الحال الثانية: أن يكون أول العبادة منفصلاً عن آخرها بحيث يصح أولها دون آخرها، فما سبق الرياء فهو صحيح، وما كان بعده فهو باطل.
مثال ذلك: رجلٌ عنده مائة ريال فتصدق بخمسين لله بنية صالحة، ثم تصدق بخمسين بقصد الرياء، فالأولى مقبولة، والثانية غير مقبولة ؛ لأن آخرها مُنْفَكٌ عن أولها" أ.هـ. "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين"، و"القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (ج/1، ص/114) الطبعة الأُولى.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الشيخ محمد صالح المنجد
موضوعات ذات صلة