تنزيل
0 / 0

حكم تناول اللقاحات المستخرجة من سم العقارب والحيات وغيرها

السؤال: 109424

هل يجوز عمل مصل للدغة العقرب من سم العقرب نفسه ؟ وعموما هل يجوز إعطاء الأمصال المستخرجة من سموم الحيوانات أو من إفرازاتها ، أو من الحيوان نفسه كجسد ؟

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
المشهور في عالم الطب أن الطبيب البريطاني ” إدوارد جنر ” ( 1749 – 1823م ) هو من اكتشف التطعيم – التلقيح – كوسيلة لمنع مرض الجدري ، وقد ذكر الكاتب ” باول فاليللي ” في مقال بعنوان ” كيف غيَّر المخترعون المسلمون وجه العالم ” أن هذا التطعيم عرفه المسلمون قبل غيرهم ، فقال :
” فكرة التطعيم لم تبتكر بواسطة ” جنر ” و ” باستير ” ، ولكن ابتكرها العالَم الإسلامي ، ووصلت إلى أوروبا من خلال زوجة سفير بريطانيا في تركيا ، وتحديداً في اسطنبول عام 1724.

ثانياً:
منع بعض العلماء من التداوي قبل وقوع الداء ، إلا أن قولهم غير صحيح .
قال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله :
“حكم التطعيم قبل وقوع المرض : جائز ، كالتطعيم عن الحمَّى الشوكية ، والكوليرا ، والدليل على الجواز : أدلة منها :
1. ما ثبت في صحيح ( البخاري و) مسلم عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مَنْ تصبَّح بسبع تمرات من تمر المدينة : لم يضره سحر ، ولا سم ) ، فهذا توقٍّ للمرض قبل نزوله ، فهو من فعل الأسباب الجائزة .
2. ومنها : ما أجمع عليه الناس ، مِن الأكل ، والشرب ليتقي شرَّ الجوع ، والعطش ، ولبس الثياب الصفيقة ، وثياب الصوف ليتقي فيها شرَّ البرد ، ولبس المجاهد للدرع ، وأخذه السلاح ليتقي به شرَّ الأعداء ، فهذا اتقاء للمرض قبل وقوعه ، وقد اتفق عليه جميع الخلق” انتهى من” فوائد في العقيدة ” ( 18 ) .
وينظر كلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في جواب السؤال رقم : ( 20276 ) .

ثالثاً:
أما حكم تناول السموم : فإنه ينبغي التفريق بين شرب السم ، وبين التداوي به ، وقد اختلف العلماء قبل ذلك في حكمه من حيث النجاسة والطهارة ، والصحيح أنه طاهر ، ولا يحل شرب السم بقصد الانتحار ، وقد ورد الوعيد على ذلك بنص صريح صحيح .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) رواه البخاري ( 5442 ) ومسلم ( 109 ) .
وأما حكم التداوي به : فإنه يجوز إن ثبت أن له نفعاً ، وينبغي أن يكون ذلك بوصف طبيب ماهر ، وقد كانوا قديماً يستعملونه للملوك ليتحصنوا به ، فلا يؤثر فيهم السم إن أراد أحد أن يقتلهم به ، كما أنه ثبت فاعليته لمن يعيش في البراري ، أو بين الحيات والعقارب .
قال الأمام الشافعي – رحمه الله – :
“إن شرب دواء فيه بعض السموم ، والأغلب منه أن السلامة تكون منه : لم يكن عاصياً بشربه ؛ لأنه لم يشربه على ضرِّ نفسه ، ولا إذهاب عقله ، وإن ذهب” .
انتهى من ” الأم ” ( 1 / 88 ) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله – :
“وما فيه السموم من الأدوية : إن كان الغالب من شربه واستعماله الهلاك به أو الجنون : لم يبح شربه ، وإن كان الغالب منه السلامة ويرجى منه المنفعة : فالأوْلى إباحة شربه لدفع ما هو أخطر منه كغيره من الأدوية .
ويحتمل أن لا يباح ؛ لأنه يعرض نفسه للهلاك ، فلم يبح كما لو لم يرد به التداوي .
والأول : أصح ؛ لأن كثيراً من الأدوية يخاف منه ، وقد أبيح لدفع ما هو أضر منه ، فإذا قلنا يحرم شربه فهو كالمحرمات من الخمر ونحوه ، وإن قلنا يباح فهو كسائر الأدوية المباحة” .
انتهى من” المغني ” ( 1 / 447 ) .
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني – رحمه الله – :
“وأما مجرد شرب السم : فليس بحرام على الإطلاق ؛ لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا رُكِّب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع” . انتهى من” فتح الباري ” ( 10 / 248 ) .
وقال الإمام القرطبي – رحمه الله – :
“يجوز التداوي بالسم ، ولا يجوز شربه” . انتهى من” تفسير القرطبي ” ( 2 / 220 ) .

وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 25 / 257 ) :
“يجوز التّداوي بالسّمّ ، حتّى عند من يقول بنجاسته ، إن غلبت السّلامة من ضرره ، ويرجى نفعه ، لارتكاب أخفّ الضّررين ، ولدفع ما هو أعظم منهما ، بشرط إخبار طبيب مسلم عدل بذلك ، أو معرفة المتداوي به ، وعدم ما يقوم مقامه ممّا يحصل التّداوي” . انتهى .
وهكذا باقي أنواع التطعيمات ، وكل ذلك مشروط بأن يكون الوصف من طبيب حاذق ، وعلى ضوء تجارب يقينية ، أو شبه يقينية ، وبشرط أن لا يحدث ضرراً بمتناوله ، وما يحدث من أثر سلبي مؤقت كحمى وغيرها : فإنه مغتفر في مقابل النفع لكبير لهذا اللقاح ، وقد ذكرنا هذا في جواب السؤال رقم : ( 20276 ) فلينظر .

ولا فرق بين أن يكون اللقاح من ذات الحيوان السام كالعقرب أو الحية ، أو من غيرهما ، والمهم هو ثبوت نفعه .
قال الشيخ محمد المختار الشنقيطي – حفظه الله – :
“وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعاطي السم للوقاية ، كما كان يفعله بعض الأطباء للعظماء ، والسلاطين ، إذا خشوا أن يُسموا ، فكانوا يعطونهم جرعات من السم ، حتى يصبح الجسم قابلاً للسم ، فكانوا يرخصون في هذا ؛ لأن سبب التحريم : خوف الهلاك ، والعلة إذا زالت : يزول الحكم المترتب عليها ، وعلى هذا لو زال أو غلب على ظنه أنه لا يستضر : فإنه يجوز تعاطيه”.
انتهى من” شرح زاد المستقنع ” كتاب ” الأطعمة ” .

والله أعلم

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

هل انتفعتم بهذه الإجابة؟

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android