0 / 0

حكم شراء واستعمال منتجات ” البحر الميت “

السؤال: 110111

هل من الجائز استخدام مواد مثل غسول الجسم أو الوجه …إلخ وهي مواد تحتوي على أملاح من البحر الميت أو تحتوي على مواد أخرى من البحر الميت ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:

في ” الموسوعة العربية العالمية ” :

” البحر الميِّت ” : بحيرة مالحة ، تقع في فلسطين المحتلة ، والأردن ، عند مصب ” نهر الأردن ” ، يعد ساحله الذي يبلغ 399 م تحت مستوى سطح البحر أكثر الأماكن انخفاضاً على وجه الأرض ، والبحر الميت هو أشد المسطحات المائية ملوحة في العالم ، إذ تبلغ ملوحته تسعة أضعاف ملوحة المحيط ، ويشكل هذا البحر جزءًا من الحدود الفاصلة بين فلسطين ، والأردن .

وقد سميت البحيرة بالبحر الميت : لأنه لا يوجد فيها سوى القليل من النباتات ، كما أنه لا يوجد فيها أسماك ، غير روبيان المياه المالحة ، وإلى جانب هذا تكاد الحياة النَّباتية تنعدم تمامًا في الأراضي المالحة التي تحيط بها .

يقع البحر الميت في غور عميق في القشرة الأرضية ، وتغطي مياهه نحوًا من ( 1,040 ) كم² ، ويبلغ عرضه ( 18 ) كم عند أشد النقاط اتساعاً ، بينما يبلغ طوله زهاء ( 80 ) كم.

وفي البحر الميت شبه جزيرة تعرف باسم ” اللِّسان ” تمتد إلى داخل البحر الميت من ساحله الشرقي ، وشبه الجزيرة ، تقسم البحيرة إلى : حوض شمالي كبير ، وحوض جنوبي صغير ، ويضم الحوض الشمالي أشد أجزاء البحيرة عمقًا ، وفي هذه المنطقة يبلغ قاع البحيرة ( 400 ) م تحت سطحها ، ونحواً من ( 799 ) م تحت سطح البحر .

وقد ورد ذكر البحر الميت في الإنجيل مشارًا إليه باسم ” بحر الملح ” ، كما أنَّ مدينتي ” سدوم ” ، و ” عمورة ” القديمتين نشأتا بالقرب من ضفافه انتهى .

ثانياً :

الانتفاع بما يخرج من البحر الميت من أملاح ، ومعادن ، وطين علاجي ، وغيره : ينبني على اختلاف المؤرخين ، هل هذه المنطقة هي منطقة قرى قوم لوط عليه السلام أم لا ؟ فإن ثبتَ أن قراهم كانت هناك ، ونزل عليهم العذاب فيها : فلا يجوز الانتفاع بشيء مما في تلك البحيرة ، وإن لم يثبت ذلك : فحكم ما يستخرج منه : الإباحة ، وحكمها حكم ما في البحار الأخرى .

فهل يثبت فعلاً أن تلك البقعة كانت فيها مساكن الذين ظلموا أنفسهم من قوم لوط ؟

هذا محل خلاف ، والأكثر من أهل التاريخ والتفسير يثبت ذلك ، ويؤكده ، ويخالف في ذلك بعض العلماء من أهل الفنون المختلفة .

وهذان نقلان لمفسريْن أحدهما له باع في التفسير والتاريخ ، والآخر معاصر ، في إثبات إرسال لوط عليه السلام لأهل ” سدوم ” وما حولها ، وأنها هي ما يطلق عليه الآن ” البحر الميت ” :

1.قال ابن كثير رحمه الله :

ولوط هو ابن هاران بن آزر ، وهو ابن أخي إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وكان قد آمن مع إبراهيم عليه السلام ، وهاجر معه إلى أرض الشام ، فبعثه الله إلى أهل ” سدوم ” ، وما حولها من القرى ، يدعوهم إلى الله عز وجل ، ويأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عما كانوا يرتكبونه من المآثم ، والمحارم ، والفواحش ، التي اخترعوها ، لم يسبقهم أحد من بني آدم ، ولا غيرهم ، وهو إتيان الذكور ! وهذا شيء لم يكن بنو آدم تعهده ، ولا تألفه ، ولا يخطر ببالهم ، حتى صنع ذلك أهل ” سَدُوم ” عليهم لعائن الله .

” تفسير ابن كثير ” ( 3 / 444 ، 445 ) .

2. وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

والقوم الذين أُرسل إليهم لوط عليه السّلام هم أهل قرية ” سدوم ” و ” عمُّورة ” ، من أرض كنعان ، وربّما أطلق اسم ” سدوم ” و ” عمُّورة ” على سكّانهما ، وهو أسلاف الفنيقيين ، وكانتا على شاطىء السديم ، وهو ” بحر الملح ” ، كما جاء في التّوراة ، وهو البحر الميّت المدعو ” بحيرة لوط ” بقرب ” أرشليم ” ، وكانت قرب ” سدوم ” ، ومن معهم ، أحدثوا فاحشة استمتاع الرّجال بالرّجال ، فأمر الله لوطاً عليه السّلام لما نزل بقريتهم – سدوم – في رحلته مع عمّه إبراهيم عليه السّلام أن ينهاهم ويغلظ عليهم .

” التحرير والتنوير ” ( 8 / 230 ) .

ونذكر هنا أشهر الآيات التي يُستدل بها على أن مكان قوم لوط هو مكان معلوم مشتهر ، تمر عليه القوافل ، ويعرفه المسافرون ، في الجاهلية ، وقبلها ، وفي الإسلام :

1. قال تعالى :

( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة/ 70 .

وقال : ( وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ ) الحاقة/ 9 .

وقال : ( وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى .فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ) النجم/ 53 ، 54 .

والائتفاك هو الانقلاب ، والمراد به القرى المنقلبات بعذاب الله تعالى ، من قرى لوط عليه السلام.

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :

المؤتفكة : مفتعلة من الإفك ، وهو القلب والصرف ، والمراد بها : قرى قوم لوط ، بدليل قوله في غير هذا الموضع : ( وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ) بالجمع ، فهو من إطلاق المفرد وإرادة الجمع ، كما أوضحناه مراراً .

وإنما قيل لها : ” مؤتفكة ” : لأن جبريل أفكها فأتفكت ، ومعنى أفكها : أنه رفعها نحو السماء ، ثم قلبها ، جاعلاً أعلاها أسفلها ، وجعل عاليها أسفلها ، هو ائتفاكها وإفكها .

وقد أوضح تعالى هذا المعنى في سورة هود في قوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً ) هود/ 82 ، وقوله تعالى في سورة الحجر  : ( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ ) الحجر/ 73،74.

” أضواء البيان ” ( 7 / 474 ، 475 ) .

2. وقال تعالى على لسان شعيب عليه السلام :

( وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ) هود/ 89 .

قال الطاهر بن عاشور رحمه الله :

والمراد بالبُعد : بُعد الزمن ، والمكان ، والنسب ، فزمن لوط عليه السّلام غير بعيد في زمن شعيب عليه السّلام ، والدّيار قريبة من ديارهم ، إذ منازل مدين عند عقبة ” أيلة ” مجاورة ” معان ” ممّا يلي الحجاز ، وديار قوم لوط بناحية الأردن إلى البحر الميت ، وكان مدين بن إبراهيم عليهما السّلام – وهو جد القبيلة المسماة باسمه – متزوجاً بابنة لوط .

” التحرير والتنوير ” ( 12 / 147 ) .

3. وقال تعالى :

( وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ . وبالليل أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) الصافات/ 137 ، 138 .

قال الإمام الطبري رحمه الله :

قول تعالى ذكره لمشركي قريش : وإنكم لتمرون على قوم لوط – الذين دمرناهم – عند إصباحكم نهاراً ، وبالليل .

” تفسير الطبري ” ( 21 / 105 ) .

4. وقال تعالى :

( وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ . وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأيكة لَظَالِمِينَ فانتقمنا مِنْهُمْ . وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ ) الحجر/ 76 – 78 .

قال ابن كثير رحمه الله :

وقوله : ( وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ ) أي : وإن قرية ” سدوم ” التي أصابها ما أصابها من القلب الصوري ، والمعنوي ، والقذف بالحجارة ، حتى صارت بحيرة منتنة ، خبيثة : لبطريق مَهْيَع (أي : بَيِّن) ، مسالكه مستمرة إلى اليوم ، كما قال تعالى : ( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ . وَبِالَّليْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ ) الصافات/ 137 ، 138 .

أصحاب الأيكة : هم قوم شعيب ، قال الضحاك ، وقتادة ، وغيرهما : الأيكة : الشجر الملتف ، وكان ظلمهم بشركهم بالله ، وقطعهم الطريق ، ونقصهم المكيال والميزان ، فانتقم الله منهم بالصيحة ، والرجفة ، وعذاب يوم الظلة ، وقد كانوا قريبًا من قوم لوط ، بَعْدَهم في الزمان ، ومسامتين لهم في المكان ؛ ولهذا قال تعالى : ( وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ ) أي : طريق مبين .

” تفسير ابن كثير ” ( 4 / 544 ) .

5. وقال تعالى :

( وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) العنكبوت/ 35 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

أي : تركنا من ديار قوم لوط آثاراً بيِّنة ، لقوم يعقلون العِبر بقلوبهم ، فينتفعون بها .

” تفسير السعدي ” ( ص 630 ) .

فهذه الآيات البينات تدل على أن قرى قوم لوط كانت معروفة بعين مكانها عند من بعدهم ، وأن مشركي قريش كانوا على علم بها ، ولولا ذلك ما أخبرهم الله بأن يتعظوا بها وهم يمرون عليها في طريق سفرهم إلى الشام ، ذهاباً وإياباً ، وقد ذكر الله تعالى أنه ترك منها آية بينة ، ولا يكون ذلك مع خفاء مكانها .

فيدل ذلك على أن قرى قوم لوط معروفة بعينها ، وقد تكاثرت الأقوال أنها هي ما يُطلق عليه ” البحر الميت ” ، وهناك اكتشافات حديثة تؤيد ذلك ، مع ما يضاف إليه من كونها كذلك عند أهل الكتاب ، فهذا كله يقوِّي بأنها كانت في بقعة ” البحر الميت ” .

ثالثاً:

من اطمأن قلبه إلى ما ذكرناه ، وتبين له أن تلك البحيرة هي مكان خسف وعذاب : لم يجز له الاستفادة من شيء من منتجاتها ، بل ولا زيارتها من أجل السياحة ، وإذا مرَّ بها فعليه أن يسرع ، ويبكي .

فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لَا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ) رواه البخاري ( 423 ) ومسلم ( 2980 ) .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

وهذا يتناول مساكن ثمود ، وغيرهم ، ممن هو كصفتهم ، وإن كان السبب ورد فيهم .

” فتح الباري ” ( 6 / 380 ) .

وقال ابن القيم رحمه الله في سياق فوائد غزوة تبوك :

ومنها : أن من مرَّ بديار المغضوب عليهم ، والمعذَّبين : لم ينبغِ له أن يدخلها ، ولا يقيم بها ، بل يسرع السير ، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها ، ولا يدخل عليهم إلا باكياً معتبراً .

” زاد المعاد ” ( 3 / 560 ) .

وأما الدليل على عدم الانتفاع بشيء من أماكن العذاب :

فعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْضَ ثَمُودَ الْحِجْرَ فَاسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا وَاعْتَجَنُوا بِهِ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ بِئْرِهَا . رواه البخاري ( 3199 ) .

قال ابن العربي المالكي رحمه الله :

المسألة الرابعة : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهرق ماء ديار ثمود ، وإلقاء ما عجن به ؛ لأجل أنه ماء سخط ، فلم يجز الانتفاع به ، فراراً من سخط الله ، وقال : ( اعلفوه الإبل ) ; فكان في هذا دليل أيضا على أن ما لا يجوز استعماله من الطعام والشراب : يجوز أن يعلفه الإبل والبهائم ; إذ لا تكليف عليها ، ولأجل هذا قال مالك في العسل النجس : إنه تعلفه النحل ، وكذلك لا يجوز الصلاة فيها ; لأنها دار سخط وبقعة غضب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تدخلوها إلا باكين ) ، وروي : ( أنه تقنع بردائه ، وأوضع [أسرع] راحلته حتى خرج عنها ).

” أحكام القرآن ” ( 5 / 152 ) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدخول إلى أماكن المعذبين ، إلا مع البكاء ؛ خشية أن يصيب الداخل ما أصابهم ، ونهى عن الانتفاع بمياههم ، حتى أمرهم مع حاجتهم في تلك الغزوة – وهي غزوة العسرة – وهي أشد غزوة كانت على المسلمين – أن يعلفوا النواضح بعجين مائهم .

” اقتضاء الصراط المستقيم ” ( ص 80 ) .

فعلى هذا ، لا ينبغي الانتفاع بشيء من منتجات البحر الميت ، أو على الأقل يقال : الأفضل أن يتورع عنها ويبحث عن غيرها مما لا مضرة فيه من المباحات .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android