0 / 0

ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين ؟

السؤال: 110508

ما مدى أهمية إظهار التعاطف مع المسلمين ؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

أولاً:
ختم الله تعالى الرسالات بدين الإسلام ، فجاءت أحكامه وتشريعاته غاية في الحكمة ، ومصلحة للفرد والمجتمعات إلى قيام الساعة .
ومن أبرز ما جاءت به الشريعة المطهرة : العلاقة بين المسلمين بعضهم مع بعض ، فجاءت التشريعات واضحة بينة تقوي تلك العلاقة ، وتحرِّم كل ما يفسدها ويدنسها ، ومن تلك التشريعات الربانية في تقوية العلاقات بين المسلمين بعضهم مع بعض : وجوب التواد والتراحم والتعاطف بينهم .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – :
" ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : هديه إلى أن الرابطة التي يجب أن يُعتقد أنها هي التي تربط بين أفراد المجتمع ، وأن يُنادى بالارتباط بها دون غيرها : إنما هي دين الإسلام ؛ لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع ، حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي كأنه جسد واحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .
فربْط الإسلام لك بأخيك : كربط يدك بمعصمك ، ورِجلك بساقك ، كما جاء في الحديث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم : ( إن مثل المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) ، ولذلك يكثر في القرآن العظيم إطلاق النفس وإرادة الأخ ؛ تنبيهاً على أن رابطة الإسلام تجعل أخا المسلم كنفسه ، كقوله تعالى : ( وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ) البقرة/84 ، الآية ، أي : لا تخرجون إخوانكم ، وقوله : ( لولا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المؤمنون والمؤمنات بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً ) النور/ 12 ، أي : بإخوانكم ، على أصح التفسرين ، وقوله : ( وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ ) الحجرات/11 ، الآية ، أي : إخوانكم ، على أصح التفسرين ، وقوله : ( وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ ) البقرة/ 188 ، الآية ، أي : لا يأكل أحدكم مال أخيه ، إلى غير ذلك من الآيات ، ولذلك ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) " انتهى .
" أضواء البيان " ( 3 / 130 ، 131 ) .
ثانياً:
من الأهمية بمكان إظهار ذلك التعاطف مع المسلمين ، ومشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم ، ولهذا الإظهار فوائد شتَّى ، منها :
1. أن ذلك يعتبر من كمال الإيمان الواجب .
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ) رواه البخاري ( 467 ) ومسلم ( 2585 ) .
وبوب عليه النووي بقوله : بَاب تَرَاحُمِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَعَاطُفِهِمْ وَتَعَاضُدِهِمْ .
قال النووي – رحمه الله – :
" قوله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضاً ) ، وفي الحديث الآخر ( مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم ) إلى آخره : هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض ، وحثهم على التراحم ، والملاطفة ، والتعاضد ، في غير إثم ، ولا مكروه ، وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام .
قوله صلى الله عليه وسلم ( تداعى لها سائر الجسد ) أي : دعا بعضه بعضاً إلى المشاركة في ذلك ، ومنه قولهم " تداعت الحيطان " أي : تساقطت ، أو قربت من التساقط " انتهى .
" شرح مسلم " ( 16 / 139 ، 140 ) .
وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) رواه البخاري ( 5665 ) ومسلم ( 2586 ) .
قال المناوي – رحمه الله – :
" قال ابن أبي جمرة : الثلاثة وإن تفاوت معناها : بينها فرق لطيف ، فالمراد بالتراحم : أن يرحم بعضهم بعضاً لحلاوة الإيمان ، لا لشيء آخر ، وبالتواد : التواصل الجالب للمحبة كالتهادي ، وبالتعاطف : إعانة بعضهم بعضاً " انتهى .
" فيض القدير " ( 5 / 656 ) .
وفي رواية – عند مسلم – : ( الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ ) .
وفي رواية : ( الْمُسْلِمُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنْ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ وَإِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – :
" ولهذا كان المؤمن يُسرُّه ما يُسرُّ المؤمنين ، ويسوؤه ما يسوؤهم ، ومَن لم يكن كذلك : لم يكن منهم ! فهذا الاتحاد الذي بين المؤمنين : ليس هو أن ذات أحدهما هي بعينها ذات الآخر ، ولا حلت فيه بل ، هو توافقهما ، واتحادهما في الإيمان بالله ورسوله ، وشُعَب ذلك : مثل محبة الله ورسوله ، ومحبة ما يحبه الله ورسوله " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 2 / 373 ، 274 ) .
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي في " فتح الباري شرح صحيح البخاري " : " وهذا التشبيك من النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث : كان لمصلحة ، وفائدة ، لم يكن عبثاً؛ فإنه لما شبَّه شد المؤمنين بعضهم بعضاً بالبنيان : كان ذلك تشبيهاً بالقول ، ثم أوضحه بالفعل ، فشبَّك أصابعه بعضها في بعض ؛ ليتأكد بذلك المثال الذي ضربه لهم بقوله ، ويزداد بياناً وظهوراً .
ويفهم من تشبيكه : أن تعاضد المؤمنين بينهم كتشبيك الأصابع بعضها في بعض ، فكما أن أصابع اليدين متعددة : فهي ترجع إلى أصل واحد ، ورجُل واحد ، فكذلك المؤمنون وإن تعددت أشخاصهم : فهم يرجعون إلى أصل واحد ، وتجمعهم أخوة النسب إلى آدم ونوح ، وأخوة الإيمان .." انتهى .
2. ومنها – أي : من فوائد إظهار التعاطف مع المسلمين – إزالة الحواجز التي وُجدت من رواسب الجاهلية ، أو الاستعمار ، من عصبية للغة ، أو لون ، أو جنس .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – :
" ولا ريب أيضا أن الدعوة إلى القومية تدعو إلى البغي والفخر ; لأن القومية ليست ديناً سماويّاً يمنع أهله من البغي والفخر , وإنما هي فكرة جاهلية ، تحمل أهلها على الفخر بها ، والتعصب لها على من نالها بشيء , وإن كانت هي الظالمة ، وغيرها المظلوم , فتأمل أيها القارئ ذلك يظهر لك وجه الحق .
ومن النصوص الواردة في ذلك : ما رواه الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله قد أذهب عنكم عصبية الجاهلية وفخرها بالآباء ، إنما هو مؤمن تقي أو فاجر شقي ، الناس بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ) ، وهذا الحديث يوافق قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) ، أوضح سبحانه بهذه الآية الكريمة أنه جعل الناس شعوباً وقبائل للتعارف ، لا للتفاخر والتعاظم , وجعل أكرمهم عنده هو أتقاهم , وهكذا يدل الحديث المذكور على هذا المعنى ، ويرشد إلى سنة الجاهلية : التكبر ، والتفاخر بالأسلاف ، والأحساب , والإسلام بخلاف ذلك , يدعو إلى التواضع ، والتقوى ، والتحاب في الله , وأن يكون المسلمون الصادقون من سائر أجناس بني آدم , جسداً واحداً , وبناءً واحداً ، يشد بعضهم بعضاً , ويألم بعضهم لبعض " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 1 / 290 ، 291 ) .
3. ومنها : القيام على الضعَفة والعجَزة والمساكين ، رعايةً ، وعنايةً .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 348 ) : " ومن ذلك : تولِّي اليتامى ، والمساكين ، والعجزة عن الكسب ، ومن لا يُعرف لهم آباء ، بالقيام عليهم ، وتربيتهم ، والإحسان إليهم ؛ حتى لا يكون في المجتمع بائس ، ولا مهمل ؛ خشية أن تصاب الأمة بغائلة سوء تربيته ، أو تمرده ، لما أحس به من قسوة المجتمع عليه ، وإهماله " انتهى .
5. ومنها : نصرة المظلوم من المسلمين في كل مكان ، وإعانته بما يُستطاع ، قتالاً معه ضد الظالم المغتصب ، أو إعانته بالمال ، ومن عجز عن ذلك ، فلن يعجز عن دعاء لهم بالنصر والتثبيت والتأييد .
" ولقد قرر العلماء رحمهم الله : أنه لو أصيبت امرأة مسلمة في المغرب بضيمٍ : لوجب على أهل المشرق من المسلمين نصرتها , فكيف والقتل ، والتشريد ، والظلم ، والعدوان، والاعتقالات بغير حق , كل ذلك يقع بالمئات الكثيرة من المسلمين فلا يتحرك لهم إخوانهم ، ولا ينصرونهم ، إلا ما شاء الله من ذلك ! … " انتهى .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 163 – 165 ) .
6. ومنها : قطع طمع أعدائهم بهم .
فلو علم الأعداء من الكفار أن المسلمين يد واحدة ، حزنهم واحد ، وسرورهم واحد : لما اعتدى ظالم فاجر على مسلم ، فضلاً أن يُعتدى على بلدٍ مسلم ، تستباح أعراض نسائه ، وتُنهب أمواله ، ويشرَّد رجاله .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : " فهذه الأحاديث وما جاء في معناها : تدل دلالة ظاهرة على وجوب التضامن بين المسلمين , والتراحم والتعاطف , والتعاون على كل خير , وفي تشبيههم بالبناء الواحد , والجسد الواحد : ما يدل على أنهم بتضامنهم ، وتعاونهم ، وتراحمهم : تجتمع كلمتهم , وينتظم صفهم , ويسلمون من شر عدوهم " انتهى .
فتاوى الشيخ ابن باز " ( 2 / 200 ، 201 ) .
ثالثاً:
قد ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في التطبيق العملي للتعاطف والتراحم :
1. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَآخَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِىِّ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ ، دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ ) رواه البخاري ( 3937 ) .
ولا ندري أيهما أعجب : الكرم والإيثار من سعد بن الربيع أم عزة النفس والرغبة في الاكتساب بجهد اليد من عبد الرحمن بن عوف ، رضي الله عنهم .
2. عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه – أيضاً – قَالَ : قَالَ الْمُهَاجِرُونَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ قَوْمٍ قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ وَلَا أَحْسَنَ بَذْلًا فِي كَثِيرٍ ، لَقَدْ كَفَوْنَا الْمَئُونَةَ ، وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ ، حَتَّى لَقَدْ حَسِبْنَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالْأَجْرِ كُلِّهِ ، قَالَ : ( لَا ، مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ ، وَدَعَوْتُمْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ ) رواه أحمد برقم (12662) ، والترمذي برقم (2487) ، وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في " مشكاة المصابيح " (2/185) .
وللفائدة انظر جواب السؤال رقم (98668) .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android