كيف يمكن أن نتجنب الظن بالناس ، وخاصة المسلمين ، وهل يجب دائما أن نظن خيرا ، فأنا أستغرب من أفعال بعض المسلمين التي تنافي عقيدتنا ، فصرت أشك في أفعال الناس ؟
كيف تجتنب ظن السوء بالناس ؟
السؤال: 112196
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا ينبغي للمسلم أن يلتفت كثيرا إلى أفعال الناس ، يراقب هذا ، ويتابع ذاك ، ويفتش عن أمر تلك ، بل الواجب عليه أن يُقبل على نفسه فيصلحَ شأنها ، ويُقوِّمَ خطأها ، ويرتقي بها إلى مراتب الآداب والأخلاق العالية ، فإذا شغل نفسه بذلك ، لم يجد وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وظن السوء بهم .
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تتبع أمور الناس وعوراتهم ، حرصا منه صلى الله عليه وسلم على شغل المسلم نفسه بالخير ، وعدم الوقوع فيما لا يغني من الله شيئا ، فقال :
( يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ ! لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ )
رواه أبو داود (4880) ، قال العراقي في “تخريج الإحياء” (2/250): إسناده جيد . وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
والغالب أنَّ الباعث على اغتياب المسلمين وتتبع عوراتهم تزكيةُ النفس والعجب بها أولا ، وسوء الظن بالناس ثانيا ، إذ لولا أنه يرى لنفسه فضلا على سائر الناس ، ويعتقد فيهم الذنب والفسق والمعصية لم يقع في الغيبة ، ولم تشغله العورات والعثرات كي تملأ قلبه ووجدانه ، وتغدو وسواسا يؤرقه في جميع البشر ، حتى يظنَّ السوءَ بزوجته وأبنائه وإخوانه .
يقول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) الحجرات/12 .
فإذا استجاب المسلم لظن السوء ، وبدا ذلك في سلوكه وتصرفاته وأقواله ، أو تمادى معه حتى استقر في قلبه ، ولم تكن له بينة قاطعة ودليل ظاهر على ذلك ، فقد وقع في الإثم ، واستحق العقوبة عند الله تعالى .
أما إذا جاهد تلك الظنون الفاسدة ، وحاول درءها ودفعها بصرف الفكر عنها ، فليس عليه إثم حينها .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” اعلم أن سوء الظن حرامٌ مثل القول ، فكما يحرم أن تُحَدِّث غيرَك بمساوئ إنسان ، يحرم أن تحدث نفسك بذلك وتسيئ الظن به ، قال الله تعالى : ( اجتنبوا كثيرا من الظن ) ، وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث ) ، والأحاديث بمعنى ما ذكرته كثيرة ، والمراد بذلك عقد القلب وحكمه على غيرك بالسوء ، فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء ؛ لأنه لا اختيار له في وقوعه ، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه ، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل )
قال العلماء : المراد به الخواطر التي لا تستقر . قالوا : وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرا أو غيره ، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله ، ثم صرفه في الحال ، فليس بكافر ، ولا شئ عليه .
وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه ، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه ، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حراما ، ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي ، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه ، وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره “انتهى .
“الأذكار” (344-346) باختصار .
أما إذا قامت البينات القاطعة ، والأدلة الظاهرة على تلبس أحد المسلمين بسوء ، وكانت هناك مصلحة تقتضي التحذير منه بعد التثبت ، فلا حرج حينها ، ولكن الضرورة تقدر بقدرها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” وليس كل الظن إثما ، فالظن المبني على قرائن تكاد تكون كاليقين لا بأس به ، وأما الظن الذي بمجرد الوهم فإن ذلك لا يجوز ، فلو فرضنا أن رجلا رأى مع رجل آخر امرأة ، والرجل هذا ظاهره العدالة ، فإنه لا يحل له أن يتهمه بأن هذه المرأة أجنبية منه ؛ لأن هذا من الظن الذي يأثم به الإنسان . أما إذا كان لهذا الظن سببٌ شرعي فإنه لا بأس به ولا حرج على الإنسان أن يظنه ، والعلماء قالوا : يحرم ظن السوء بمسلم ظاهره العدالة ” انتهى .
“فتاوى إسلامية” (4/537) .
ولكننا نحذر جميع إخواننا المسلمين من تسويل الشيطان هذه المعصية بدعوى وجود القرائن والأدلة ، وينبغي إذا دخل الشيطان إلى قلب المسلم من هذا المدخل أن يدفعه ما استطاع ، وليصرف قلبه عن الاسترسال معه ، كما يمكن الاستعانة بالنصائح الآتية في علاج هذا الوسواس :
1. الإقبال على عيوب النفس ، والاشتغال بتقويمها وإصلاحها ، فإن من عرف عيوب نفسه تواضع لله وللناس ، وظن النقص بنفسه وليس بالناس .
2. استحضار الآيات والأحاديث التي سبق ذكرها ، والتي تبين خطورة هذا الأمر والعقاب الشديد عليه .
3. النظر في جوانب الخير في الناس كلهم ، فالغالب أن الإنسان فيه من الخير كما فيه من السوء والشر ، فلا يجوز إلغاء الحسنات التي قد تكون أكثر وأعظم من السيئات التي في ذلك الشخص ، وقد أمر الله تعالى بالعدل والقسط ، فمن الظلم الحكم على الشخص من غير موازنة عادلة بين حسناته وسيئاته .
يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله :
” إذا وقع في قلبك ظن السوء ، فهو من وسوسة الشيطان يلقيه إليك ، فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق ، وقد قال الله تعالى : ( إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) ، فلا يجوز تصديق إبليس ، فإن كان هناك قرينة تدل على فساد ، واحتمل خلافه ، لم تجز إساءة الظن .
ومن علامة إساءة الظن أن يتغير قلبك معه عما كان عليه ، فتنفر منه ، وتستثقله ، وتفتر عن مراعاته وإكرامه والاغتمام بسيئته ، فإن الشيطان قد يقرب إلى القلب بأدنى خيالٍ مساوئَ الناس ، ويلقي إليه : أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبهك ، وإن المؤمن ينظر بنور الله ، وإنما هو على التحقيق ناطق بغرور الشيطان وظلمته ، وإن أخبرك عدل بذلك ، فلا تصدقه ولا تكذبه لئلا تسيء الظن بأحدهما ، ومهما خطر لك سوء في مسلم ، فزد في مراعاته وإكرامه ، فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقي إليك مثله ، خيفة من اشتغالك بالدعاء له ، ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة لا شك فيها ، فانصحه في السر ، ولا يخدعنك الشيطان فيدعوك إلى اغتيابه ، وإذا وعظته فلا تعظه وأنت مسرور باطلاعك على نقصه فينظر إليك بعين التعظيم ، وتنظر إليه بالاستصغار ، ولكن اقصد تخليصه من الإثم وأنت حزين كما تحزن على نفسك إذا دخلك نقص ، وينبغي أن يكون تركه لذلك النقص بغير وعظك أحب إليك من تركه بوعظك ” انتهى .
نقلا عن “الأذكار” للإمام النووي (ص/345) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب