انتشر في الوقت الحاضر ظاهرة سرقة الإيميل ، فما حكم الشريعة فيه ؟ وما الوسيلة للتوبة من هذا الشيء ؟ وهل يجوز سرقت إيميلات اليهود والكفار ؟ وهل يجوز سرقة إيميل أحد الأصدقاء إذا علمت أنه يُستخدمه في المحادثات المحرمة ؟ وإذا سرقت إيميل صديق وعرفت أنه يكلم نساء بالحرام : فهل أرجع الإيميل له ، أو ماذا يجب أن أفعل ؟ .
الرجاء من الإخوة الكرام الرد على الأسئلة بأسرع ما يمكن ؛ لأن هذه الظاهرة تنتشر بشكل كبير.
اختراق البريد الإلكتروني وسرقته ، أنواعه ، وأحكامه
السؤال: 114836
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
حرَّمت الشريعة الإسلامية المطهرة العدوان على خصوصيات الآخرين ، وجاء الوعيد الشديد في المتعدي على حرمات المسلمين ، ومن ذلك : تحريم التجسس ، وتحريم النظر من عقب الدار ، وتحريم سماع مكالمات أو حديث الناس دون إذنهم ، وقد سبق الإسلام بهذا دعاوى كثيرين ممن يزعمون أنهم راعوا خصوصيات الناس .
والبريد الإلكتروني هو من خصوصيات الإنسان ، فمنه يرسل ويستقبل رسائل تتعلق بالأسرة ، والعمل ، وسحب المال ، وغير ذلك ، وهذا يجعل اختراق البريد الخاص بالشخص من المحرمات ، ولا يحل لأحدٍ فعل ذلك ابتداءً .
وقد يوجد من الناس من هو مفسد مجرم ، يُعرف عنه الفحش والسوء ، يجاهر به ، ولا يراعي ذوقاً ، ولا حياءً ، ومثل هؤلاء يُفتي بعض العلماء بجواز اختراق بريدهم ، وسرقته .
ويظن بعض المتحمسين للدين أن هذا الجواز ينسحب على الكافر ، وهذا غير صحيح ، ولا نعلم أحداً من أهل العلم يفتي بذلك .
وعلى ذلك نقول :
1. لا يجوز سرقة البريد الإلكتروني من أحدٍ من الأصدقاء ، لهواً ، وعبثاً ، ومزحاً .
فعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أنَّه سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا ، فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ) .
رواه الترمذي (2160) وأبو داود (5003) ، وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
قال شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله :
“قال الخطابي : معناه : أن يأخذه على وجه الهزل وسبيل المزاح ، ثم يحبسه عنه ، ولا يرده ، فيصير ذلك جِدّاً . انتهى .
وجه النهي عن الأخذ جِدّاً : ظاهر ؛ لأنه سرقة ، وأما النهي عن الأخذ لعباً : فلأنه لا فائدة فيه ، بل قد يكون سبباً لإدخال الغيظ ، والأذى على صاحب المتاع” .انتهى من ” عون المعبود شرح سنن أبي داود ” ( 13 / 236 ) .
ومن أعظم حكَم هذا التحريم : هو عدم ترويع صاحب الشيء المأخوذ .
فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ : حَدَّثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ، فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى نبْلٍ مَعَهُ ، فَأَخَذَهَا ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ فَزِعَ ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ ، فَقَالَ : مَا يُضْحِكُكُمْ ؟ ، فَقَالُوا : لا ، إلا أَنَّا أَخَذْنَا نبْلَ هَذَا فَفَزِعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) رواه أحمد (23064) – واللفظ له – وأبو داود (4351) ، وصححه الألباني في “صحيح أبي داود” .
والمطلوب ممن فعل ذلك : أن يتوب من فعلته ، ويعزم على عدم العوْد ، وأن يرجع البريد لصاحبه ، كما في الحديث الأول ( فليردَّها إليه ) .
2. يجوز الاستيلاء على بريد من عُرف عنه التعدي على الناس ، وعلى خصوصياتهم ، وابتزازهم ، والتعدي عليهم وظلمهم ، وهذا له شروط :
أ. أن يُجزم بعدوانه وتعديه على المسلمين .
ب. أن تتلف الرسائل وموادها مباشرة دون النظر إليها ، أو حفظها .
ج. أن يُجزم أو يغلب على الظن نفع هذه الطريقة ؛ لأن الغالب على أهل الفساد الاحتفاظ برسائل وصور وملفات من يتعدون عليهم على أجهزتهم ، وليس في بريدهم .
3. الاستيلاء على بريد المجرمين والمفسدين من الكفار والمسلمين لا بقصد أخذ بريدهم والاستيلاء عليه ، بل بقصد تتبع خططهم ومراقبة تصرفاتهم وأفعالهم ، وهذا واجب على من قدر عليه ، وله شروط :
أ. أن يُجزم أو يغلب على الظن فسادهم أو إجرامهم .
ب. أن تكون المراقبة والتتبع من مجموعة أو هيئة حسبة ، ولا ينفرد بها شخص وحده ؛ والتجسس على الكفار لا يكون لمصلحة الفرد الواحد ، ولا باجتهاده الشخصي ، بل يكون ذلك جزءا من عمل جهادي ، يقصد به النكاية في العدو ، أو إعانة المجاهدين عليهم ، ومعرفة عوراتهم ومواطن ضعفهم ، ومحاربتهم من خلال ذلك ، أو استخدام ذلك فيما يسمى بالحرب النفسية ، وإذا كان ” الغزو لا يجوز أن يقيمه كل واحد على الانفراد ” [ نقله ابن مفلح في الفروع 6/200] ، فمن باب أولى مثل هذه الأعمال التي لا يتمحض فيها جانب الجهاد ، ولا تتحقق فيها مصلحة النكاية في العدو دائما ، بل يخشى منها مفسدة الافتتان بما يجده في هذه الرسائل أو الإيميلات الخاصة ، ثم يخشى عليه أيضا أن يتحول ذلك عنده إلى بلاء في نفسه ، يفتح عليه محبة الاطلاع على العورات ، وهتك الأستار.
ج. عدم الاحتفاظ بخصوصيات الناس ، وعدم تتبع مسائل صاحب البريد الشخصية ؛ لعدم دخوله في استثناء التعدي على حقوق الآخرين وخصوصياتهم .
قال الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله السند حفظه الله :
” واستثناء من ذلك فقد يكون التجسس مشروعاً في أحوال معينة كالتجسس على المجرمين ، فقد لا يعرفون إلا بطريق التجسس ، وقد أجاز الفقهاء التجسس على اللصوص وقطاع الطريق ، وطلبهم بطريق التجسس عليهم وتتبع أخبارهم – انظر ” تبصرة الحكام لابن فرحون ” (2/171) – ، وكذلك يجوز التجسس في حال الحرب بين المسلمين وغيرهم لمعرفة أخبار جيش الكفار وعددهم وعتادهم ومحل إقامتهم وما إلى ذلك .
وكذلك يجوز اختراق البريد الإلكتروني للمجرمين المفسدين في الأرض واللصوص وقطاع الطريق ، لتتبعهم ، ومعرفة خططهم وأماكن وجودهم ، لقطع شرهم ودفع ضررهم عن المسلمين ، وهذا موافق لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت بحفظ الدين والعرض والمال والنفس والعقل ” .
انتهى من ” وسائل الإرهاب الإلكتروني ، حكمها في الإسلام ، وطرق مكافحتها ” (ص 10 – 12) باختصار .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب