0 / 0

وقفات مع قصة المرأة الكنعانية في إنجيل متَّى

السؤال: 114928

عندي بعض الحوارات مع زميلة نصرانية ؛ هدفي إن شاء الله أن تعي الإسلام ، وحقيقة المسيحية ، عندما أقرأ أحيلها إلى قصة المرأة الكنعانية ، تكتب لي : ” الشيء الذي أعود إليه هو تفاعل عيسى مع المرأة الكنعانية ، لقد داوى ابنتها ، إنهم فقط حواريوه الذين طردوها ، أظن أن الفهم الصحيح لما فعله عيسى هو أنه كان يختبرها ، بعدما قال : ” إن رغيف الأبناء لا ينبغي أن يعطى للكلاب ” ، أجابت المرأة : نعم يا سيدي ، لكن حتى الكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من طاولة سيدها ، فأجابها عيسى : ” أيتها المرأة ، إن لك إيماناً عظيماً ، إن طلبك سيلبى ” ، وشفيت ابنتها من تلك الساعة ، ستعرفين أن الإيمان يتطلب مثابرة لا تتوقف من أول عقبة ، وفي الحقيقة أن غير اليهود يظهرون إيمانا أقوى من اليهود ، سألته أيضاً : ” إذا كان حب الله ، ورحمته ، وعدله ، وكل الصفات ليست جوهرية في طبيعته : ألا يغير من موقفه من الناس الذين اتبعوا الإسلام على وجه الخصوص ، ولم يعودوا يتعاملون بالرحمة ؟ هل يستطيع مثلا أن يطرد أناساً من الجنَّة بدون سبب ؟ ” .
كيف أرد عليها ؟ .
جزاكم الله خيراً على جهودكم .

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

هذا الكلام عليه عدد من الملاحظات :

1. صحيح أن يسوع تفاعل مع المرأة ، لكن كان تفاعله بصورة سلبية ، لا إيجابية ، والنص يدل على ذلك ، وهو في ” متَّى ” ( 15 / 22 – 28 ) ، فلم يبادر لعلاج ابنتها المجنونة مباشرة ، وتركها تصرخ ، وتستجدي .

2. قولها ” إنه يختبرها ” : فيه تكذيب لكلام يسوع وهو : ” لم أُرسَل إلاَّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ” .

وهي لما لم تكن من بيت إسرائيل : توجه له تلاميذه ليصرفها ، إذ لو كانت معنية برسالته واتباعه لتساءلوا عن سبب إعراضه عنها ، لكنهم تعلموا منه أنه لم يرسل لغير بيت إسرائيل  ، ويدل على عدم دخولها في الدعوة قوله : فأجاب ، وقال : ” ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب ” !

فهي من الكلاب التي لا يجوز إعطاؤها الخبز ، يعني : الإيمان ، والدين وما يتعلق بهما .

وقد فهمت المرأة هذا ، لكنها صاحبة حاجة ، فقالت : ” نعم يا سيد ، والكلاب أيضا تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها ” .

فلو أن المرأة من المدعوِّين وجوباً : لما جاز لها أن تأكل من الفتات ، بل يجب أن تكون على المائدة .

وختم يسوع قولها لها بعد أن قال : ” عظيم إيمانك ، ليكن لك كما تريدين ”  .

فلم يكن ما يريد هو ، بل ما أرادت هي ، إذ لو كان ما يريد : لسخَّر المعجزة لدعوتها ، وانضمامها له ، لكن الحقيقة أن المرأة أرادت أمراً ، ويسوع أراد أمراً آخر ، فكانت إرادة المرأة مستجابة ، بناء على ما كانت عليه من إيمان ، لا لأنها من بيت إسرائيل المعنيين بدعوة يسوع .

3. وفي مقطع قصة الكنعانية إساءة بالغة للمسيح عليه السلام ؛ حيث ينسبون له وصف غير اليهود بـ ” الكلاب ” ! بل وفي موضع آخر يصفهم بـ ” الخنازير ” ! ، حيث نسبوا له قوله : ” لا تُعطوا القدس للكلاب ، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير ” كما في  إنجيل ” متَّى ” ( 7 / 6 ) .

وهذا ليس من أخلاق الأنبياء والمرسلين ، فكيف يكون من أخلاق ربهم ! أو ابن ربهم ؟! .

4. وكيف يكون إلهاً وهو مرسل إلى أمَّة من الأمم دون غيرها ؟ إن هذا لشيء عجاب ، فمن يكون رب أولئك إذن ؟ .

5. وقول المرأة النصرانية إن تلاميذ المسيح هم الذين طردوها ! يُرد عليه من وجهين :

الأول : أن ذلك ليس من أخلاق أتباع الأنبياء وخاصتهم ، فكيف رضيتم نسبة هذا الخلق السيئ لهم ؟! .

الثاني : أن إثبات طرد تلاميذ المسيح لها غير ثابت عندكم ! بل الثابت أنهم شفعوا لها عند المسيح فلم يجبهم ، وهكذا هو النص عندكم : ” فَجَاءَ تَلاَمِيذُهُ يُلِحُّونَ عَلَيْهِ قَائِلِينَ : اقْضِ لَهَا حَاجَتَهَا ، فَهِيَ تَصْرُخُ فِي إِثْرِنَا ! ” .

وكل النصوص المختلفة عن هذا فإن معناها مشترك ، بدليل رد المسيح في كل تلك الروايات أنه لم يرسل إلا لليهود ! وهو جواب واضح على شفاعة مقدَّمة منهم .

وقد وافَقَنا على هذا بعضُ النصارى حيث قال : ” وهنا نجد أن التلاميذ يتوسطون للمرأة لدى يسوع ، ليس حبّاً فيها لأنها أممية وثنية ، وإنما رغبة فقط في إسكاتها والتخلص من صياحها المزعج جدّاً ! ” .

وهذا كله على اعتبار صحة القصة عندهم ، وإلا فنحن لا نثبت تلك الروايات ، ولا الحوادث ، وقد أخبرنا ربنا تعالى بوصول يد التحريف والتبديل لها ، فقال تعالى : ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) البقرة/ 79 .

ونوصي إخواننا ألا يتعرض أحدهم لنقاش أهل الأديان ، والفرَق الضالة ،إلا أن يكون من أهل الاختصاص ، ومن تمرسوا بأساليب الجدل ، وعلم ما عند القوم من شبهات ؛ وإلا فقد تدخل شبَهة في قلبه لا يستطيع التخلص منها ، كما أنه قد ينسب للإسلام ما ليس منه ، أو ينفي عنه ما هو فيه ، والحمد لله أن قد يسَّر الله مختصين من أهل العلم في الأديان والفرَق كلها ، يردون عليهم ، ويبينون ضلالهم ، وهذا من حفظ الله تعالى لدينه .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

موقع الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android