هل يجوز للوالد أن يتبرع بالأموال وهو عليه دين ، وكذلك على أولاده ديون مالية ؟
هل يجوز للوالد التبرع بالمال وعليه وعلى أبنائه ديون مالية؟
السؤال: 115232
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
ينبغي للمسلم أن يسارع في أداء حقوق العباد ، فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الأجل ، وإذا مات الإنسان وعليه ديون فهو على خطر عظيم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا عن الشهيد ـ مع عظم منزلته عند الله ـ أنه يغفر له كل شيء إلا الدين .رواه مسلم (1855) .
وهذا يدل على عظم شأن الديون ، وعظم المسؤولية فيها .
فالذي ينبغي أن يبدأ الإنسان أولاً بسداد ما عليه من الديون ، ثم إن بقي معه مال تصدق به إن شاء ، بل قد تكون صدقته محرمة ، إذا ترتب عليها تأخير الدين عن صاحبه ، أو العجز عن السداد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“بعض الناس يكون عليه دين ثم يتصدق ويقول : أحب هذه الصدقة ، وهذا حرام ، كيف تتصدق وأنت مدين ؟! أدِّ الواجب أولا ، ثم التطوع ثانيا ؛ لأن الذي يتصدق ولا يوفي الدين كالذي يبني قصرا ويهدم مصرا ، أنت الآن مطالب أن توفي دينك ، كيف تتصدق ؟! أَوْفِ ، ثم تصدق” انتهى .
“شرح رياض الصالحين” (3/300) طبعة مكتبة الصفا.
وقال أيضا :
” قضاء الدَّين أهم من الحج ، والريال الذي يصرفه في قضاء الدَّين خير من عشرة ريالات يصرفها في الحج ” انتهى.
“لقاءات الباب المفتوح” (لقاء رقم/1، سؤال رقم/35) .
وسئل أيضاً : سمعت من بعض الناس أن الصدقة المبذولة من شخص عليه دين غير مقبولة ، ولا يؤجر عليها ، فهل صحيح هذا ؟
فأجاب:
“الصدقة من الإنفاق المأمور به شرعا ، والإحسان إلى عباد الله إذا وقعت موقعها ، والإنسان مثاب عليها ، وكل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ، وهي مقبولة ، سواء كان على الإنسان دين أو لم يكن عليه دين إذا تمت فيها شروط القبول ، بأن تكون بإخلاص لله عز وجل ، ومن كسب طيب ، ووقعت في محلها .
فبهذه الشروط تكون مقبولة بمقتضى الدلائل الشرعية .
ولا يشترط ألا يكون على الإنسان دين .
لكن إذا كان الدين يستغرق جميع ما عنده ، فإنه ليس من الحكمة ، ولا من العقل أن يتصدق ، والصدقة مندوبة وليست بواجبة ، ويدع ديناً واجبا عليه ، فليبدأ أولا بالواجب ، ثم يتصدق .
وقد اختلف أهل العلم فيما إذا تصدق وعليه دين يستغرق [جميع ماله] : فمنهم من يقول إن ذلك لا يجوز له لأنه إضرار بغريمه وإبقاء لشغل ذمته بهذا الدين الواجب .
ومنهم من قال إنه يجوز ، لكنه خلاف الأولى .
وعلى كل حال فلا ينبغي للإنسان الذي عليه دين يستغرق جميع ما عنده لا ينبغي له أن يتصدق حتى يوفي الدين ؛ لأن الواجب أهم من التطوع ” انتهى باختصار.
“فتاوى نور على الدرب” ( فتاوى الزكاة والصوم – حكم الزكاة ، صدقة التطوع ، زكاة الدين) (شريط/105 –وجه أ) .
فالذي ينبغي على الوالد أن يحرص على سداد ديونه قبل الصدقة ، كي يبرئ ذمته من حقوق العباد .
وأما قضاء ديون أولاده ، فإن كانت هذه الديون أخذوها من أجل النفقة ، كالمسكن والملبس والمأكل وجب على الوالد سدادها ، لأنه يجب عليه أن ينفق على أولاده إذا كانوا فقراء ، وكان هو غنياً .
وإذا كانت هذه الديون ليست من أجل النفقة فلا يجب على الوالد سدادها ، ولكن سدادها خير له وأعظم ثواباً من الصدقة على الغريب ، لأنه إذا سدد ديون أولاده ، أخذ ثواب الصدقة وثواب صلة الرحم والإحسان إلى الأولاد .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَة) رواه الترمذي (658) والنسائي (2582) وصححه الألباني في صحيح النسائي.
قال المباركفوري في “تحفة الأحوذي” :
“يعني : أن الصدقة على الأقارب أفضل ، لأنه خيران ، ولاشك أنها أفضل من خير واحد” انتهى .
فتبين بذلك أن الأفضل للوالد أن يبدأ بسداد ديونه وديون أولاده ، بل قد يكون ذلك واجباً في بعض الأحوال كما سبق تفصيله .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب