ما حكم قول عبارة ”إلا رسول الله" التي يستخدمها البعض في الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن رفضهم الإساءة للرسول صلى الله عليه وسلم؟
هل يجوز قول عبارة ”إلا رسول الله”؟
السؤال: 116138
ملخص الجواب
لا بأس من إطلاق عبارة “إلا رسول الله” لسلامتها لغويا، ووضوح معناها للسامع بدلالة الحال، إذ لا يشمل معناها الرضى بالاستهزاء بالله وبالملائكة وبالأنبياء أو غيرهم ممن يجب احترامهم، وذلك لعدم دخولهم أصلا في قضية الكلام التي دلت عليه حال المتكلم بها والسياق الذي جاءت فيه.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
تتابع كثير من الناس على استعمال عبارة "إلا رسولَ الله“ شعارا للدفاع عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك في حسن قصد من استعملها وأطلقها، ولكن هل يصح هذا الإطلاق من حيث المعنى واللغة أم لا؟
يظهر في هذه العبارة إشكالان:
الأول: أنها ابتدأت بالاستثناء دون ذكر المستثنى منه.
والثاني: أنها توهم أن ما سوى المستثنى لا يَكترِثُ به القائل أو أنه يرضى بالاستهزاء به.
لذلك اختلفت أنظار أهل العلم المعاصرين في حكمها على قولين:
القول الأول: المنع من استخدام عبارة "إلا رسول الله"
وحجة القائلين به أن عبارة "إلا رسول الله" فيها ابتداء بالاستثناء دون ذكر المستثنى منه وعلى أي تقدير قُدِّر المستثنى منه فإن معنى العبارة لا يكون مستقيما؛ ذلك أن ظاهرها يعني أننا نقبل أو نسكت عن الإساءة إلى أي أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا المعنى باطل، فإننا لا نقبل ولا نسكت عن الإساءة إلى الله تعالى، ولا إلى القرآن، أو الإسلام، أو أحد من الأنبياء والمرسلين، أو الملائكة، أو الصحابة رضي الله عنهم، أو أمهات المؤمنين، أو إخواننا المؤمنين، فظهر بذلك أن معنى العبارة غير صحيح، وهو ما جعل بعض علمائنا الأجلاء يفتون بأنها غير جائزة.
القول الثاني: جواز استخدام عبارة "إلا رسول الله"
جواز هذه العبارة، وأنها جارِيةٌ على سَنن العربِ في كلامها، وأن مقصد المتكلم بها معلوم، ولا بد من اعتباره في الكلام، ويجاب عن الاعتراضين السابقين بجوابين:
فالاعتراض الأول وهو الابتداء بالاستثناء وعدم ذكر المستثنى منه، جوابه: أن حذف المعلوم من السياق جائز في كلام العرب على حد قول ابن مالك في ألفيته:
وحذف ما يعلم جائز كما تقول:”زيد"، بعد”من عندكما؟"
وفي جواب:”كيف زيد؟“ قل: ”دنف“* فزيد استغني عنه إذ عرف.
"أي: إن الحذف جائز في كل ما يعلم ويدل عليه دليل؛ سواء كان المحذوف المبتدأ وحده، أو الخبر وحده، أو هما معا. ومثل الناظم لحذف الخبر؛ بأن يسأل سائل: من عندكما؟ فيقال: زيد؛ أي: زيد عندنا. ولحذف المبتدأ بقول السائل: كيف زيد؟ فيجاب: دنف؛ أي: مريض؛ والتقدير: زيد دنف". [ضياء السالك إلى أوضح المسالك، ١/٢١٦]
يقول الشيخ ابن عثيمين:
”هذا البيت في باب المبتدأ والخبر، وهذا الحكم ليس خاصًا بالمبتدأ والخبر، بل حذف كل ما يعلم من المبتدأ، أو الخبر، أو الحال، أو المفعول به جائز إذا كان معلومًا. ولهذا يعتبر هذا البيت قاعدة، وبه نعرف أن مبنى الكلام على العلم والفائدة". [شرح ألفية ابن مالك للعثيمين، ١٩/٢]
والمستثنى منه في مسألتها هنا معلوم في السياق وجار على سنن العرب في كلامها وتوضيح ذلك في الجواب عن الاعتراض الثاني.
أما الاعتراض الثاني وهو إيهام المستمع أن ما سوى المستثنى لا يهم القائل أو يرضى بالاستهزاء به، فجوابه: أن معنى المستثنى منه معلوم لدى السامع والمتكلم لأن المراد من العبارة:”استهزاؤكم بنا وبأهلنا وبقومنا قد يمر ونسكت عنه إلا رسول الله، فاستهزاؤكم به لا يمر ولا نسكت عنه. أو أن المراد: أعمالكم التي عملتموها قد تمر ونسكت عنها إلا شتمكم رسول الله فلا نسكت عنه".
شواهد على استخدام الاستثناء غير الحقيقي
أما المعنى المعتَرَض عليه وهو الرضى بشتم من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يرد في نفس القائل ولا السامع، وهو خلاف مراد العرب من كلامها في نحو هذا الأسلوب، فالاستثناء والحصر كل واحد منهما قد يكون حقيقيا وقد يكون غيرَ حقيقي، وإنما للدلالة على معان أخر: كالتأكيد والاهتمام بالأمر ودفع خلاف المراد، ومن شواهد غير الحقيقي في السنة:
حديث: (لا ربا إلا في النسيئة) [متفق عليه] مع أن الربا يكون في النسيئة وفي الفضل، ولكن الحديث جاء جوابا عن سؤال عن النسيئة. [الاستذكار (8/ 348)]
حديث: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) [رواه البخاري في الأدب المفرد (ص: 104) وصححه الألباني] مع أنه بعث -عليه الصلاة والسلام- بغير ذلك، من العقيدة والشريعة.
ومن ذلك في كلام العرب قولهم:
"ما زيد إلا قائم“لا يعني نفي غير القيام عن زيد.
و”ما جاء بشر إلا راكبا“ لا يعني نفي غير الركوب عن بشر.
و”كُلْ كُلَّ شيء إلا طعامي“لا يعني دخول الأبواب والجدران في”كل شيء.“
وإنما المراد هنا ما جاء الكلام لبيانه ودفع خلافه، فيجب ربط الكلام بذلك، هكذا يفهم العرب كلامهم، فالمثال الأول لبيان قيام زيد من عدمه ولا تعرض فيه لعلمه وشعره وفضله ونسبه وغير ذلك، والمثال الثاني لبيان ركوب بشر من مشيه، والمثال الثالث لعموم ما يؤكل فقط.
عبارة "إلا رسول الله" في سياقها الحالي
وكذلك عبارة ”إلا رسول الله"، يجب أن تربط بدليلها الحالي، فهي تقال لبيان موقف معين، وهو الموقف من الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين اليوم، وليس فيه بيان لغير ذلك من عقائد وشرائع، وقائلها يعني: ”أن الاستهزاء به وبأهله وبقومه وبالمسلمين اليوم قد يمر ويسكت عنه، إلا رسول الله".
وقد يكون المقدَّر:”أعمالكم التي عملتموها قد تمر ونسكت عنها، إلا شتمكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يمر ولا نسكت عنه"، فعلى التقديرين لا يشمل ذلك الاستهزاء بالله وبالقرآن وبالأنبياء، لعدم دخولهم أصلا في قضية الكلام التي دلت عليه الحال.
للاستزادة ينظر الفتوى اللغوية رقم 108 للدكتور سليمان العيوني. أرجو مراجعة رقم الفتوى.
وعليه، فلا حرج على من أخذ بجواز استخدام عبارة "إلا رسول الله"، فظاهر العبارة لا يعني بها صاحبها أن من عدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لا يهمنا أمرهم أو يسعنا السكوت عن حقهم؛ وإنما يعني أن أعظم البشر حقا وأكبرهم قدرا وأشدهم حرمة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن تهاونا في حقوق أنفسنا فلن نتهاون في حقه هو، أو إن سكتنا عن أفعالكم السيئة فلن نسكت عن سبكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والحاصل، أنه لا بأس من إطلاق عبارة "إلا رسول الله" لسلامتها لغويا، ووضوح معناها للسامع بدلالة الحال، إذ لا يشمل معناها الرضى بالاستهزاء بالله وبالملائكة وبالأنبياء أو غيرهم ممن يجب احترامهم، وذلك لعدم دخولهم أصلا في قضية الكلام التي دلت عليه حال المتكلم بها والسياق الذي جاءت فيه.
والله أعلم.
ملاحظة:
تم إعادة تحرير هذا الجواب في تاريخ 6/6/1442هـ الموافق: 19/1/2021م.
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب