من المعلوم أن أولياء الله هم أولئك المؤمنون التقاة الذين يخشون الله…ومن المعروف أيضا أن هناك بعضا من الأولياء لا يملكون كرامة محسوسة ، والبعض الآخر يعطيهم الله إياها…. ولكن أردت أن استفسر إن كان هناك خطأ في أن أطلب الكرامة مباشرة من الله تعالى ، مع علمي أن طلب الاستقامة أفضل وأحب إلى الله … ولكن الغاية المرتجاة منها زيادة الإيمان وفعل الخير بتلك الكرامة ، وبنية نشر الدعوة ، وما في ذلك من الأعمال الصالحة طبعا ، مع مراعاة التستر على هذه الكرامة ، وأعود وأؤكد أنني أعلم أن الاستقامة أفضل . وهل يعتبر هذا الدعاء من الأدعية الممنوعة والمستحيلة ، وهل يغضب الله من هذا ، أقصد هل يعتبر تعديا في الدعاء ؟ وما حكم من يتقصى أوقات الدعاء المستجاب ، ويبذل جهده ليستجيب الله دعاءه هذا ؟ باختصار هل يجوز الدعاء بهذا الدعاء ؟ وجزاكم الله خيرا .
سؤال الله كرامة من كرامات الأولياء
السؤال: 117186
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا نرى حرجا في أن يسأل المسلم ربه أن يكرمه بما يكرم به أولياءه من أمور خارقة للعادة ، وذلك لأسباب عدة :
1- لم يرد نهي عن ذلك .
2- وليست الكرامة مستحيلة الوقوع للمؤمن ، بل هي كثيرة يكرم الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بها ، ويصيب بها من يشاء منهم ، فإذا سأل العبد ربه ذلك لم يسأل ممنوعا ، ولم يطلب مستحيلا ، فليس على الله ببعيد .
3- وحديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار ، فدعا كل منهم بعمله الصالح أن يفرج الله عنهم الصخرة ، ففرجت عنهم ، هو من سؤال الله الكرامة الحقيقية ، فإن إزاحة الصخرة العظيمة من غير بذل جهد من عصبة من الناس لا يقع إلا على وجه الكرامة . الحديث رواه البخاري (2272)، ومسلم (2743)
4- ونحوه حديث الرجل الذي جعل المال في الخشبة ، ثم ألقى بها في البحر ، وسأل الله تعالى أن يوصلها إلى صاحب الحق الذي استدانه منه . الحديث رواه البخاري معلقا بصيغة الجزم (2291)
5- وقد ذكر اللالكائي في "كرامات الأولياء" مجموعة من الكرامات التي تحققت للصالحين بعد سؤالهم الله عز وجل ، ودعائهم بها ، مثل دعاء العلاء بن الحضرمي : يا حليم يا عليم يا علي يا عظيم اسقنا . (ص/150) ودعائه بمثله حتى مشى جيشه على النهر. وغيرها كثير.
فهذه كلها أدلة تدل على جواز سؤال الله خوارق العادات على وجه الكرامة – من حيث الأصل – .
ولكنا ننبه الداعي بذلك على أمور مهمة ، لا ينبغي أن يغفل عنها :
الأول : أن يدعو الداعي بالكرامة ينوي أول ما ينوي أن يجعله الله من أوليائه ، وأن يقربه إليه سبحانه ، فلا يمنعه سؤله ، ويكرمه ما طلبه .
الثاني : أن تكون نيته خالصة لوجه الله تعالى ، لا يريد بها مفاخرة ولا مكاثرة ولا منافسة ، وإنما يريد أقرب المنازل إلى الله ، وأحب المراتب إليه ، فيسأل الله تعالى ما يجوز له منها ، وهي الكرامة ، أما المعجزة فلا تجوز إلا للأنبياء .
الثالث : أن تقوم الحاجة الداعية لهذا السؤال ، كمن يسأل الله الولد على كبر سنه ، أو يسأله المطر والقطر على قحط السماء وجفاف الأرض ، وأما سؤال الخوارق تفكها أو سؤال الخوارق التي لا تفيد المرء في دينه ولا دنياه فهذه لا يجوز الدعاء بها .
يقول الإمام القرافي رحمه الله :
" من المحرم الذي لا يكون كفرا أن يسأل الداعي من الله تعالى المستحيلات العادية ، إلا أن يكون نبيا ، فإن عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خرق العادة ، فيجوز لهم ذلك ، كما سألوا نزول المائدة من السماء ، وخروج الناقة من الصخرة الصماء .
أو يكون وليا له مع الله تعالى عادة بذلك ، فهو جار على عادته ، فلا يعد ذلك من الفريقين قلة أدب .
أو لا يكون وليا ، ويسأل خرق العادة ، ويكون معنى سؤاله أن يجعله وليا من أهل الولاية حتى يستحق خرق العادة .
فهذه الأقسام الثلاثة ليست حراما .
وأما المحرم فله أمثلة : – منها – أن يسأل الله تعالى الاستغناء عن التنفس في الهواء ليأمن الاختناق على نفسه ، وقد دلت العادة على استحالة ذلك . – ومنها – أن يسأل الله تعالى الولد من غير جماع أو الثمار من غير أشجار وغراس ، وقد دلت العادة على استحالة ذلك فطالب ذلك مسيء الأدب على الله تعالى " انتهى باختصار.
وفي كلامه رحمه الله تطويل وتفصيل كثير عليه بعض المؤاخذات والمناقشات، ولكنا نقلنا ما نحتاج إليه في هذه المسألة. "أنوار البروق في أنواع الفروق" (4/268)
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب