أود الاستفسار عن موضوع ” تفسير الأحلام ” عندي شخص مقرب لي يفسر الأحلام ، والناس يتصلون عليه دائماً ، استفساري : ما حكم ذلك من الناحية الشرعيَّة ؟ ، وما حكم تفسير الأحلام أيضاً في بعض الصحف والمجلات ، ونشرها ؟ هل تفسير الأحلام يجعل الرؤية تتحقق كما في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
فتنة الناس بالمنامات والرؤى ، وهل تقع الرؤيا عند أول تعبير لها؟
السؤال: 117665
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
شُغل الناس في هذا الزمان برؤاهم وأحلامهم ، واقتطعوا من أوقاتهم الشيء الكثير ، بحثاً عن تعبير ، وتلمساً لتأويل ، وفي المقابل أشغل المعبرون الناسَ بالتعبير ، وتنوعت وسائل إيصال ذلك التعبير بين الصحف ، والجوالات ، والفضائيات ، فأشغل بعضهم بعضاً ، وصار كل واحدٍ يبحث عن الآخر ، ووقعت الفتنة ، فالباحثون عن التعبير أقلقهم ما يرونه في منامهم ، وسبحوا في فضاء التأملات والأماني ، وتلقاهم المعبرون ، وأشهرهم صنفان :
1. معبرون تجار ، سحبوا ما في جيوب الحالمين من أموال ، مقابل التعبير .
2. باحثون عن الشهرة .
ومن تأمل حال الطرفين علم مدى السوء الذي وصلت له الأمور ، من تضييع للأوقات ، وتعلق بأوهام وخيالات ، واتكاء على المنامات مع ترك الواجبات في اليقظة .
قال الشيخ عبد المحسن العباد – حفظه الله – :
” لا ينبغي للإنسان أن يُشغل نفسه بالرؤى ، لكن إذا حصلت له رؤيا ، وأمكنه تعبيرها : فإنه يعبرها ، وإن لم يعبرها ووثق في أحد ، وسأله : عبرها له ، وإن كان فيها شيء لا يعجبه : فيأخذ بالآداب التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما أن يشغل نفسه بالرؤى وتعبيرها : فإنه قد يشتغل بذلك عن غيره مما هو أهم منه ، والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى … .
فهذا يحتاج إلى وقت ، ليبحث ، ويقرأ عن فلان ، وعن فلان ، ولهذا نجد الآن بعض المعبرين الذين تصدوا للتعبير سوقهم رائجة ، والناس يشغلونه أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين ، وفي مسائل الفقه ، والأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم ” انتهى .
” شرح سنن أبي داود ” شريط رقم ( 359 ) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال رقم : (115945 ) .
ثانياً :
قد افتتن كثير من المعبرين في زماننا هذا ، فراحوا يبحثون عن الوسائل المعاصرة لتبليغ تعبيراتهم للناس ، فأشغلوهم ، وأكلوا أموالهم ، أو تسلقوا على مناماتهم لبلوغ الشهرة وانتشار الصيت ، وكثير منهم جاهل أصلاً في هذا الباب ، ومن كان منهم عالِماً فإنه يعلم أن التعبير يختلف في الرؤيا الواحدة من شخص لآخر ، وأن معرفة المعبِّر به ، ورؤيته له لها دورٌ كبير في صحة التعبير ، فكيف سيصيب هؤلاء وهم لا يعرفون الرائي هل هو ذكر أم أنثى ، وهل هو متزوج أم أعزب ، وهل هو مسلم أم كافر ! .
وفي ” حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب ” – من كتب المالكية – ( 2 / 660 ) :
” فلا يجوز له تعبيرها بمجرد النظر في كتاب التفسير ، كما يقع الآن ، فهو حرام ؛ لأنها تختلف باختلاف الأشخاص ، والأحوال ، والأزمان ، وأوصاف الرائين ، ولذلك سأل رجلٌ ابنَ سيرين بأنه رأى نفسه أذَّن في النوم ، فقال له : تسرق ، وتُقطع يدك ، وسأله آخر وقال له مثل هذا ، فقال له : تحج ! فوجد كلٌّ منهما ما فسره له به ، فقيل له في ذلك ، فقال : رأيتُ هذا سُمَيَّتُهُ حسنة ، والآخر سُمَيَّتُهُ قبيحة “انتهى .
قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ – حفظه الله – :
” أما المعبِّرون : فالواجب عليهم تقوى الله عز وجل ، والحذر من الخوض في هذا الباب بغير علم ؛ فإن تعبير الرؤى : فتوى ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) يوسف/ 43 .
ومعلوم أن الفتوى بابها العلم ، لا الظن ، والتخرص ، ثم أيضاً : تأويل الرؤى ليس من العلم العام الذي يحسن نشره بين المسلمين ليصححوا اعتقاداتهم وأعمالهم ، بل هي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم مبشرات ، وكما قال بعض السلف : الرؤيا تسر المؤمن ، ولا تغره هذا ، وإن التوسع في باب تأويل الرؤيا – حتى سمعنا أنه يخصص لها في القنوات الفضائية ، وكذلك على الهواتف ، وفي الصحف ، والمجلات ، والمنتديات العامة من المنتجعات ، وغيرها أماكن خاصة بها ؛ جذباً للناس ، وأكلاً لأموالهم بالباطل – : كل هذا شرٌّ عظيم ، وتلاعب بهذا العلم الذي هو جزء من النبوة ، قيل لمالك رحمه الله : أيعبر الرؤيا كلُّ أحدٍ ؟ فقال : أبالنبوة يُلعب ؟! وقال مالك : لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها ، فإن رأى خيراً أخبر به ، وإن رأى مكروهاً : فليقل خيراً ، أو ليصمت ، قيل : فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال : إنما على ما أولت عليه ؟ فقال : لا ، ثم قال : الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة .
فيجب على المسلمين التعاون في منع هذا الأمر ، كلٌّ حسب استطاعته ، ويجب على ولاة الأمور السعي في غلق هذا الباب ؛ لأنه باب شر ، وذريعة إلى التخرص ، والاستعانة بالجن ، وجر المسلمين في ديار الإسلام إلى الكهانة ، والسؤال عن المغيبات ، زيادة على ما فيها من مضار لا تخفى ، من إحداث النزاعات ، والشقاق ، والتفريق بين المرء وزوجه ، والرجل وأقاربه وأصدقائه ، كل هذا بدعوى أن ما يقوله المعبر هو تأويل الرؤيا ، فيؤخذ على أنه حق محض لا جدال فيه ، وتُبنى عليه الظنون ، وهذا من أبطل الباطل ، كيف وصدِّيق هذه الأمة ، بل خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين لمَّا عبر الرؤيا قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أصبتَ بعضاً وأخطأت بعضاً ) ، ونحن لا نعلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم خير القرون وأحرصهم على هدي نبينا صلى الله عليه وسلم وأتقاهم لله وأخشاهم له ، لا نعلم أنهم عقدوا مجالس عامة لتأويل الرؤى ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه ، وإني إبراءً للذمة ، ونصحاً للأمة : لأحذر كل من يصل إليه هذا البيان ، من التعامل مع هؤلاء ، أو التعاطي معهم ، والتمادي في ذلك ، بل الواجب مقاطعتهم ، والتحذير من شرهم ، عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وألزمنا وإياكم كلمة التقوى ، ورزقنا اتباع سنة سيد المرسلين واقتفاء آثار السلف الصالحين ، وحشرنا وإياكم في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ” انتهى .
مقال ” تأويل الرؤى والحذر من التوسع فيها ” ضمن ” مجلة البحوث الإسلامية ” ( 67 / 16 – 18 ) .
ثالثاً :
أما بخصوص وقوع الرؤيا بالتعبير : ففي المسألة أحاديث أشهرها :
1. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اعْتَبِرُوهَا بِأَسْمَائِهَا ، وَكَنُّوهَا بِكُنَاهَا ، وَالرُّؤْيَا لِأَوَّلِ عَابِرٍ ) .
رواه ابن ماجه ( 3915 ) ، والحديث ضعفه كثيرون ؛ ففي إسناده : يزيد بن أبان الرقاشي ، وهو ضعيف .
2. عَنْ أَبِى رَزِينٍ العُقيلي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعَبَّرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ ) قَالَ : وَأَحْسِبُهُ قَالَ : ( وَلاَ يَقُصُّهَا إِلاَّ عَلَى وَادٍّ أَوْ ذِي رَأْيٍ ) .
رواه الترمذي ( 2278 ) وأبو داود ( 5020 ) وابن ماجه ( 3914 ) ، وحسَّنه ابن حجر في ” فتح الباري ” ( 12 / 432 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
وقد رأى بعض العلماء أن هذه الأحاديث منكرة المتن – مع ما في أسانيدها من كلام – ، ولذلك ذهبوا إلى تضعيفها ، وأنها مخالفة لحديث أبي بكر الصدَّيق عندما أخطأ في بعض التعبير أمام النبي صلى الله عليه وسلم .
والصواب : أن الحديث الثاني حسن ، أو صحيح ، وأنه ليس في متنه نكارة ، وأن معناه : أن الرؤيا يقع تعبيرها إذا عبَرها من أصاب ، لا من أخطأ .
ومن عظيم فقه البخاري رحمه الله أنه بوَّب على حديث أبي بكر رضي الله قولَه : ” باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب ” .
وروى الحديث وفيه قول أبي بكر رضي الله عنه : فَأَخْبِرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ أَصَبْتُ أَمْ أَخْطَأْتُ ، قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( أَصَبْتَ بَعْضاً وَأَخْطَأْتَ بَعْضاً) .
رواه البخاري ( 6639 ) ومسلم ( 2269 ) .
وهذا المعنى هو الذي ذهب إليه جماهير العلماء والشرَّاح .
قال الزمخشري : ” ليس المعنى أن كل من عبَرها وقعت على ما عَبَر ، ولكن إذا كان العابر الأول عالماً بشروط العبارة ، فاجتهدَ ، وأَدَّى شرائطها ، ووُفق للصواب ، فهي واقعةٌ على ما قال ، دونَ غيره ” انتهى .
” الفائق في غريب الحديث والأثر ” (3 /281 ) .
وفي فوائد حديث أبي بكر قال النووي – رحمه الله – : ” وأن الرؤيا ليست لأول عابر على الإطلاق ، وإنما ذلك إذا أصاب وجهها ” انتهى .
” شرح مسلم ” (15 ، 30 ) .
وقال ابن بطَّال – رحمه الله – :
” وقال أبو عبيد وغيره من العلماء : تأويل قوله : ( الرؤيا لأول عابر ) : إذا أصاب الأول وجه العبارة ، وإلا فهي لمن أصابها بعده ، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فيما يرى النائم ، ليوصل بذلك إلى مراد الله بما ضربه من الأمثال في المنام ، فإذا اجتهد العابر وأصاب الصواب في معرفة المراد بما ضربه الله في المنام : فلا تفسير إلا تفسيره ، ولا ينبغي أن يسال عنها غيره ، إلا أن يكون الأول قد قصر به تأويله فخالف أصول التأويل ، فللعابر الثاني أن يبين ما جهله ، ويخبر بما عنده ، كما فعل النبي عليه السلام بالصدِّيق فقال : ( أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً ) ، ولو كانت الرؤيا لأول عابر سواء أصاب أو أخطأ : ما قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : ( وأخطأتَ بعضاً ) ” انتهى .
” شرح صحيح البخاري ” (9 /560 ، 561 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة