إذا طلب المرء المعصية من الله سبحانه وتعالى ( مثلاً يدعو أن ييسر له الزنا ) هل هذا الكلام وهذا الطلب كفر ؟
الدعاء بتيسير الحرام هل يكون كفرا؟
السؤال: 118750
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
لا يجوز للإنسان أن يطلب من الله تعالى تيسير الحرام من الزنا وغيره ، لأن الحرام يجب بغضه وكراهته وإنكاره بالقلب في أضعف الأحوال ، وطلبه من الله تيسيره له ينافي ذلك ، ولهذا كان هذا الدعاء محرماً ، ومن الاعتداء في الدعاء .
قال القرافي رحمه الله في “الفروق” (4/296) : ” القسم الثاني عشر من الدعاء المحرم الذي ليس بكفر: وهو ما استفاد التحريم من متعلقه وهو المدعو به ؛ لكونه طلبا لوقوع المحرمات في الوجود . أمّا الداعي فكقوله : اللهم أمته كافرا أو اسقه خمرا أو أعنه على المَكس الفلاني [جباية المال ظلماً] أو وطء الأجنبية الفلانية أو يسر له الولاية الفلانية وهي مشتملة على معصية ، أو يطلب ذلك لغيره إما لعدوه ، كقوله : اللهم لا تمت فلانا على الإسلام ، اللهم سلط عليه من يقتله أو يأخذ ماله , وإما لصديقه فيقول : اللهم يسر له الولاية الفلانية أو السفر الفلاني أو صحبة الوزير فلان أو الملك فلان , ويكون جميع ذلك مشتملا على معصية من معاصي الله تعالى ، فجميع ذلك محرم تحريم الوسائل ، ومنزلته من التحريم منزلة متعلقه , فالدعاء بتحصيل أعظم المحرمات أقبح الدعاء ، ويروى : (من دعا لفاسق بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى) ، ومحبة معصيته تعالى محرمة فدل ذلك على أن الدعاء بالمحرم محرم ” انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله : ” فالاعتداء بالدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات ، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله ، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة ، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب ، أو يسأله أن يطلعه على غيبه ، أو يسأله أن يجعله من المعصومين ، أو يسأله أن يهب له ولدا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء ، فكل سؤال يناقض حكمة الله ، أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره ، أو يتضمن خلاف ما أخبر به ، فهو اعتداء ، لا يحبه الله ، ولا يحب سائله ” انتهى من “بدائع الفوائد” (3/524).
ولكن … يجب أن يُعلم أن العاصي ـ وإن ارتكب المعصية ـ فإنه يجب عليه أن يكون كارهاً لها بقلبه ، خائفاً من عقاب الله تعالى ، فإن انسلخ من قلبه كراهة المعصية ، والخوف من الله ، فهذا لا يكون مؤمناً ، ويُخشى على من يدعو بتسهيل المحرم له أن ينتهي أمره إلى هذا والعياذ بالله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : “الإنسان لا يأتي شيئا من المحرمات كالفواحش ما ظهر منها وما بطن ، والإثم والبغي بغير الحق ، والشرك بالله ما لم ينزل به سلطانا ، والقول على الله بغير علم ، إلا لضعف الإيمان في أصله أو كماله ، أو ضعف العلم والتصديق ، وإما ضعف المحبة والبغض ، لكن إذا كان أصل الإيمان صحيحا وهو التصديق ، فإن هذه المحرمات يفعلها المؤمن مع كراهته وبغضه لها ، فهو إذاً فعلها لغلبة الشهوة عليه ، فلا بد أن يكون مع فعلها فيه بغض لها ، وفيه خوف من عقاب الله عليها ، وفيه رجاء لأن يخلص من عقابها ، إما بتوبة وإما حسنات ، وإما عفو ، وإما دون ذلك ، وإلا فإذا لم يبغضها ، ولم يخف الله فيها ، ولم يرج رحمته ، فهذا لا يكون مؤمنا بحال، بل هو كافر أومنافق ” انتهى من “قاعدة في المحبة” ص 104 .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب