أنا فى بلد مسلم ، وعربي ، ولكن يشذ فيه من يعفى لحيته ، ويقصر سرواله ، وهو المظهر الإسلامي الشرعي للرجل ، وكنَّا دائماً نسمع عنهم في السجون ، وفي مشاكل مع الحكومة ، ومعاملتها لهم السيئة ؛ وذلك لأن في بلادنا من يدَّعي الإسلام بمظهره ، ويتعامل بما يخالف ذلك ( يتهم بأنه إرهابي على حد تعبيرهم ) ، فخفتُ على نفسي من أن أكون مثلهم في عيون الحكومة ، وأن يصيبني ما أصابهم في ذلك ، وعلماً بأننا نتبع في بلادنا المذهب المالكي ، ولدينا شيوخ أفتوا في هذا الأمر ، بتخفيف اللحية ، أو حلقها ، للضرورة ، وإسبال السروال ، وأفتاني أحد شيوخنا أيضاً على أن الخوارج ، والشيعة ، والمشركين المتدينين أيضا أعفوا لحاهم ، فمخالفتهم في ذلك أصبحت معدومة ، وأنا في قلق شديد من ذلك ، ومع أني – الحمد لله – محافظ على أمور ديني الأخرى ، وتقلقني هذه المسألة .
فأنتظر إجابتكم ، وردكم على بريدي الإلكتروني بفارغ الصبر ، وبارك الله لي ولكم في نعمة الإسلام .
يخشى إن أعفى لحيته وقصَّر إزاره من الملاحقة الأمنية ، فماذا يصنع ؟
السؤال: 121764
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
سبق بيان أدلة تحريم حلق اللحية في جواب السؤال رقم : (1189 ) ، فلينظر .
ثانياً:
أما القول بأن العلة من وجوب إعفاء اللحية هي مخالفة المشركين ، وقد زالت هذه العلة الآن ، وعليه فلا يجب إعفاء اللحية : فهو قول باطل ، وقد رددنا عليه في جواب السؤال رقم : ( 75525 ) ، فليُنظر .
ثالثاً:
لا يخفى علينا تعرض أهل الخير والصلاح في بعض بلاد الإسلام – للأسف – لمضايقات ، بسبب التزامهم بشرع الله تعالى في لباسهم ، وهيئتهم ، وأنهم لا يستطيعون إظهار ذلك إلا بمشقة بالغة ، مع احتمال تعرضهم للمساءلة ، بل السجن ، والإيذاء .
والذي يقال في هذه المسألة هو : أن الناس ليسوا سواء في احتمال تعرضهم للأذى في بلدانهم ، وأن الأمر عند بعضهم لا يعدو كونه وهماً ، واحتمالاً ضعيفاً ، ومثل هؤلاء لا يحل لهم التلبس بفعل المعصية ، من حلق اللحية ، أو إسبال الثوب .
وأما إن كان الخطر حقيقياً ، وكان احتمال التعرض للأذى قويّاً ظاهراً ، كما هو الواقع فعلا في بعض البلاد : فهنا يجوز لهم الترخص بارتكاب المحذور من حلق لحية ، وإسبال إزار .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – :
من اضطر لحلق لحيته لأسباب ، وإذا لم يحلقها سوف يؤذى في نفسه ، وماله ، فهل له أن يحلقها ؟ .
فأجاب:
إن الظن من بعض الناس : لا أصل له ، بعض الناس يقول : أخشى إذا دخلتُ البلد الفلاني وأنا ملتحي : أخشى أن أُعذَّب ، أو أُحبس ، أو ما أشبه ذلك ، ولكنَّ هذا وهمٌ من الشيطان ؛ لأن هذا البلد الذي يقول ” أخشى إن دخلته أن أُعذَّب ” : يدخله أناس – نعرفهم نحن – وهم ملتحون ، ولا يُنالون بسوء ، وهذا الشيء يُعتبر من السائل ، أو ممن يظن ذلك : وهماً لا حقيقة له ، ولا يحل له بناءً على هذا الوهم أن يحلق لحيته .
نعم ، لو أنهم قالوا – حينما دخل هذا الرجل إلى البلد – : إما أن تحلق لحيتك ، أو نحبسك : فحينئذٍ يحل له أن يحلقها ، لكن يحلقها دفعاً للإكراه ؛ لأن الله تعالى أباح للإنسان أن يَكفر دفعاً للإكراه ، فقال تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ) النحل/ من الآية 106 .
فهذا الذي أُكره على حلق لحيته ، فأُمسك ، وقيل له : احلق أو حبسناك : هذا لا شك أن قلبه غير منشرح بالحلق ، لكنه أُكره عليه ، فإذا فعله دفعاً للإكراه : فلا إثم عليه ، أما وهماً ، يخشى أن يُمسك : فهذا لا يبيح له المحذور ؛ لأن ارتكاب المحذور مُتيقَّن ، وهذا الوهم : غير متيقَّن .
” فتاوى الحرم المدني ” ( شريط رقم : 25 ، وجه : أ ) .
http://www.binothaimeen.com/sound/snd/a0174/a0174-25a.rm
ونقول للإخوة الذي يتعرضون لمثل هذا : إنهم بإمكانهم تخفيف لحيتهم بدلاً من حلقها ، كما أفتاهم به شيوخهم المذكورون ؛ ما دام دفع الأذى يتحقق بذلك التخفيف ، فالتخفيف هنا أولى من الحلق ، وكذا أن تكون أثوابهم قريبة جدّاً من كعبي رجليهم ، بدلاً من إسبالها ، وليس ثمة داعٍ للمبالغة في تقصير الثوب ليلفت الأخ نظر الناس إليه ، ولا يعد مرتكباً لإثم في هذه الحالة ، بل فعل ما هو جائز له ، ويُرجى أن يحصِّل أجراً على تركه الأفضل – عنده – لأنه تركه مرغماً ، ودفعاً للحرج ، والوقوع في أيدي من لا يتقي الله تعالى ولا يخافه .
ويُرجى النظر في جوابي السؤالين : ( 52886 ) و ( 40769 ) ففيهما مزيد بيان .
ونسأل الله تعالى أن يفرِّج كرب المسلمين في كل مكان ، وأن يكتب لهم العز والتمكين ، وأن يثبتهم على دينه ، ويعينهم على طاعته.
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة