يخالفون الشرع ويتذرعون بوجود من يفعل ذلك من أهل الاستقامة
السؤال: 122505
بعض أئمة المساجد وأساتذة التربية الإسلامية وغيرهم مما يعتبرون قدوة لأناس غيرهم يأخذون من لحاهم – والبعض يحلقها كلها – ، ويسبلون ثيابهم ، فإذا حاججت بعض ضعاف النفوس على حرمة هذه الأمور : يقول لك : فلان إمام مسجد ، ومسبل ثوبه ، أو فلان مدرس إسلاميات ، ويحلق لحيته .
نريد منكم كلمة في مثل هؤلاء الأئمة ، ومن في دورهم ، وخطر ما يفعلونه على أنفسهم ، وعلى الناس كلهم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً : تعلق بعض المخالفين للشرع بفعل بعض أئمة المساجد ، أو مدرسي التربية
الإسلامية : لا ينفعهم عند ربهم ؛ لأن المطلوب من المسلم أن يقتدي بالنبي صلى الله
عليه وسلم ، ولا يجوز له أن يقوم هدي أحد على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، قال
الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ
كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً )
الأحزاب/21 ، وقال الله تعالى : (وَيَوْمَ
يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ
) القصص/65 . .
فإذا اتضحت سنة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز لمسلم أن يتركها من أجل فعل فلان
من الناس أو قوله. قال الإمام الشافعي رحمه الله : أجمع الناس على أن من استبانت له
سنة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس .
ثانياً :
ينبغي لمن صار قدوة للناس أن يكون أكثر اعتناء باتباع السنة ، وعدم مخالفتها ، لأن
الناس يقتدون به ، وينظرون إلى فعله على أنه هو الشرع .
قال
الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
”
ولهذا يجب على أهل العلم ما لا يجب على غيرهم ، في العبادات ، في الأخلاق ، في
المعاملات ؛ لأن الناس يقتدون بهم ، يقتدون بهم تماماً ، حتى إن بعض الناس يجلس إلى
العالم وهو يصلي – مثلاً – ويحصي عليه حركاته ، وسكناته ، ولما كبر ابن عمر رضي
الله عنهما صار لا يجلس للصلاة مفترشاً ، فقال له أحد أبنائه : ( يا أبت كيف هذا
الجلوس ؟ فقال : إن رجليِّ لا تقلاني ) ، فانظر إلى نظرة الناس إلى العالم ، يحصون
عليه حتى فعله ، حتى تركه ، لذلك يجب على طلبة العلم أن يكونوا مثالاً طيباً حسناً
في كل شيء ، حتى يكونوا قدوةً صالحة ، وحتى يحترمهم الناس ” انتهى .
”
اللقاء الشهري ” ( مقدمة اللقاء رقم 49 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
”
والعالِم يُعرف بصبره ، وتقواه لله , وخشيته له سبحانه وتعالى , ومسارعته إلى ما
أوجب الله ورسوله , وابتعاده عما حرم الله ورسوله
.
هكذا يكون العالم ، سواءً كان مدرساً ، أو قاضياً ، أو داعياً إلى الله , أو في أي
عمل , فواجبه أن يكون قدوة في الخير , وأن يكون أسوة في الصالحات , يعمل بعلمه ،
ويتق الله أين ما كان , ويرشد الناس إلى الخير , حتى يكون قدوة صالحة لطلابه ,
ولأهل بيته ولجيرانه ولغيرهم ممن عرفه , يتأسون به : بأقواله ، وأعماله الموافقة
لشرع الله عز وجل
.
وعلى طالب العلم أن يحذر غاية الحذر من التساهل فيما أوجب الله , أو الوقوع فيما
حرم الله ؛ فإنه يُتأسى به في ذلك , فإذا تساهل : تساهل غيره , وهكذا في السنَّة ،
والمكروهات , ينبغي له أن يحرص على تحري السنن , وإن كانت غير واجبة ؛ ليعتادها ،
وليَتأسى الناس به فيها , وأن يبتعد عن المكروهات ، والمشتبهات ؛ حتى لا يتأسى به
الناس فيها
.
فطالب العلم له شأن عظيم , وأهل العلم هم الخلاصة في هذا الوجود , فعليهم من
الواجبات والرعاية ما ليس على غيرهم , يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع
وكلكم مسئول عن رعيته ” انتهى .
”
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 2 / 312 ، 313
) .
2.
وقال رحمه الله أيضاً – :
” (
وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ
إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) هذه الآية العظيمة تبين لنا أن الداعي إلى الله عز
وجل ينبغي أن يكون ذا عمل صالح يدعو إلى الله بلسانه ، ويدعو إلى الله بأفعاله
أيضاً , ولهذا قال بعده : ( وَعَمِلَ صَالِحًا ) ، فالداعي إلى الله عز وجل يكون
داعية باللسان , وداعية بالعمل , ولا أحسن قولاً من هذا الصنف من الناس , هم الدعاة
إلى الله بأقوالهم الطيبة ، وهم يوجهون الناس بالأقوال والأعمال ، فصاروا قدوة
صالحة في أقوالهم ، وأعمالهم ، وسيرتهم
.
وهكذا كان الرسل عليهم الصلاة والسلام , دعاة إلى الله بالأقوال ، والأعمال ،
والسيرة , وكثير من المدعوين ينتفعون بالسيرة أكثر مما ينتفعون بالأقوال ، ولا سيما
العامة ، وأرباب العلوم القاصرة ؛ فإنهم ينتفعون من السيرة ، والأخلاق الفاضلة ،
والأعمال الصالحة ما لا ينتفعون من الأقوال التي قد لا يفهمونها , فالداعي إلى الله
عز وجل من أهم المهمات في حقه أن يكون ذا سيرة حسنة ، وذا عمل صالح ، وذا خلُق فاضل
حتى يقتدى بأفعاله ، وأقواله وسيرته .
…
.
فهذه الآية العظيمة فيها الحث ، والتحريض على الدعوة إلى الله عز وجل ، وبيان منزلة
الدعاة ، وأنهم أحسن الناس قولاً إذا صدقوا في قولهم ، وعملوا الصالحات ، وهم أحسن
الناس قولاً ، ولا أحد أحسن منهم قولاً أبداً ، وعلى رأسهم : الرسل عليهم الصلاة
والسلام , ثم أتباعهم على بصيرة إلى يوم القيامة ” انتهى
.
”
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز ” ( 3 / 110 ، 111 ) .
ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ، وأن يهدي الدعاة وطلبة العلم لما فيه صلاحهم
وصلاح الناس .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعتم بهذه الإجابة؟