هل يجوز تسمية مسجد من المساجد باسم ” أهل الحديث ” ؟
حكم تسمية المسجد باسم أهل الحديث
السؤال: 124196
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
توسع جمهور أهل العلم في تسمية المساجد ، فأجازوا تسميتها بكل ما يميزها عن غيرها من أسماء الأنبياء ، والعلماء ، والصالحين ، وأسماء من بناها ، وأسماء البلدان التي تقع فيها ، أو القبائل التي تسكن عندها ، ونحو ذلك ، مستدلين عليه بما ورد في صحيح البخاري (رقم/420) من تسمية أحد المساجد بـ ” مسجد بني زريق “، وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم : (71301)
وننقل هنا من فتاوى اللجنة الدائمة (المجموعة الثانية 5/280-284) فتوى مطولة تتعلق بهذا الموضوع :
” أولا :
المساجد قد حصل بالتتبع وجود تسميتها على الوجوه الآتية ، وهي :
1- إضافة المسجد إلى من بناه ، وهذا مِن إضافة أعمال البر إلى أربابها ، وهي إضافة حقيقية للتمييز ، وهذه تسميته جائزة ، ومنها : مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقال : مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- إضافة المسجد إلى من يصلِّي فيه [ يعني : القبيلة ، أو الجماعة ، أو الحي الذي يعتاد الصلاة فيه ] ، أو إلى المحلة ، وهي إضافة حقيقية للتمييز ، فهي جائزة ، ومنها : مسجد قباء ، ومسجد بني زريق كما في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في حديث المسابقة إلى مسجد بني زريق ومسجد السوق ، كما ترجم البخاري رحمه الله بقوله : ( باب العلماء في مسجد السوق ) .
3- إضافة المسجد إلى وصف تميز به ، مثل : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، كما في قوله تعالى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى )، وفي السنة ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة : ( لا تعمل المطي إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي هذا ) ، ومنه : ( المسجد الكبير ) وقد وقع تسمية بعض المساجد التي على الطريق بين مكة والمدينة باسم ( المسجد الأكبر ) كما في ( صحيح البخاري ) ومثله يقال : ( الجامع الكبير ).
ثانيا:
تسمية المسجد باسم غير حقيقي لكي يتميز ويعرف به ، وهي ظاهرة منتشرة في عصرنا لكثرة بناء المساجد وانتشارها ولله الحمد في بلاد المسلمين في المدينة وفي القرية ، بل في الحي الواحد ، فيحصل تسمية المسجد باسم يتميز به ، واختيار إضافته إلى أحد وجوه الأمة وخيارها من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين لهم بإحسان ، مثل : مسجد أبي بكر رضي الله عنه ، مسجد عمر رضي الله عنه ، وهكذا للتعريض ، فهذه التسمية لا يظهر بها بأس ، لا سيما وقد عرف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تسميته سلاحه ، وأثاثه ، ودوابه ، وملابسه ، كما بينها ابن القيم رحمه الله تعالى في أول كتاب ( زاد المعاد ).
ثالثا :
تسمية المسجد باسم من أسماء الله سبحانه وتعالى ، مثل : مسجد الرحمن ، مسجد القدوس ، مسجد السلام ، ومعلوم أن الله سبحانه قال وقوله الفصل : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا )، فالمساجد جميعها لله تعالى بدون تخصيص ، فتسمية مسجد باسم من أسماء الله ليكتسب العلمية على المسجد أمر محدث ، لم يكن عليه من مضى ، فالأولى تركه ، والله الهادي إلى سواء السبيل ” انتهى النقل عن فتاوى اللجنة الدائمة.
وانظر كتاب ” أحكام المساجد ” (2/86) لإبراهيم الخضيري .
وبناء على ما سبق فالأصل أنه لا حرج في تسمية المسجد باسم ” مسجد أهل الحديث “، فهي نسبة إلى وصف شرعي مقبول ، وما زال هذا الاسم عند أهل العلم محل ثناء وذكر بالخير ، فتسمية المسجد به أمر سائغ لا بأس به ، إن شاء الله تعالى .
وهذا الحكم إنما هو من حيث الأصل والعموم ، لكن قبل تطبيقه على حال مسجدكم ، ينبغي النظر في واقع بلادكم ؛ فإن كان الانتساب إلى أهل الحديث ، والتسمي باسمهم ، أو تسمية مسجدكم باسم ” أهل الحديث ” ، إن كان ذلك كله يترتب عليه تفريق لجماعة المسلمين ، أو إلقاء البغضاء في قلوبهم ، أو إحياء العصبيات الجاهلية ، ووقوع الفتن والإحن بين المسلمين : فينبغي ترك هذه التسمية ، بل ترك ما هو أعلى منها من المباحات والمستحبات إذا ترتب عليها شيء من هذه المفاسد ، وأقصى ما في تسمية مسجدكم بهذا أن يكون أمرا مباحا تركتموه ، وأمامكم من الأسماء الشرعية المباحة ، مما يجمع ولا يفرق ، ويؤلف ولا ينفر ، ما فيه غنية عن ذلك . ولقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم المناداة بالأسماء الشرعية إذا كان باعثها التعصب لغير الحق .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال :
( غَزَوْنَا مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ، وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا ، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا ، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا ، حَتَّى تَدَاعَوْا ، وَقَالَ الأَنْصَارِي : يَا لَلأَنْصَارِ . وَقَالَ الْمُهَاجِرِي : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ . فَخَرَجَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ . ثُمَّ قَالَ : مَا شَأْنُهُمْ . فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِي الأَنْصَارِيَّ . قَالَ : فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم : دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ )رواه البخاري (3518)، ومسلم (4682) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
” فهذان الاسمان ـ المهاجرون والأنصار ـ اسمان شرعيان جاء بهما الكتاب والسنة ، وسماهما الله بهما ، كما سمانا المسلمين من قبل وفي هذا ؛ وانتساب الرجل إلى المهاجرين والأنصار انتساب حسن محمود عند الله وعند رسوله ، ليس من المباح الذي يقصد به التعريف فقط ، كالانتساب إلى القبائل والأمصار ، ولا من المكروه أو المحرم كالانتساب إلى ما يفضي إلى بدعة أو معصية أخرى ؛ ثم مع هذا لما دعا كل واحد منهما طائفةً منتصرا بها : أنكر النبي صلى الله عليه و سلم ذلك ، وسماها دعوى الجاهلية ، حتى قيل له : إن الداعي بها إنما هما غلامان ، لم يصدر ذلك من الجماعة ؛ فأمر بمنع الظالم وإعانة المظلوم ” . اقتضاء الصراط المستقيم (71) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة