كنا مجاورين للمسجد النبوي في المدينة في العشر الأواخر من رمضان الماضي وأحد الشباب كان يذهب يصلي في الحرم كل الفروض إلا صلاة العشاء والتراويح وأيضاً القيام خارج المسجد بحجة أنه لا يجد قلبه في الصلاة ولا يرتاح لصوت بعض أئمة الحرم ويقول لا يريد أن يضيع العشر من رمضان وأهم شيء عندي قلبي . وأحد المعتكفين يقول أنا أعتكف اليوم كله إلا وقت صلاة العشاء والقيام أصليها خارج الحرم النبوي فما تعليلكم يا شيخ حفظك الله ؟
يترك الصلاة في الحرم النبوي ليصلي خلف إمام يراه أخشع لقلبه
السؤال: 125601
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الصلاة في المسجد النبوي تتضاعف أضعافاً كثيرة .
فقد روى البخاري (1190) ومسلم (1394) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَام)
وهذا الحديث يشمل الفرائض ، والنوافل التي يُستحب أن تصلى جماعة في المساجد كالتراويح.
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
” تستحب صلاة النافلة في البيت سواء الرواتب أو غيرها ، إلا ما شرع الله أداءه في المسجد كتحية دخوله ، وهكذا ما شرع الله له الجماعة كالتراويح والكسوف فإنها تصلى في المسجد ، وهكذا صلاة العيد وصلاة الاستسقاء فإنها تصلى في المصلى ” انتهى مختصراً .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (7/239) .
أما ترك صاحبك صلاة التراويح في المسجد النبوي للسبب الذي ذكرته فلا شك أن الخشوع في الصلاة ، وإصلاح القلب بالصلاة أمر مطلوب ، والصوت الحسن بالقرآن يساعد على ذلك.
ويتأثر به السامع فإن كان صاحبك سيصلي في مسجد آخر ويكون ذلك أخشع لقلبه فلا حرج عليه ، ويكون قد ترك فضيلة المكان ، وحرص على فضيلة تتعلق بذات الصلاة وهي الخشوع ، وعند تعارض الفضيلتين – كما هو الحال عند صاحبك – فينبغي تقديم الفضيلة المتعلقة بذات العبادة .
قال الشيخ ابن جبرين :
” إن الصوت الحسن ، والقراءة الجيدة ، لها وقع في النفس ، وتأثير في حضور القلب ، وخشوع البدن ، والتأثُّر بكلام الله تعالى ، والتّلذُّذ بسماعه . مما يكون سبباً في فهمه ، وإدراك معانيه ، وتدبره ، ومعرفة إعجازه وبلاغته ، وقوة أساليبه ، وكل ذلك سبب في العمل به ، وتقبّل إرشاداته ، وتوجيهاته ، فلا يُعاب من التمس قارئاً حسن الصّوت ، مجوّداً للقرآن ، حافظاً له ، خاشعاً في قراءته ، مطمئناً في صلاته ، فإن مثل هذا يقصد للصلاة خلفه ، ولو من مكان بعيد ، ويفضل على غيره ممن لا يجيد القراءة ، أو يلحن ، أو يغلط كثيراً ، أو لا يحسن صوته ، ولا يتغنَّى بالقرآن ، أو يقرأ بالهذرمة والسرعة الشديدة ، أو لا يطمئن في صلاته ، ولا يخشع في قراءته ، ولو كان مسجده قريبا ” انتهى .
“فتاوى الشيخ ابن جبرين” (24/28) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” قول السائل هل الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من غيره ؟
جوابه : نعم ، الاعتكاف في المسجد الحرام أفضل من الاعتكاف في المساجد الأخرى ، ويليه الاعتكاف في المسجد النبوي ، ويليه الاعتكاف في المسجد الأقصى ، ثم المساجد الأخرى الأفضل منها فالأفضل .
ولكن ها هنا مسألة ينبغي أن نتفطن لها : وهي أن مراعاة ذات العبادة أولى من مراعاة زمانها ومكانها ، أي : ما عاد إلى ذات العبادة من الفضائل أولى بالمراعاة مما عاد إلى مكانها أو زمانها ، يعني أن الإنسان لو كان اعتكافه في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة أكمل وأشد خشوعاً لله عز وجل وأكثر في العبادة كان اعتكافه في هذه المساجد أفضل ؛ لأن هذا الفضل يعود إلى ذات العبادة .
ويرى أهل العلم أن رمل الطائف في طواف القدوم أولى من دنوه من الكعبة ، وعللوا ذلك بأن الرمل فضيلة تتعلق بذات العبادة والدنو من البيت فضيلة تتعلق بمكانها ، ومراعاة ما يتعلق بذات العبادة أولى من مراعاة ما يتعلق بمكانها . وهذه نقطة ينبغي للإنسان ولا سيما طالب العلم أن يلاحظها ، وهي المحافظة على فضيلة ذات العبادة أكثر من المحافظة على مكانها وزمانها ” انتهى .
“فتاوى نور على الدرب” (205/4-5) .
وقال الشيخ أيضا :
” لا شك أن الاعتكاف إذا كان في المساجد الثلاثة التي تقصد وتشد الرحال إليها لا شك أنه أفضل ، ولا أحد يعارض في ذلك ، إلا إذا ترتب على ذلك أنه يكثر خشوعه في مسجده وإقباله على الله عز وجل ، ويسلم من الضوضاء ومشاهدة من يكونون خطراً في مشاهدته إياهم فهنا نقول : مسجدك أفضل ” انتهى مختصراً .
“شرح الكافي” (4/159) .
فالذي يظهر لنا : أنه لا حرج على صاحبك فيما فعل ، مع أن أئمة الحرمين يختارون بعناية ، ويكونون ممن يقرأون قرأه حسنة وبصوت حسن .
وأما خروج بعض المعتكفين لصلاة العشاء والقيام خارج المسجد النبوي ، فهذا لا يصح اعتكافه ، لأنه خرج من المسجد من غير ضرورة إلى ذلك .
والذي ينبغي له : إما أن يعتكف العشر الأواخر كلها في المسجد النبوي ولا يخرج إلا للضرورة وهذا هو الأفضل .
وإما أن يعتكف في المسجد الذي سيصلي فيه ، حتى ينال ثواب اعتكاف العشر الأواخر ، ويكون قد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب