على المأموم أن يتابع إمامه في المسائل الاجتهادية
السؤال: 12585
إذا صليت الوتر خلف إمام يصليه مثل المغرب تماماً ، فهل أتابعه أم ماذا أفعل ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن
تشبيه صلاة الوتر بصلاة المغرب . راجع السؤال (38230)
.
ثانياً :
اختلف العلماء إذا فعل الإمام في الصلاة ما يعتقد المأموم عدم
جوازه ، أو ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه ، هل يتابعه أم لا ؟
وقد ذكر اختلافهم ، في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ،
واختار أنه يتابعه في ذلك ما دامت المسألة من مسائل الاجتهاد .
قال رحمه الله في “الفتاوى الكبرى” (2/117) :
” وَتَنَازَعُوا فِيمَا إذَا تَرَكَ الإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ
الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ , مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ
وَالْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا , أَوْ يَمَسَّ ذَكَرَهُ وَلا يَتَوَضَّأَ ,
وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ , أَوْ يُصَلِّي فِي جُلُودِ
الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغَةِ , وَالْمَأْمُومُ يَرَى أَنَّ الدِّبَاغَ لا يُطَهِّرُ
, أَوْ يَحْتَجِمَ وَلا يَتَوَضَّأُ وَالْمَأْمُومُ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ
الْحِجَامَةِ . وَالصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ صَلاةَ الْمَأْمُومِ
صَحِيحَةٌ خَلْفَ إمَامِهِ , وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ مُخْطِئًا فِي نَفْسِ الأَمْرِ
: لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ :
( يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا
فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ ) . وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَدَى الْمَأْمُومُ بِمَنْ يَقْنُتُ
فِي الْفَجْرِ , أَوْ الْوِتْرِ , قَنَتَ مَعَهُ . سَوَاءٌ قَنَتَ قَبْلَ
الرُّكُوعِ , أَوْ بَعْدَهُ , وَإِنْ كَانَ لا يَقْنُتُ , لَمْ يَقْنُتْ مَعَهُ .
وَلَوْ كَانَ الإِمَامُ يَرَى اسْتِحْبَابَ شَيْءٍ , وَالْمَأْمُومُونَ لا
يَسْتَحِبُّونَهُ , فَتَرَكَهُ لأَجْلِ الاتِّفَاقِ وَالائْتِلافِ : كَانَ قَدْ
أَحْسَنَ . مِثَالُ ذَلِكَ الْوِتْرُ فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلاثَةَ
أَقْوَالٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ لا يَكُونُ إلا بِثَلَاثٍ مُتَّصِلَةٍ .
كَالْمَغْرِبِ : كَقَوْلِ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ . وَالثَّانِي :
أَنَّهُ لا يَكُونُ إلا رَكْعَةً مَفْصُولَةً عَمَّا قَبْلَهَا , كَقَوْلِ مَنْ
قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الأَمْرَيْنِ
جَائِزَانِ , كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا
, وَهُوَ الصَّحِيحُ . وَإِنْ كَانَ هَؤُلاءِ يَخْتَارُونَ فَصْلَهُ عَمَّا
قَبْلَهُ , فَلَوْ كَانَ الإِمَامُ يَرَى الْفَصْلَ , فَاخْتَارَ الْمَأْمُومُونَ
أَنْ يُصَلِّيَ الْوِتْرَ كَالْمَغْرِبِ فَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَأْلِيفًا
لِقُلُوبِهِمْ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ , كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
لِعَائِشَةَ : ( لَوْلا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَنَقَضْت
الْكَعْبَةَ , وَلأَلْصَقْتهَا بِالأَرْضِ ; وَلَجَعَلْت لَهَا بَابَيْنِ , بَابًا
يَدْخُلُ النَّاسُ مِنْهُ , وَبَابًا يَخْرُجُونَ مِنْهُ ) . فَتَرَكَ الأَفْضَلَ
عِنْدَهُ ; لِئَلا يَنْفِرَ النَّاسُ ” اهـ .
وقال أيضاً في “الفتاوى الكبرى” (2/320) :
” إذَا تَرَكَ الإِمَامُ مَا يَعْتَقِدُ الْمَأْمُومُ وُجُوبَهُ
. . . فَهَذَا فِيهِ قَوْلانِ : أَصَحُّهُمَا صِحَّةُ صَلاةِ الْمَأْمُومِ , وَهُوَ
مَذْهَبُ مَالِكٍ , وَأَصْرَحُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ
الْمَسَائِلِ ، وهُوَ الْمَنْصُوصُ عن الشَّافِعِيِّ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي
خَلْفَ الْمَالِكِيَّةِ الَّذِينَ لا يَقْرَءُونَ الْبَسْمَلَةَ , وَمَذْهَبُهُ
وُجُوبُ قِرَاءَتِهَا . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَغَيْرُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : ( يُصَلُّونَ
لَكُمْ فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ
وَعَلَيْهِمْ ) فَجَعَلَ خَطَأَ الإِمَامِ عَلَيْهِ دُونَ الْمَأْمُومِ . وَهَذِهِ
الْمَسَائِلُ إنْ كَانَ مَذْهَبُ الإِمَامِ فِيهَا هُوَ الصَّوَابَ فَلا نِزَاعَ ,
وَإِنْ كَانَ مُخْطِئًا فَخَطَؤُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ , وَالْمُنَازِعُ (يعني الذي يرى
أن المأموم لا يتابعه) يَقُولُ : الْمَأْمُومُ يَعْتَقِدُ بُطْلانَ صَلاةِ إمَامِهِ
. (قال شيخ الإسلام) : وَلَيْسَ كَذَلِكَ , بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّ الإِمَامَ
يُصَلِّي بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ , إنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ , وَإِنْ
أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ ” اهـ .
وقال أيضاً في “الاختيارات الفقهية” (70) :
” لَوْ فَعَلَ الإِمَامُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ عِنْدَ الْمَأْمُومِ
دُونَهُ مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الاجْتِهَادُ صَحَّتْ صَلاتُهُ خَلْفَهُ , وَهُوَ
الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ , وَقَالَ : إنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَنْقُولَةَ عَنْ
أَحْمَدَ لا تُوجِبُ اخْتِلافًا وَإِنَّمَا ظَوَاهِرُهَا أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ
يُقْطَعُ فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ تَجِبُ الإِعَادَةُ , وَمَا لا يُقْطَعُ
فِيهِ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ , لا تَجِبُ الإِعَادَةُ وَهُوَ الَّذِي تَدُلُّ
عَلَيْهِ السُّنَّةُ , وَالآثَارُ , وَقِيَاسُ الأُصُولِ , وَفِي الْمَسْأَلَةِ
خِلافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ” اهـ .
فعليك متابعة الإمام ، لأن هذا من المسائل الاجتهادية التي اختلف
فيها الأئمة .
وإذا أمكن مناصحة الإمام وبيان السنة له بأدلتها فإن هذا هو
المتعين .
والله تعالى أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة