السائلة تحكي قصتها بأنها تعرضت لحادث سيارة عندما كانت صغيرة وأن والديها بذلا الغالي والنفيس في سبيل علاجها الذي امتد لعدة سنوات . بعد ذلك قام والداها بشراء بيت وكتباه باسمها . ومرت الأيام ، وفتح الله عليها وتزوجت ، وكرد للجميل اشترت بيتاً لأبويها ، وأهدته لهما . ولكن زوجها عارض الفكرة ، وظل يصر عليها بأن تجعله باسمها ففعلت . وعندما تزوجت قالت لزوجها أريد منك أن تعتبر مالي هو مالك ، وأن تبحث عن مشروع ننمي فيه رأس المال الموجود لدينا الآن شريطة أن يكون هذا المشروع بعيداً عن كل ما يتعلق بالربا ، أو المسكرات ، أو لحم الخنزير . ومرت الأيام ، وقال إنه سيفتح مطعماً للبتزا ، وأخذ مبلغا من المال ، ولكنه لم يستمع لنصيحتي وانخرط في التعامل بالأشياء المحرمة ، ففشل هذا المشروع وخسرنا كل الأموال التي وضعناها فيه .
وبدأ رأس المال يتقلص ويقل ، وقد كنا اشترينا بيتاً في وسط المدينة فبعناه ليواصل سلسلة مشاريعه الفاشلة ، حتى انتهى بنا الأمر أن نعيش في غرفة واحدة مع طفلنا الرضيع . بعد هذا كله يلومني ويقول : إنني أنا السبب في كل هذا لأنني لم أف بوعدي له ، ولم أعطه كامل الصلاحية في التصرف .
جاء ذات مرة وقال : إنه يريد أن يفتح مشروعا جديدا ، وطلب مني أن أختلق قصة وأخبر والدي أن يقرضه بعض المال ، فرفضت فذهب هو وفعلاً حصل على بعض المال من والدي ، بعد ذلك أصبحت معاملته لي سيئة جدا لأنني رفضت أن أذهب أنا إلى والدي . ثم بعد فترة قال لماذا لا نطلب من والدي أن يرهن البيت الذي كنت قد أعطيته له هو ووالدتي ، فرفضت ولكنه هددني بالطلاق وأصر على أن أخبرهم ، ففعلت فوجدت موافقة من قبل والدتي لكن أبي رفض وهدد أن يطلق والدتي لو تحدثت إليه مرة أخرى بخصوص هذا الموضوع ، وقال إن زوجي رجل عديم المسؤولية وأنه يتلاعب بالأموال ولا يستحق أن يوثق فيه البتة .
وكردة فعل من قبل زوجي ازدادت المعاملة السيئة سوءا إلى سوء ، وكثيرا ما يهددني بالطلاق وأن يحرمني من ابني ، بل أصبح يهدد أنه سيؤذي والدي ، وسيربي ولدنا على كرهه ، وأشياء من هذا القبيل .
بعض الناس يقول إن هذا كلام ، وإنه لن يفعل شيئا مما يقول ، ولكني أعرفه جيدا ؛ فقد يفعل أي مكروه لوالدي في أي لحظة .
فما هي نصيحتكم ؛ هل أخضع لرغبته ، وأضغط على والدي برهن البيت – والذي يعتبر آخر ما نملك – لإعطاء زوجي ما يريده من المال ؟ أم ما هو الحل الأنسب ؟ ولا تنسوني من خالص دعائكم .
زوجها أخذ مالها وضيعه ويهددها بالطلاق ليأخذ المزيد
السؤال: 126899
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
يظهر من خلال ما ذكرته السائلة أن زوجها لا يحسن التصرف في المال ، ولا برعوي عن أخذ ما وصلت إليه يداه ، ومثل هذا لا ينبغي للزوجة أن تعطيه شيئا من مالها ولا من مال والدها ، ولا الإذعان لتهديده . والتجارب التي مرت معه كفيلة بمعرفة مدى جديته ومصداقيته وأمانته ، بل الأدهى من ذلك : دينه ، ومراعاة أمر ربه في تصريف المال .
والحل الأنسب أن تعامله المعاملة الحسنة ، وأن تنصحه بتقوى الله تعالى ، والبحث عن طرق الكسب المشروعة ، بعيدا عن التطلع إلى أموال الآخرين ، فهو مسئول عن توفير النفقة لها ولطفلها ، ومطالب بالعمل المشروع لتحقيق ذلك .
وبعض الأزواج – للأسف – لا يقدر المسئولية ، ولا يقف طمعه عند حد ، فإذا كان للزوجة مال لم يتورع عن إنفاقه وإهداره ، وهذا من سوء الخلق ، وضعف الدين ، ولهذا لا ينبغي أن يعان ولا أن يشجع على ذلك . والمرأة لها ذمتها المالية المستقلة ، ولا يلزمها أن تعطي زوجها شيئا من مالها ، ولها أن تستثمر مالها بما يعود بالنفع عليها ، ولها أن تعطي من مالها لوالديها ولو لم يأذن زوجها .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” ما حكم الشرع ـ في نظرك ـ فيمن يضرب زوجته ، ويأخذ منها مالها بالقوة ، ويعاملها معاملة سيئة ؟ ” .
فأجاب ، رحمه الله :
” هذا الذي يضرب زوجته ويأخذ مالها ويعاملها معاملة سيئة : آثم عاصٍ لله عز وجل ؛ لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النِّسَاء/19، وقوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ البَقَرَة/ 228 .
ولا يجوز لأحد أن يعامل امرأته هذه المعاملة السيئة ، ثم يذهب ليطالبها أن تعامله معاملة حسنة ، فإن هذا من الجور الداخل في قوله تعالى : وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ *الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * المطففين /1-3 ؛ فكل إنسان استوفى حقه من الناس كاملاً ، ثم لا يعطي الناس حقوقهم كاملة فإنه : داخل في هذه الآيات الكريمة .
والذي أنصح به هذا وأمثاله : أن يتقيَ الله عز وجل في النساء ، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في عرفة ، عام حجة الوداع ؛ حيث قال : “فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ” [ رواه مسلم (1218) . وأقول له ولأمثاله : إنه لا يمكن أن تكون الحياة سعيدة إلا إذا تعامل الزوجان ، كل منهما مع الآخر ، بالعدل والإحسان ، والغض عن المساوىء ، ومشاهدة المحاسن . قال النبي عليه الصلاة والسلام : ” لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ” رواه مسلم (1469) . ”
فتاوى علماء البلد الحرام (487) .
ومن الممكن ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تستعيني عليه ببعض الناصحين من أهل الدين والأمانة ، ينصحونه بما يجب عليه من عشرة أهله بالمعروف ، وعدم التطلع لأموال الناس ، ومساعدته على الحصول على العمل المناسب لحاله .
فإن لم ينته ، وبقي على تهديده ، فلا نرى لك أن تذعني لشيء من تهديده ، ولا أن تطميعه فيما بقي لك من مال ؛ فإن مثل هذا لا يؤمن أن يضيع ما بقي ، ثم يعود إلى نفس الكرة من جديد ، بل ستكون المشكلة أعقد : إذا أضاع بيتك ، وبيت أهلك ، فسيكون تلاعبه بكم ، وتحكمه فيكم أكثر .
واستعيني بربك ، واصبري ، والجئي إليه ، وأكثري من الدعاء لزوجك بالهداية وصلاح الحال .
واعلمي أن الله أقدر منه ، وأجل وأعلى ، وأن مقاليد الأمور بيده سبحانه .
وننصحك بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم :
عن أنس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ ) .
رواه البخاري (6369) ومسلم (2706) .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب