هاشمية من آل البيت تشعر بتميزها عن الناس وتعاملهم بما لا يليق !
السؤال: 127248
أنا عندي مشكلة وهي : أنا هاشمية ، ويرجع نسبي إلى ” جعفر الطيار ” ، وعندما أذهب إلى أناس ليسوا من آل البيت ، أو يقوم أحد بخطبتي ليس من آل البيت : أحس أنهم أقل منِّي ، وما أقدر أتحدث إليهم ، وإذا يوجد مجلس : أخرج منه ، ولكن والدي ، ومن حولي من أهلي ينصحوني ، هل هذا الشيء يعد تفاخراً ، وجاهلية ، ولكن الله قال في كتابه العزيز ( وجعلناكم شعوبا وقبائل ) ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
اعلمي ـ يا أمة الله ـ أن أصل الناس جميعاً واحد ، وكل خلق الله من البشر فأبوهم
آدم ، وأمهم حواء ، وقد ذكَّرنا الله تعالى بهذا في مواضع من كتابه ، وكذا جاء ذلك
في السنَّة النبوية ، ومن الحكَم في ذلك : ترك التفاخر بالأنساب ، والتطاول على
الناس ، وازدراؤهم .
وما
جعل الله تعالى الناس شعوباً وقبائل إلا لأجل أن يعرف بعضهم بعضاً بتميز القبيلة
والجنس ، كالتميز بالاسم ، لا لأجل التفاخر بعربيته ، أو بقبيلته ، أو بجنسه ، أو
بلغته .
وكون الإنسان هاشميّاً لا يرفعه عند ربه تعالى ، وليس هو مجال المفاضلة بين الناس ؛
لأن نسب الإنسان وهبي من الله ليس كسبيّاً ، والكافر من بني هاشم سيكون حطب جهنم ،
والعبد الأعجمي المسلم قد يكون مأواه الفردوس الأعلى .
وقد
جمع الله تعالى تلك الأشياء الثلاثة في سياق واحد ، وآية واحدة ، هي نفس الآية التي
وردت في سؤالك ، لكن يبدو أنك لم تتأمليها بما يكفي لفهمها .
قال
تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ
اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات/ 13 .
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – رحمه الله – :
” لمَّا كان قوله تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى ) يدل على
استواء الناس في الأصل ؛ لأن أباهم واحد ، وأمهم واحدة ، وكان في ذلك أكبر زاجر عن
التفاخر بالأنساب ، وتطاول بعض الناس على بعض : بيَّن تعالى أنه جعلهم شعوباً ،
وقبائل لأجل أن يتعارفوا ، أي : يعرف بعضُهم بعضاً ، ويتميز بعضهم عن بعض ، لا لأجل
أن يفتخر بعضهم على بعض ، ويتطاول عليه ، وذلك يدل على أن كون بعضهم أفضل من بعض ،
وأكرم منه : إنما يكون بسبب آخر غير الأنساب
،
وقد بيَّن الله ذلك هنا بقوله : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )
فاتضح من هذا : أن الفضل ، والكرم ، إنما هو بتقوى الله ، لا بغيره من الانتساب إلى
القبائل ، ولقد صدق من قال :
فقد رفع الإسلام سلمان فارس *** وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب
وقد ذكروا أن سلمان رضي الله عنه كان يقول :
أبي
الإسلام لا أب لي سواه *** إذا افتخروا بقيس أو تميم
وهذه الآيات القرآنية ، تدل على أن دين الإسلام سماوي صحيح ، لا نظر فيه إلى
الألوان ، ولا إلى العناصر ، ولا إلى الجهات ، وإنما المعتبر فيه : تقوى الله جل
وعلا ، وطاعته ، فأكرم الناس ، وأفضلهم : أتقاهم لله ، ولا كرم ، ولا فضل لغير
المتقي ، ولو كان رفيع النسب ” انتهى
.
”
أضواء البيان ” ( 7 / 417 ، 418 ) .
ثانياً :
ولا
يشك مسلم أن الله تعالى قد فضَّل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بفضائل متعددة ،
وأوجب علينا محبتهم ، ورعايتهم ، لكن ننبه على أن ذلك للمؤمن منهم ، لا لكل منتسب
إليهم ، وأن هذه الفضائل لا تدعو للتفاخر ، بل تدعو لشكر المنعِم عز وجل ، واحترام
الآخرين ، وتقدير تلك المحبة والرعاية منهم .
وفي جواب السؤال رقم (121948)
بينَّا تلك الفضائل لآل البيت ، فلتنظر .
ولما كان الفخر بالأنساب من كبائر الذنوب : وجب عليك التنبه لنفسك في موقفك مع
الآخرين ، وطريقة تعاملك معهم ، وقد ورد النهي عن التفاخر بالأنساب في أحاديث كثيرة
:
1.
منها : حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: (
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَل قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ
وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ ، مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ ، أَنْتُمْ بَنُو
آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ، لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ ،
إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ ، أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى
اللَّهِ مِنَ الْجِعْلاَنِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ ) رواه الترمذي
( 3270 ) ، وأبو داود ( 5116 ) وحسَّنه الألباني في ” صحيح الترمذي ” .
والعبية – بضم العين وكسرها – : الكبر والفخر ، الجِعلان : دويبة سوداء ، كالخنفساء
تدير الخراء بأنفها .
قال المباركفوري – رحمه الله – :
” قال الخطَّابي : معناه : أن الناس رجلان : مؤمن تقي فهو الخيِّر الفاضل ، وإن لم
يكن حسيباً في قومه ، وفاجر شقي فهو الدني وإن كان في أهله شريفاً رفيعاً . انتهى
.
وقيل : معناه أن المفتخر إما مؤمن تقي ، فإذن لا ينبغي له أن يتكبر على أحد ، أو
فاجر شقي فهو ذليل عند الله ، والذليل لا يستحق التكبر ، فالتكبر منفي بكل حال ”
انتهى نقلاً من ” تحفة الأحوذي ” ( 10 / 317 ) .
2. ومنها : حديث أبي مالك الأشعري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال : ( أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لاَ يَتْرُكُونَهُنَّ :
الْفَخْرُ فِي الأَْحْسَابِ ، وَالطَّعْنُ فِي الأَْنْسَابِ ، وَالاِسْتِسْقَاءُ
بِالنُّجُومِ ، وَالنِّيَاحَةُ ) رواه مسلم ( 934 ) .
قال عبد الرؤوف المناوي – رحمه الله – :
”
( أربع ) أي خصال أربع كائنة .
( في أمتي من أمر الجاهلية ) أي : من أفعال أهلها .
( الفخر في الأحساب ) أي : الشرف بالآباء ، والتعاظم بمناقبهم .
( والطعن في الأنساب ) أي : الوقوع فيها بنحو قدح ، أو ذم .
( والاستسقاء بالنجوم ) أي : اعتقاد أن نزول المطر بنجم كذا .
( والنياحة ) أي : رفع الصوت بندب الميت ، وتعديد شمائله .
فالأربع : محرَّمات ، ومع ذلك لا تتركها هذه الأمة ، أي : أكثرهم ، مع العلم
بتحريمها ” انتهى .
” التيسير بشرح الجامع الصغير ” ( 1 / 273 ) .
فأعيدي النظر في طريقة تعاملك مع الناس
، ولا يحل لك ازدراء أحد من الناس ، وما أنتِ فيه من نعمة من انتسابك لأهل البيت
ليس لك فيه كسب ، وإنما الفضل الحقيقي بما تعملينه ، وتكسبينه من الصالحات :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ ، لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ ) رواه
مسلم (2699) .
قال النووي رحمه الله :
” مَعْنَاهُ : مَنْ كَانَ عَمَله نَاقِصًا , لَمْ يُلْحِقهُ بِمَرْتَبَةِ أَصْحَاب
الْأَعْمَال , فَيَنْبَغِي أَلَّا يَتَّكِل عَلَى شَرَف النَّسَب , وَفَضِيلَة
الْآبَاء , وَيُقَصِّر فِي الْعَمَل ” انتهى من شرح صحيح مسلم .
وإن بقيتِ على حالك هذه : صارت تلك النعمة نقمة ، وخسرتِ أشياء كثيرة ، فتضيع عليك
حسناتك ، وتأخذين سيئات غيرك ، وهذا هو عين الإفلاس :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا
يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا
، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ؛ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا
يَحْقِرُهُ ؛ التَّقْوَى هَاهُنَا ـ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
ـ . بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ ،
كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) .
وليكن قدوتك سيد آل البيت جميعاً ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف كان يعامل
الكبار ، وكيف كان رحيماً بالصغار ، وكيف كان يصبر على الأعراب ، ويقدِّم العجمي –
كسلمان الفارسي لدينه – وليس في منهج حياته اعتبار لنسبه في تعامله مع الآخرين ،
وهذه حياته بين يديك ، قلبي صفحاتها ، وتأملي معانيها ، واستغرقي في أحوالها : فلن
تجدي حرفاً منها يماثل ، ولا يقارب ما أنت عليه من حال .
نسأل الله أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن ييسر أمرك ، ويهدي قلبك .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة