الذي يتمنى الشهادة : هل ينال كرامة الشهيد ؟!
السؤال: 127714
هل الذي يتمنى الشهادة بصدق ولم ينلها يعطى كرامات شهيد الحرب ، كالتشفيع ، وتزويجه 72 من الحور العين ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
في
هذه المسألة التفصيل الآتي :
1-
من
كان يجاهد في سبيل الله صادقا محتسبا ، ويشارك في قتال الأعداء ، ويرجو مِن الله أن
يكتب له الشهادة ، ولكن مع ذلك لم ينلها حقيقة ، فمثله يكتب الله له أجر الشهيد
كاملا غير منقوص .
2-
ومن
اتخذ الأسباب التي يملكها لنيل الشهادة ، وسعى للمشاركة في الجهاد في سبيل الله،
وسبق ذلك عزيمةٌ صادقةٌ ، وسأل الله بإخلاص أن يكتب له هذه المرتبة ، غير أنه حيل
بينه وبين المشاركة الفعلية في الجهاد : فهذا يكتب الله له أجر الشهيد ، ويعطيه مِن
سعة فضله سبحانه ما يبلغ به أجر الشهداء .
3-
وأما من نوى الجهاد في سبيل الله نية مجردة عن اتخاذ الأسباب والسعي التام لنيل
الشهادة، فهذا له أجر نيته فقط ، وليس له أجر الشهيد الذي قُتل في المعركة .
وقد
ورد في السنة ما يدل على ما ذكرناه من أن من عزم على الجهاد عزما صادقا ، وطلب
الشهادة ، أعطي كرامتها :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيَهَا
وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ
) رواه مسلم (1908)،
وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ سَأَلَ
اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ
مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ ) رواه مسلم (1909)
وعن
معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(
َمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ )
رواه أبو داود (2541) والترمذي (1653) وقال حسن صحيح . وصححه ابن دقيق العيد في ”
الاقتراح ” (ص/123) والألباني في ” صحيح أبي داود “.
يقول الإمام النووي رحمه الله :
”
معنى الرواية الأولى مفسَّرٌ من الرواية الثانية ، ومعناهما جميعا أنه إذا سأل
الشهادة بصدق أعطي من ثواب الشهداء وإن كان على فراشه ، وفيه استحباب سؤال الشهادة
واستحباب نية الخير ” انتهى. ” شرح مسلم ” (13/55)
وقد
أخرج الحديث ابن حبان في ” صحيحه ” (7/464) وبوب عليه بقوله :
”
ذكر تفضل الله جل وعلا على سائله الشهادة من قلبه بإعطائه أجر الشهيد وإن مات على
فراشه ” انتهى.
يقول ابن القيم رحمه الله :
”
بل هذا النوع منقسم إلى :
1-
معذور من أهل الجهاد ، غلبه عذره ، وأقعده عنه ، ونيته جازمة لم يتخلف عنها مقدورها
، وإنما أقعده العجز ، فهذا الذي تقتضيه أدلة الشرع أن له مثل أجر المجاهد ،
وهذا القسم لا يتناوله الحكم بنفي التسوية ، وهذا لأن قاعدة الشريعة أن العزم التام
إذا اقترن به ما يمكن من الفعل أو مقدمات الفعل نزل صاحبه في الثواب والعقاب
منزلة الفاعل التام ، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا تواجه
المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار . قالوا : هذا القاتل ، فما بال
المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه )
وفي
الترمذي ومسند الإمام أحمد من حديث أبى كبشة الأنماري عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : ( إنما الدنيا لأربعة نفر : عبد رزقه الله مالاً وعلماً ، فهو يتقي في
ماله ربه ويصل به رحمه ، ويعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأحسن المنازل ، وعبد رزقه الله
علماً ولم يرزقه مالاً ، فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان ، فهو
بنيته ، وهما في الأجر سواءٌ ، وعبد رزقه الله مالاً ولم يرزقه علماً ، فهو لا يتقى
في ماله ربه ، ولا يصل به رحمه ، ولا يعلم لله فيه حقاً ، فهذا بأسوأ المنازل عند
الله ، وعبد لم يرزقه الله مالاً ولا علماً فهو يقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل
فلان ، فهو بنيته ، وهما في الوزر سواءٌ )
فأخبر صلى الله عليه وسلم أن وزر الفاعل والناوي الذي ليس مقدوره إلا بقوله دون
فعله سواءٌ ؛ لأنه أتى بالنية ومقدورِه التام ، وكذلك أجر الفاعل والناوي الذي
اقترن قوله بنيته. وكذلك المقتول الذي سل السيف وأراد به قتل أخيه المسلم فقتل ،
نزل منزلة القاتل لنيته التامة التي اقترن بها مقدورها من السعي والحركة .
ومثل هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ( من دل على خير فله مثل أجر فاعله ) ، فإن
بدلالته ونيته نزل منزلة الفاعل .
ومثل هذا من كان له وِردٌ يُصَلِّيه من الليل فنام ، ومن نيته أن يقوم إليه فغلب
عينه نوم كتب له أجر ورده ، وكان نومه عليه صدقة ، ومثله المريض والمسافر إذا كان
له عمل يعمله فشغل عنه بالمرض والسفر كتب له مثل عمله وهو صحيح مقيم ، ومثله : ( من
سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداءِ ولو مات على فراشه ) ونظائر ذلك
كثيرة.
2-
والقسم الثاني : معذور ليس من نيته الجهاد ، ولا هو عازم عليه عزماً تاماً ، فهذا
لا يستوي هو والمجاهد في سبيل الله ، بل قد فضَّل الله المجاهدين
عليه وإن كان معذوراً ؛ لأنه لا نية له تلحقه بالفاعل التام كنية أصحاب القسم الأول
” انتهى
من” طريق الهجرتين ” (ص/359)
فالخلاصة أن من نوى الجهاد ، وسعى إليه ، وبذل أسبابه ، وسأل الله الشهادة بصدق ،
كتب الله له أجر شهيد
.
ثانيا :
ومع
ذلك ننبه هنا إلى أنه ليس المقصود أن الله يكتب لمن سأل الشهادة بصدق جميع ما
للشهيد الذي قتل في المعركة من الأجر والكرامة ؛ وإنما يكتب له قدر أجر الشهادة
مجردة عن كل أجور الأعمال المقترنة بالعمل الجهادي من تعب ونصب وجراح وبذل مال ونحو
ذلك ، فالشهيد وسائل الشهادة بصدق يستويان في أصل الأجر وليس في نوعه ومتعلقاته .
يقول الإمام النووي رحمه الله :
” واعلم أن الشهيد ثلاثة أقسام : أحدها : المقتول في حرب بسبب من أسباب
القتال ، فهذا له حكم الشهداء في ثواب الآخرة وفي أحكام الدنيا ، وهو أنه لا يغسَّل
ولا يصلَّى عليه .
والثاني : شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا ، وهو المبطون , والمطعون , وصاحب الهدم
, ومن قتل دون ماله , وغيرهم ممن جاءت الأحاديث الصحيحة بتسميته شهيداً ، فهذا
يغسَّل ويصلَّى عليه وله في الآخرة ثواب الشهداء , ولا يلزم أن يكون مثل ثواب
الأول .
والثالث : من غل في الغنيمة ، وشبهه ممن وردت الآثار بنفي تسميته شهيداً ، إذا قتل
في حرب الكفار ، فهذا له حكم الشهداء في الدنيا فلا يغسل , ولا يصلَّى عليه , وليس
له ثوابهم الكامل في الآخرة ” انتهى.
” شرح مسلم ” (2/164)
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
والذي يظهر أن المذكورين – في الشهداء خمسة وغيرهم – ليسوا في المرتبة سواء ، ويدل
عليه ما روى أحمد وابن حبان في صحيحه من حديث جابر ، والدارمي وأحمد والطحاوي من
حديث عبد الله بن جحش ، وابن ماجه من حديث عمرو بن عتبة : أن النبي صلى الله عليه
وسلم ، سئل أي الجهاد أفضل ؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه .
وروى الحسن بن علي الحلواني في ( كتاب المعرفة ) له بإسناد حسن من حديث ابن أبي
طالب قال : ” كل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد ، غير أن الشهادة تتفاضل ”
انتهى.
“فتح الباري” (6/44)
ويقول المناوي رحمه الله :
” (
وإن مات على فراشه ) لأن كلا منهما نوى خيرا وفعل ما يقدر عليه ، فاستويا في أصل
الأجر ، ولا يلزم من استوائهما فيه من هذه الجهة : استواؤهما في كيفيته وتفاصيله ،
إذ الأجر على العمل ونيته يزيد على مجرد النية ، فمن نوى الحج ولا مال له يحج به
يثاب دون ثواب من باشر أعماله ، ولا ريب أن الحاصل للمقتول من ثواب الشهادة تزيد
كيفيته وصفاته على الحاصل للناوي الميت على فراشه ، وإن بلغ منزلة الشهيد ،
فهما وإن استويا في الأجر لكن الأعمال التي قام بها العامل تقتضي أثرا زائدا وقربا
خاصا ، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء ، فعلم من التقرير أنه لا حاجة لتأويل البعض
وتكلفه بتقدير “مِنْ” بَعد قوله : ( بلغه الله ) ، فأعط ألفاظ الرسول صلى الله عليه
وسلم حقها ، وأنزلها منازلها ، يتبين لك المراد ” انتهى.
”
فيض القدير ” (6/186)
وبناء عليه فالفضل الوارد في حديث الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(
لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ،
وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ،
وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ
الْوَقَارِ ، الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ،
وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ ،
وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)
رواه الترمذي (حديث رقم/1663) وقال : حسن صحيح غريب .
يظهر أن هذه الفضائل إنما تكتب لشهيد المعركة
، بدليل قوله : ( يغفر له في أول دفعة )، يعني من دمه ، فنال هذه الخصال الستة بسبب
ما أريق من دمه في سبيل الله ، فلا ينال هذه الخصال غيره وإن نال أجر الشهادة
الأصلي .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟