هل أُغلق باب الاجتهاد؟
السؤال: 128024
هل ما زال باب الاجتهاد مفتوحاً ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
”
الاجتهاد لغة : مأخوذ من الجَهد ، وهو المشقة ، أو الوسع ، أو الطاقة .
وأما الاجتهاد عند علماء الفقه ، أو الأصول : فقد عرَّفوه بتعاريف متقاربة في
ألفاظها ، ومعانيها ، وكلها تدور حول بذل الجَهد ، والطاقة لمعرفة الحكم الشرعي من
دليله .
وأدق ما قيل في تعريفه : “إن الاجتهاد هو : بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي
ظنِّي” انتهى .
”
الموسوعة الفقهية ” ( 1 / 18 ، 19 ) .
ولم
تزل الأمة تمر عليها النوازل ، ويحتاج المسلمون إلى معرفة حكم الله تعالى فيها ،
ولا يتم ذلك إلا بالاجتهاد في النظر في الأدلة الشرعية لمعرفة الحكم الشرعي لها .
وقد
اجتهد الصحابة رضي الله عنهم في معرفة الأحكام الشرعية ، واجتهد التابعون ومن بعدهم
العلماء ونُقلت إلينا اجتهاداتهم .
وفي
أوائل القرن السادس ظهرت الدعوة إلى غلق باب الاجتهاد ، وكان من أسباب ذلك : التعصب
الذي وُجد في تلك العصور لمذاهب الأئمة ، حتى قال البعض بالمنع من الخروج عن أقوال
الأئمة المدونة في كتبهم وكتب أتباعهم ، فأطلقوا تلك الدعوى (غلق باب الاجتهاد) حتى
يقطعوا الطريق أمام من يجتهد في فهم النصوص ويستنبط أحكاماً تخالف ما قاله الأئمة
السابقون .
ومما لا شك فيه أن هذه الدعوى غير صحيحة ، فهناك الكثير والكثير من المسائل
المستجدات يحتاج الناس إلى بيان حكم الله تعالى فيها ، ولم يتكلم فيها الأئمة
السابقون ، لأنها لم تكن موجودة في زمنهم .
فالقول بإغلاق باب الاجتهاد يعني أن يبقى المسلمون لا يعلمون حكم الله في وقائع
كثيرة ومسائل كثيرة .
ثم
القائل بغلق باب الاجتهاد إنما قال هذا القول اجتهاداً منه ، لم يقل به الأئمة
السابقون ، فكيف يسمح لنفسه بالاجتهاد ويجعل هذا آخر اجتهاد يُقبل من المسلمين ،
ويعلن إغلاق الباب بعد اجتهاده هذا ؟!
وقد
ذهب آخرون إلى هذه الدعوة “غلق باب الاجتهاد” لما رأوه من جراءة البعض على الأحكام
الشرعية ، وصاروا يتلاعبون بالنصوص والأحكام بدعوى الاجتهاد .
ولكن الموقف الصحيح تجاه هؤلاء : أن يُبين خطؤهم وتلاعبهم ، ويُكشف تزويرهم وكذبهم
، لا أن يُغلق باب الاجتهاد .
وقد
وضع العلماء شروطاً وضوابط للاجتهاد حتى يكون مقبولاً ، وهذه الشروط تضمن له ألا
يتحول الاجتهاد إلى التلاعب بالنصوص ، فليست المسألة فوضى ، يقول مَنْ شاء ما شاء ،
بل هناك شروط للاجتهاد ، يجب على المجتهد التقييد بها ، وإلا كان اجتهاده نوعاً من
التلاعب والعبث .
جاء
في ” الموسوعة الفقهية ” ( 1 / 42 ، 43 ) :
“والذي نَدين الله عليه : أنه لا بد أن يكون في الأمة علماء متخصصون ، على علمٍ
بكتاب الله ، وسنَّة رسوله ، ومواطن الإجماع ، وفتاوى الصحابة ، والتابعين ، ومن
جاء بعدهم ، كما ينبغي أن يكونوا على خبرة تامة باللغة العربية التي نزل بها القرآن
الكريم ، ودونت بها السنَّة النبوية ، وأن يكونوا قبل ذلك وبعد ذلك على الصراط
المستقيم ، لا يخشون في الله لومة لائم ، لترجع إليهم الأمة فيما نزل بها من أحداث
، وما يجدّ من نوازل ، وألا يُفتح باب الاجتهاد على مصراعيه ، فيلج فيه من لا يحسن
قراءة آية من كتاب الله في المصحف ، كما لا يُحسن أن يجمع بين أشتات الموضوع ،
ويرجح بعضها على بعض .
والذين أفتوا بإقفال باب الاجتهاد إنما نزعوا عن خوفٍ من أن يدَّعي الاجتهاد أمثال
هؤلاء ، وأن يفتري على الله الكذب ، فيقولون هذا حلال وهذا حرام ، من غير دليل ولا
برهان ، وإنما يقولون ذلك إرضاء للحكام ، ولقد رأينا بعض من يدَّعي الاجتهاد يتوهم
أن القول بكذا وكذا فيه ترضية لهؤلاء السادة ، فيسبقونهم بالقول ، ويعتمد هؤلاء
الحكام على آراء هؤلاء المدعين ، فقد رأينا في عصرنا هذا من أفتى بحل الربا
الاستغلالي دون الاستهلاكي ، بل منهم من قال بحله مطلقاً ؛ لأن المصلحة – في
زعمه – توجب الأخذ به ، ومنهم مَن أفتى بجواز الإجهاض ابتغاء تحديد النسل ،
لأن بعض الحكام يرى هذا الرأي ، ويسميه ” تنظيم الأسرة ” ، ومنهم من يرى أن
إقامة الحدود لا تثبت إلا على من اعتاد الجريمة الموجبة للحدِّ ، ومنهم …
ومنهم … فأمثال هؤلاء هم الذين حملوا أهل الورع من العلماء على القول بإقفال باب
الاجتهاد .
ولكنا نقول : إن القول بحرمة الاجتهاد وإقفال بابه جملة وتفصيلاً لا يتفق مع
الشريعة نصّاً وروحاً ، وإنما القولة الصحيحة هي إباحته ، بل وجوبه على من توفرت
فيه شروطه ؛ لأن الأمَّة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدَّ من أحداث لم
تقع في العصور القديمة” انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
هل
يعتبر باب الاجتهاد في الأحكام الإسلامية مفتوحاً لكل إنسان ، أو أن هناك شروطاً لا
بد أن تتوفر في المجتهد ؟ وهل يجوز لأي إنسان أن يفتي برأيه ، دون معرفته بالدليل
الواضح ؟ فأجابوا :
“باب الاجتهاد في معرفة الأحكام الشرعية لا يزال مفتوحاً لمن كان أهلاً لذلك ، بأن
يكون عالماً بما يحتاجه في مسألته التي يجتهد فيها ، من الآيات والأحاديث ، قادراً
على فهمهما ، والاستدلال بهما على مطلوبه ، وعالماً بدرجة ما يستدل به من الأحاديث
، وبمواضع الإجماع في المسائل التي يبحثها حتى لا يخرج على إجماع المسلمين في حكمه
فيها ، عارفاً من اللغة العربية القدر الذي يتمكن به من فهم النصوص ؛ ليتأتَّى له
الاستدلال بها ، والاستنباط منها ، وليس للإنسان أن يقول في الدين برأيه ، أو يُفتي
الناس بغير علم ، بل عليه أن يسترشد بالدليل الشرعي ، ثم بأقوال أهل العلم ، ونظرهم
في الأدلة ، وطريقتهم في الاستدلال بها ، والاستنباط ، ثم يتكلم ، أو يفتي بما
اقتنع به ، ورضيه لنفسه ديناً” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
”
فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 5 / 17 ، 18 ) .
وذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في كتابه “الأصول من علم الأصول” شروط
الاجتهاد ، فقال : “للاجتهاد شروط منها :
1-
أن
يعلم من الأدلة الشرعية ما يحتاج إليه في اجتهاده كآيات الأحكام وأحاديثها .
2-
أن
يعرف ما يتعلق بصحة الحديث وضعفه ، كمعرفة الإسناد ورجاله ، وغير ذلك .
3-
أن
يعرف الناسخ والمنسوخ ومواقع الإجماع حتى لا يحكم بمنسوخ أو مخالف للإجماع .
4-
أن
يعرف من الأدلة ما يختلف به الحكم من تخصيص ، أو تقييد ، أو نحوه حتى لا يحكم بما
يخالف ذلك .
5-
أن
يعرف من اللغة وأصول الفقه ما يتعلق بدلالات الألفاظ ، كالعام والخاص والمطلق
والمقيد والمجمل والمبين ، ونحو ذلك ؛ ليحكم بما تقتضيه تلك الدلالات .
6-
أن
يكون عنده قدرة يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها” انتهى .
“الأصول من علم الأصول” (ص 85 ، 86) .
وبهذه الشروط يكون الاجتهاد منضبطاً ، بعيداً عن التلاعب والهوى .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟