هل يجوز شراء المحل بالإكراه بعد بيعه؟
السؤال: 128438
أخي عنده محل تصليح أحذية مند 12 سنة في طرابلس ، وقد اصطحب معه عاملا مصريا من منطقة الخمس منذ ذلك الوقت , خلال العمل اشترط على العامل ، إن طال الزمن أو قصر وتركت العمل ، ألا تعمل في هذه المنطقة مع أحد غيري ، ولا تقوم بفتح محل لحسابك الخاص ؛ بمعنى أنه لا بأس من العمل مع احد من أفراد عائلتي .
وبعد فترة سافر العامل المصري وعاد لليبيا ، ووجد المحل فيه عامل آخر ، وأنا فتحت محلا لنفسي ، وليشتغل فيه هذا العامل بحكم العشرة الطويلة التي بيننا ، وعندما جهزت المحل ظل المحل مغلقا 20 يوما ، لأن هذا العامل أخلف وعده معي ، وبدأ يشتغل في مكان أخر خارج المنطقة ، ومرة أخرى بعث هو شخص ليتوسط بيننا ويقول إنه سيأتي ، وأخلف بوعده مرة أخرى, ومرت ثلاثة سنين واضطررت لبيع المحل فبعته لذلك العامل ، وهذا المحل في نفس المنطقة التي فيها محل أخي . وبعدها جاءني أخي وقال لي كيف تملك المحل لهذا الشخص وقد أخلف بوعوده معنا ، وأخي عازم على أن يخرج العامل من المحل بأن نشتري المحل أنا أو هو.
فما الحكم في هذا الشراء ، هل هو جائز أم لا ؟ وإذا كان شراء المحل بالإكراه من العامل فهل في ذلك سبب لقطع رزق العامل ؟ أفيدونا رعاكم الله وأرضاكم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
اشتراط أخيك على العامل : إن طال الزمن أو قصر وترك العمل ، ألا يعمل في هذه
المنطقة مع أحد غيره ، ولا يقوم بفتح محل لحسابه الخاص شرط فاسد ، لا يجوز له
اشتراطه عليه ، كما لا يجوز للعامل أن يوافق عليه ، وهو يعلم أنه لن يفي به في
العادة ، ولو قدر أنه اضطر لقبول هذا الشرط ، في وقت ما ، فلا يلزمه الوفاء به .
روى
البخاري (2168) ومسلم (1504) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ :
جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ : كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ، فِي
كُلِّ عَامٍ أوَقِيَّةٌ ، فَأَعِينِينِي . فَقُلْتُ : إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ
أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي ، فَعَلْتُ ؟
فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا ، فَقَالَتْ لَهُمْ ، فَأَبَوْا ذَلِكَ
عَلَيْهَا .
فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
جَالِسٌ ، فَقَالَتْ : إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلَّا
أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ .
فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ :
(
خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ ؛ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
. ) .
فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ :
(
أَمَّا بَعْدُ ؛ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ
اللَّهِ ؛ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ،
وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ؛ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ
أَوْثَقُ ، وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) .
وقد
ترجم الإمام النسائي رحمه الله في سننه على هذا الحديث ، فقال: ” الْبَيْعُ يَكُونُ
فِيهِ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ ” . انظر :
سنن النسائي (7/300) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
”
وَالشُّرُوطُ إنْ وَافَقَتْ كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ صَحِيحَةً ، وَإِنْ خَالَفَتْ
كِتَابَ اللَّهِ كَانَتْ بَاطِلَةً ” ، وذكر حديث عائشة ، ثم قال :
”
وَهَذَا الْكَلَامُ حُكْمُهُ ثَابِتٌ فِي الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ
. وَغَيْرِ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ” . انتهى .
“إقامة الدليل على إبطال التحليل” (3/354) .
وليس من شك في أن هذا الشرط يخالف كتاب الله
؛ فليس من حق صاحب هذا المحل أن يمنع هذا العامل من العمل كيف شاء ، في غير وقت
دوامه المتفق عليه بينهما ؛ فضلا عن أن يمنعه من العمل في المنطقة بعد ترك هذا
المحل ، وانتهاء علاقة الإجارة بينهما ؛ وهذا أمعن في ظلم هذا العامل والعدوان على
حقه .
ثانيا
:
حيث
إن بيع المحل للعامل قد حصل عن تراض منكما ، فلا يجوز إخراجه منه ، أو إكراهه على
ذلك ؛ لأنه قد ملك العين بالشراء ملكا صحيحا ، فلا يجوز نزع ملكيته بالإكراه .
قال
الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ
بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) النساء/29 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اسْمَعُوا مِنِّى تَعِيشُوا ؛ أَلاَ لاَ
تَظْلِمُوا ، أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا ، أَلاَ لاَ تَظْلِمُوا ؛ إِنَّهُ لاَ يَحِلُّ
مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) .
رواه الإمام أحمد (19774) وصححه الألباني .
ثالثا :
ليس
من شك في أن رزق كل إنسان مقدر من قبل خلقه ، وليس من شك أيضا في أن هذا الرزق
المقدر قدرت له أسبابه ، وعملكم هذا سعي في التضييق على هذا العامل ، وظلم له
بإخراجه من مكان عمله بغير حق ، فلم يكن من حقكم أن تشترطوا عليه ألا يعمل مع غيركم
، وليس من حقكم الآن أن تكرهوه على بيع المحل الذي يعمل فيه ، إذا لم يعمل معكم ،
أو لم تستطيعوا أنتم أن تديروا محلكم ، وهذا رزقه الذي كتبه الله له ، وهذا رزقكم
الذي كتبه الله لكم ، وكل شيء عنده بمقدار ؛ فلا ينبغي لكم أن تحسدوه على توفيق
الله له في عمله ، ولا أن تسعوا في التضييق عليه وظلمه .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟