0 / 0
83,25615/04/2009

هل يسري الربا في العملات الورقية كما يسري في الذهب والفضة ؟

السؤال: 129043

قرأت أحد المقالات في جريدة الاقتصادية مفاده أن قياس النقود الورقية على الذهب والفضة غير صحيح ، وأن مجموعة من العلماء مع هذا الرأي ، وأن الربا فقط في الأصناف الستة كما ورد في الحديث : أرجو التفصيل أو ذكر مرجع في المعاملات الحديثة وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.

الذي يدل عليه النظر الصحيح ، وهو الذي عليه عامة العلماء المعاصرين : أن العملات الورقية يجري فيها الربا قياساً على الذهب والفضة .

وذلك لأن الشرع حكم بجريان الربا في الذهب والفضة لأنهما أثمان الأشياء ، أي : كانا هما العملة التي يتعامل بها الناس قديماً (الدراهم والدنانير) فكانت قيم الأشياء تقدر بالذهب والفضة ، وقد حَلَّت هذه الأوراق النقدية محل الذهب والفضة في التداول ، فوجب أن يكون لها حكم الذهب والفضة .

وقد جاء عن بعض الأئمة والعلماء المتقدمين ما يؤيد هذا .

جاء في “المدونة” (3/5) :

” قُلْت : أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ قَالَ : لَا يَصْلُحُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذَا فَاسِدٌ , قَالَ لِي مَالِكٌ فِي الْفُلُوسِ : لَا خَيْرَ فِيهَا نَظِرَةً [أي : مع تأجيل القبض] بِالذَّهَبِ وَلَا بِالْوَرِقِ , وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجَازُوا بَيْنَهُمْ الْجُلُودَ حَتَّى تَكُونَ لَهَا سِكَّةٌ وَعَيْنٌ لَكَرِهْتُهَا أَنْ تُبَاعَ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ نَظِرَةً . قُلْت : أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت خَاتَمَ فِضَّةٍ أَوْ خَاتَمَ ذَهَبٍ أَوْ تِبْرَ ذَهَبٍ بِفُلُوسٍ فَافْتَرَقْنَا قَبْلَ أَنْ نَتَقَابَضَ أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ ؟ قَالَ : لَا يَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ : لَا يَجُوزُ فَلْسٌ بِفَلْسَيْنِ , وَلَا تَجُوزُ الْفُلُوسُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَا بِالدَّنَانِيرِ نَظِرَةً ” انتهى .

ومعنى هذا : أن الإمام مالك رحمه الله يرى أن الفلوس يجري فيها الربا كالذهب والفضة ، لأن الناس صاروا يتعاملون بها وصارت نقداً ، بل يرى أن الناس لو تعارفوا على جعل الجلود نقوداً يتعاملون بها لكان لها حكم الذهب والفضة ، وهذا يشبه الأوراق النقدية الآن ، فصار النقد من ورق ، والذي افترضه الإمام مالك أنه يكون من جلود .

فسبحان من وفق الإمام إلى هذا المثال !

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

“وَالْأَظْهَرُ : أَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ هُوَ الثمنية ؛ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ، لَا الْوَزْنُ …

وَالتَّعْلِيلُ بالثمنية تَعْلِيلٌ بِوَصْفٍ مُنَاسِبٍ ؛ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَثْمَانِ أَنْ تَكُونَ مِعْيَارًا لِلْأَمْوَالِ يَتَوَسَّلُ بِهَا إلَى مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِعَيْنِهَا . فَمَتَى بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ إلَى أَجَلٍ قُصِدَ بِهَا التِّجَارَةُ الَّتِي تُنَاقِضُ مَقْصُودَ الثمنية ” انتهى بتصرف يسير .

“مجموع الفتاوى” (29/471-472) .

وقال ابن القيم :

” وأما الدراهم والدنانير فقالت طائفة : العلة فيهما كونهما موزونين . وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه ومذهب أبي حنيفة . وطائفة قالت : العلة فيهما الثمنية . وهذا قول الشافعي ومالك وأحمد في الرواية الأخرى ، وهذا هو الصحيح ، بل الصواب ” انتهى .

“إعلام الموقعين” (2/156) .

وجاء في قرار “مجلس المجمع الفقهي” برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة الدورة الخامسة قرار رقم (6) :

أولاً : إنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة , وبناء على أن علة الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة .

وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة , وإن كان معدنهما هو الأصل .

وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنا , وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها , وبها تقوم الأشياء في هذا العصر , لاختفاء التعامل بالذهب والفضة , وتطمئن , النفوس بتمولها وادخارها , ويحصل الوفاء والإبراء العام بها , رغم أن قيمتها ليست في ذاتها , وإنما في أمر خارج عنها , وهو حصول الثقة بها كوسيط في التداول والتبادل , وذلك هو سر مناطها بالثمنية .

وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية , وهي متحققة في العملة الورقية , لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي يقرر أن العملة الورقية نقد قائم بذاته , له حكم النقدين من الذهب والفضة , فتجب الزكاة فيها , ويجري الربا عليها بنوعيه فضلا ونسيئة , كما يجرى ذلك في النقدين من الذهب والفضة تماما , باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسا عليهما . وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها .

ثانياً : يعتبر الورق النقدي نقدا قائما بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان , كما يعتبر الورق النقدي أجناسا مختلفة تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة . بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس , وأن الورق النقدي الأمريكي جنس , وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته , وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلا ونسيئة , كما يجري الربا بنوعية في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان” انتهى .

وجاء في توصيات وفتاوى الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي :

“أ – تأكيد ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي بجدة من أن هذه الأوراق قامت مقام الذهب والفضة في التعامل بيعا وشراء وإبراء وإصداقاً , وبها تقدر الثروات وتدفع المرتبات ولذا تأخذ كل أحكام الذهب والفضة ولا سيما وجوب التناجز [التقابض] في مبادلة بعضها ببعض وتحريم النَّسَاء [التأخير] فيها .

ب – كل عملة من العملات جنس قائم بذاته . فلا يجوز ربا الفضل فيها عند العقد أو في نهايته , سواء كانت معدنا أو ورقا إذا بيعت بمثلها , أما إذا بيعت عملة بعملة أخرى فلا يشترط في ذلك إلا التقابض .

ج – لا يجوز بيع الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بها إلا يداً بيد” انتهى .

وجاء في “أبحاث هيئة كبار العلماء” (1/85) .

” – حكمة تحريم الربا في النقدين ليست مقصورة عليهما ؛ بل تتعداهما إلى غيرهما من الأثمان كالفلوس والورق النقدي .

– علة الربا في النقدين مطلق الثمنية .

وهذا القول إحدى الروايات عن الإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة .

قال أبو بكر من أصحاب أحمد : روى ذلك عن أحمد جماعة ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله وغيرهما من محققي أهل العلم ” انتهى .

وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :

” العملة الورقية منزلة الذهب والفضة في جريان الربا في بيع بعضها ببعض ، وفي بيع الذهب والفضة بها ” انتهى .

“مجموع فتاوى ابن باز” (19/158)

والخلاصة : أن الشريعة لا تفرق بين المتماثلات ، كما أنها لا تجمع بين المختلفات المتضادات ، فلما حكمت الشريعة بجريان الربا في الذهب والفضة لأنها أثمان الأشياء ، وجب أن يتعدى هذا الحكم إلى كل ما صار ثمناً للأشياء ، كالفلوس والأوراق النقدية .

ويمكنك مراجعة كتاب :

– “فقه المعاملات الحديثة” د. عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان.

– “توظيف الأموال بين المشروع والممنوع” د. عبد الله بن محمد الطيار.

– “قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي”.

وأما ما ذكرته من شبهة أن الربا في الأصناف الستة فقط ، فهو قول غير صحيح ، ومخالف أيضا لما عليه جمهور أهل العلم (منهم : أئمة الفقه الأربعة) .

قال الشيخ صالح الفوزان :

“قول جمهور العلماء : أن الربا يتجاوز هذه الأصناف الستة إلى غيرها مما شاركها في العلة”.

http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/Library/tabid/90/Default.aspx?View=Page&PageID=24&PageNo=1&BookI… – 29k

وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

“الأشياء التي يحرم فيها الربا هي : الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح ، وما شارك هذه الأصناف الستة في علة الربا ، وهي في النقدين : الثمنية ، وفي بقية الأصناف : الكيل مع الطعمية على الصحيح من أقوال العلماء” انتهى .

“فتاوى اللجنة الدائمة” (13/268) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر

الإسلام سؤال وجواب

at email

النشرة البريدية

اشترك في النشرة البريدية الخاصة بموقع الإسلام سؤال وجواب

phone

تطبيق الإسلام سؤال وجواب

لوصول أسرع للمحتوى وإمكانية التصفح بدون انترنت

download iosdownload android