حكم الوضوء بالماء الفاضل عن وضوء المرأة
السؤال: 129160
روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا .
أما الإمامان أبو داود والنسائي في سننهما فقد رويا عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ اَلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : نَهَى رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَغْتَسِلَ اَلْمَرْأَةُ بِفَضْلِ اَلرَّجُلِ , أَوْ اَلرَّجُلُ بِفَضْلِ اَلْمَرْأَةِ , وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا .
والحديث صححه الإمام الألباني طيب الله ثراهم جميعا .
وَلِأَصْحَابِ ” اَلسُّنَنِ ” : اِغْتَسَلَ بَعْضُ أَزْوَاجِ اَلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي جَفْنَةٍ , فَجَاءَ لِيَغْتَسِلَ مِنْهَا , فَقَالَتْ لَهُ : إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا , فَقَالَ : “إِنَّ اَلْمَاءَ لَا يُجْنِبُ” .
ومن المعروف أن الأحاديث إذا صحت فلا تعارض بينها ، ولكني أسأل فضيلتكم الشرح والإيضاح .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
الأحاديث الواردة في هذا الباب على وجهين :
الوجه الأول :
أحاديث تدل على جواز أن يتوضأ أو يغتسل الرجل بفضل وَضوء المرأة ، وهو ما يتبقى من
الماء في الإناء الذي توضأت منه ، وقد أخذ بهذه الأحاديث جماهير أهل العلم من
الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد . قال ابن قدامة : “اختارها
ابن عقيل ، وهو قول أكثر أهل العلم” انتهى . “المغني” (1/136) .
وقد
ذكر السائل بعض هذه الأحاديث ، ومنها أيضا :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
وَاحِدٍ ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ : دَعْ لِي . دَعْ لِي . قَالَتْ :
وَهُمَا جُنُبَانِ) رواه البخاري (250) ومسلم (321) واللفظ له .
قال
الإمام الشافعي رحمه الله :
“لا
بأس أن يتوضأ ويغتسل بفضل الجنب والحائض ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل
وعائشة من إناء واحد فقد اغتسل كل واحد منهما بفضل صاحبه” انتهى .
“الأم” (8/98) . وانظر من كتب الحنفية : “رد المحتار” (1/133) .
الوجه الثاني :
أحاديث تنهى عن ذلك ، وقد أخذ بها ابن عمر فنهى عن فضل المرأة إذا كانت جنبا أو
حائضاً ، وأخذ بها مطلقاً الحسن البصري وسعيد بن المسيب ، كما في ” مصنف ابن أبي
شيبة ” (1/47-49) .
قال
ابن حزم في “المحلى” : “بهذا يقول عبد الله بن سرجس والحكم بن عمرو , وهما صاحبان
من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه تقول جويرية أم المؤمنين ، وأم سلمة
أم المؤمنين ، وعمر بن الخطاب , وقد روي عن عمر أنه ضرب بالدرة من خالف هذا القول”
انتهى .
وأخذ بهذا القول الحنابلة في المعتمد من مذهبهم ، كما في “كشاف القناع” (1/37) .
ومن
هذه الأحاديث : الحديث الذي ذكره السائل ، وأيضاً :
عن
الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : (نهى أن يتوضأ
الرجل بفضل طهور المرأة) رواه أبو داود (82) ، والترمذي (68) وقد اختلف العلماء في
تصحيح هذا الحديث ، فحسنه الترمذي ، والألباني في “صحيح أبي داود” .
وضعفه الإمام البخاري ، وابن عبد البر في “الاستذكار” (1/209) فقال : مضطرب لا تقوم
به حجة . وقال النووي في “الخلاصة” (1/200) : ضعيف . وقال ابن القيم في “تهذيب
السنن” (1/149) : ليس بصحيح .
وقد
أجاب النووي عن هذه الأحاديث بقوله :
”
وأما حديث الحكم بن عمرو : فأجاب أصحابنا عنه بأجوبة
:
أحدها : جواب البيهقي وغيره أنه ضعيف , قال البيهقي , قال الترمذي : سألت البخاري
عنه فقال ليس هو بصحيح , قال البخاري : وحديث ابن سرجس الصحيح أنه موقوف عليه ومن
رفعه فقد أخطأ , وكذا قال الدارقطني : وقفه أولى بالصواب من رفعه وروي حديث الحكم
أيضا موقوفا عليه , قال البيهقي في كتاب المعرفة : الأحاديث السابقة في الرخصة أصح
فالمصير إليها أولى .
الجواب الثاني : جواب الخطابي وأصحابنا : أن النهي عن فضل أعضائها ، وهو ما سال
عنها , ويؤيد هذا أن رواية داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن
الحميري ، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه
نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل , أو يغتسل الرجل بفضل المرأة) يُحمَل على أن
المراد ما سقط من أعضائها , ويؤيده أنا لا نعلم أحدا من العلماء منعها فضل الرجل ,
فينبغي تأويله على ما ذكرته … يحملنا على ذلك أن الحديث لم يقل أحد بظاهره ،
ومحال أن يصح وتعمل الأمة كلها بخلاف المراد منه .
الجواب الثالث : ذكره الخطابي وأصحابنا : أن النهي للتنزيه جمعاً بين الأحاديث”
انتهى باختصار .
“المجموع” (2/221) .
وهذا الجواب الثالث الذي هو المعتمد ، أن النهي في الأحاديث ليس للتحريم ، فالأفضل
للرجل أن لا يتوضأ بفضل طهور المرأة ، ولكنه إن فعل فهو جائز .
قال
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“والصحيح أن النهي في الحديث ليس على سبيل التحريم ، بل على سبيل الأولوية وكراهة
التنزيه …
فالصواب : أن الرجل لو تطهر بما خلت به المرأة ، فإن طهارته صحيحة ويرتفع حدثه ،
هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله” انتهى من الشرح الممتع” (1/46) .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟