حكم التمادح برسائل الجوال المبالغ فيها
السؤال: 130126
الرسائل المبالغ فيها التي نرسلها لمجرد الإرسال وللرد على رسائلهن برسائل شعرية وتكون فيها مبالغة في الكلام هل يعد من النفاق ؟ وهل إذا أكثرت من الرسائل وصرف رصيد جوالي لدرجة ينقضي شحن الجوال بسبب الرسائل يعد إسرافاً ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
دين الله عز وجل دين وسط ، لا إفراط فيه ولا تفريط
، والاعتدال في كل شيء خير .
وقد
وصف الله تعالى عباده بقوله : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ
يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) الفرقان/67 ، وقال تعالى : (وَلَا
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) الإسراء/29 .
فتجاوز الحد في الرسائل هو من الإسراف المذموم المنهي عنه ، ومن تأمل كثيراً من
الرسائل المتداولة لوجدها لا فائدة منها ، وكثير من المرسل إليهم لا يقرؤونها ، بل
يحذفونها بمجرد أن تقع أعينهم عليها .
ثانياً :
أما رسائل المدح المبالغ فيها ، فقد نهى النبي صلى
الله عليه وسلم عن مدح الشخص ، وذم المداحين ، فكيف بالمبالغة في مدحه !
وسبب هذا النهي : أنه قد يكون سبباً في إعجاب
الممدوح بنفسه ، أو تكبره ، فيهلك بسبب ذلك .
روى مسلم (3002) عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ
أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ ، فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى
رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ
، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ : مَا شَأْنُكَ ؟ فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا
فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ ) .
وروى البخاري (6061) ومسلم (3000) عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ – يَقُولُهُ
مِرَارًا – إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ : أَحْسِبُ
كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يُرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ ، وَلَا
يُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا ) .
قال الحافظ :
” قَالَ اِبْن بَطَّال : حَاصِل النَّهْي : أَنَّ
مَنْ أَفْرَطَ فِي مَدْح آخَر بِمَا لَيْسَ فِيهِ لَمْ يَأْمَن عَلَى الْمَمْدُوح
الْعُجْب لِظَنِّهِ أَنَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَة , فَرُبَّمَا ضَيَّعَ الْعَمَل
وَالِازْدِيَاد مِنْ الْخَيْر اِتِّكَالًا عَلَى مَا وُصِفَ بِهِ
وَقَالَ الْغَزَالِيّ فِي ” الْإِحْيَاء ” : آفَة
الْمَدْح فِي الْمَادِح أَنَّهُ قَدْ يَكْذِب ، وَقَدْ يُرَائِي الْمَمْدُوح
بِمَدْحِهِ ، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَاسِقًا أَوْ ظَالِمًا ” انتهى .
وروى الإمام أحمد (16395) وابن ماجه (3743) عن
مُعَاوِيَة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: ( َإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ ) وحسنه الألباني في صحيح ابن
ماجة .
قال المناوي :
” لما فيه من الآفة في دين المادح والممدوح ، وسماه
ذبحا لأنه يميت القلب فيخرج من دينه ، وفيه ذبح للممدوح فإنه يغره بأحواله ويغريه
بالعجب والكبر ويرى نفسه أهلا للمدحة سيما إذا كان من أبناء الدنيا أصحاب النفوس
وعبيد الهوى ، وفي رواية : ( فإنه من الذبح ) وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن
العمل والمدح يوجب الفتور ، أو لأن المدح يورث العجب والكبر وهو مهلك كالذبح ،
فلذلك شبه به . قال الغزالي رحمه الله : فمن صنع بك معروفا فإن كان ممن يحب الشكر
والثناء فلا تمدحه ؛ لأن قضاء حقه أن لا تقره على الظلم ، وطلبه للشكر ظلم ، وإلا
فأظهر شكره ليزداد رغبة في الخير ” انتهى .
“فيض القدير” (3/129) .
أما قولك : هل يعد ذلك من النفاق ؟
فالجواب : إذا كان المدح فيه شيء من الكذب فهو من
صفات المنافقين ، لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( آيَةُ
الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا
اؤْتُمِنَ خَانَ ) متفق عليه .
وروى الترمذي (2027) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله
عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْبَذَاءُ
وَالْبَيَانُ شُعْبَتَانِ مِنْ النِّفَاقِ ) وصححه الألباني في “صحيح الترمذي” .
قال المناوي :
” البيان : فصاحة اللسان ، والمراد : ما فيه إثم
منها كهجو أو مدح بغير حق .
( شعبتان من النفاق ) أي : هما خصلتان منشؤهما
النفاق أو مؤديان إليه . وأراد بالبيان هنا كثرة الكلام والتكلف للناس بكثرة
التملُّق والثناء عليهم وإظهار التفصُّح ، وذلك ليس من شأن أهل الإيمان . وقد يتملق
الإنسان إلى حد يخرجه إلى صريح النفاق وحقيقته ” انتهى .
“التيسير بشرح الجامع الصغير” (1/ 1036) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟