كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهـم؟
السؤال: 130672
كيف تعاد أرواح الكافرين بعد تحريق أجسادهـم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إن الإيمان بأن الله على كل شيء قدير ، وأنه لا
يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأنه كما خلقهم
من عدم قادر على أن يبعثهم كيف شاء ومتى شاء ، على اختلاف صورهم ، وتعدد مصارعهم ،
مما لا يتم الإيمان بالله إلا به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ وَسَائِرُ أَهْلِ
الْمِلَلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كَمَا نَطَقَ بِذَلِكَ
الْقُرْآنُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (8 / 7) .
وقال أيضا :
“اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَمَنْ جَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ خَارِجًا عَنْ
قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ فَقَدْ أَلْحَدَ فِي أَسْمَائِهِ وَآيَاتِهِ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (11 / 354) .
وقال الله عز وجل :
(وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ
مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) يس/78، 79 .
قال السعدي :
“هذا وجه الشبهة والمثل ، وهو أن هذا أمر في غاية
البعد على ما يعهد من قدرة البشر ، وهذا القول الذي صدر من هذا الإنسان غفلة منه ،
ونسيان لابتداء خلقه ، فلو فطن لخلقه بعد أن لم يكن شيئا مذكورا فَوُجِدَ عيانا ،
لم يضرب هذا المثل .
فأجاب تعالى عن هذا الاستبعاد بجواب شاف كاف ، فقال
: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ) وهذا بمجرد تصوره ، يعلم
به علما يقينا لا شبهة فيه ، أن الذي أنشأها أول مرة قادر على الإعادة ثاني مرة ،
وهو أهون على القدرة إذا تصوره المتصور” انتهى .
“تفسير السعدي” ( ص 699- 700) .
وروى البخاري (3481) ومسلم (2756) – واللفظ له –
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ : (قَالَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ حَسَنَةً قَطُّ لِأَهْلِهِ : إِذَا
مَاتَ فَحَرِّقُوهُ ثُمَّ اذْرُوا نِصْفَهُ فِي الْبَرِّ وَنِصْفَهُ فِي الْبَحْرِ
، فَوَ اللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا لَا
يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنْ الْعَالَمِينَ . فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ فَعَلُوا مَا
أَمَرَهُمْ ، فَأَمَرَ اللَّهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ
فَجَمَعَ مَا فِيهِ ثُمَّ قَالَ : لِمَ فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : مِنْ خَشْيَتِكَ
يَا رَبِّ وَأَنْتَ أَعْلَمُ . فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ) .
ولفظ البخاري : (إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي
ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ) .
قال شيخ الإسلام :
” فَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ قَدْ وَقَعَ لَهُ
الشَّكُّ وَالْجَهْلُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ؛
بَعْدَ مَا أُحْرِقَ وَذُرِيَ وَعَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الْمَيِّتَ وَيَحْشُرُهُ
إذَا فَعَلَ بِهِ ذَلِكَ وَهَذَانِ أَصْلَانِ عَظِيمَانِ :
أَحَدُهُمَا : مُتَعَلِّقٌ بِاَللَّهِ تَعَالَى
وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . والثَّانِي :
مُتَعَلِّقٌ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ . وَهُوَ الْإِيمَانُ بِأَنَّ اللَّهَ يُعِيدُ
هَذَا الْمَيِّتَ وَيَجْزِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِ ” انتهى .
“مجموع الفتاوى” (12 / 491) .
فمتى علم العبد أن الله عز وجل على كل شيء قدير ، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا
في السماء ، وأنه إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، وأنه سبحانه أوجد الخلائق من عدم
لم يمتنع لديه الإيمان بالبعث والنشور على أي صورة كان ، دون أن يرهق عقله وفكره
بالبحث والتحري الذي لا يجدي شيئا ، ويكفيه دلالة الشاهد الذي لا يغيب عن ناظره ،
وهو نفسه ، قال الله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي
أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) الذاريات/20 ، 2.
وقال الله عز وجل لعبده زكريا عليه السلام : (يَا
زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ
قَبْلُ سَمِيًّا * قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي
عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا * قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ
هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا )
مريم/7-9 .
فليس خلق هذا الغلام من أم عاقر ، وأب كبير في السن
بأعجب من خلق الأب وإيجاده من العدم .
انظر : تفسير الطبري (18/151) .
وقال تعالى عن مريم : (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى
يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا
يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل عمران/47
.
وقال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ
كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) آل
عمران/59 .
ثم هذه السماوات والأرض أمام عينيه ، وما يشاهده
بينهما من أفلاك ونجوم ، لا يحصي عددها إلا الله ، ولا يقادر قدرها أحد من خلقه ،
هي أكبر من خلق الناس ، فالذي خلق السماوات والأرض مع عظمهما واتساعها قادر من باب
أولى على إعادة خلق الإنسان مرة أخرى .
قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
غافر/57 .
وقال تعالى : (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ
الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) يس/81، 82 .
وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ) الروم/27 .
يعني : أيسر عليه . وقال مجاهد : الإعادة أهون عليه
من البَدَاءة ، والبداءة عليه هَيْنٌ . وكذا قال عكرمة وغيره .
“تفسير ابن كثير” (6/311) .
وروى البخاري (4974) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَالَ
اللَّهُ : كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ , وَشَتَمَنِي وَلَمْ
يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ . فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي
كَمَا بَدَأَنِي . وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ
. وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ : اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا . وَأَنَا
الْأَحَدُ الصَّمَدُ لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفْئًا أَحَدٌ)
.
هذا .. وإن كان قصد السائل بسؤاله : كيف تعاد أرواح
الكافرين بعد تحريق أجسادهم ، يعني في النار يوم القيامة .
فيقال : إن أرواحهم باقية في أجسادهم ، وإن حرقت
بالنار ، فيوم القيامة إذا عادت الروح إلى البدن لا تخرج منه أبدا ، فتبقى روح
الكافر في جسده معذبة ، وتبقى روح المؤمن في جسده منعمة .
فإن
أهل النار كلما احترقت جلودهم بالنار أبدلهم الله غيرها ، حتى يستمر عذابهم ولا
ينقضي، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ
نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا
لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) النساء/56 .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟