رجل فتح الله عليه بنعمة المال فكيف يتصرف فيه؟ كيف يُشغِّل هذا المال؟ كيف يحافظ عليه ويربح منه دون أن يُغضب الله؟
كيف يتصرف في أمواله وكيف يربح دون أن يغضب الله؟
السؤال: 131590
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
المال يكون نعمة إذا استعمل في ما يرضي الله ، وأعان على طاعة الله ، ويكون نقمة إذا استعمل في الشر ، أو حمل صاحبه على البطر والكبر ، أو ألهاه وشغله عن الطاعة والذكر .
ولهذا جاء التحذير من فتنة المال ؛ لأنه غالبا ما يطغي وينسي ، وقلّ من يؤدي حق الله تعالى فيه ، قال الله تعالى مبينا أن الابتلاء يكون بالخيرات والنعم ، كما يكون بالسيئات والنقم : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/35 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ) رواه البخاري (4015) ومسلم (2961).
وروى مسلم (2742) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا ، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ ).
لكن من وفقه الله تعالى فكسب المال من حله ، وأنفقه في محله ، واجتهد في بذله في الطاعات والقربات ، كان المال في حقة نعمة ، واستحق أن يغبطه الناس عليها ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ ) رواه أحمد (17096) وصححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" (299)، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ) رواه البخاري (73) ومسلم (816).
ثانيا :
طرق بذل المال في الخير كثيرة : منها بناء المساجد والصدقة وكفالة الأيتام ومساعدة المرضى والمحتاجين ، ومنها إدخال السرور به على الأهل والأولاد والأقارب ، ومنها الاستفادة منه في تكرار الحج والعمرة ، وإنشاء دور تحفيظ القرآن وتعليم العلم ، ومنها إقراض المحتاجين ، وإنظار المعسرين ، ومنها الإسهام في المشاريع الخيرية العامة التي تعود بالنفع على الأمة ، كالقنوات الفضائية الهادفة ، ومواقع الإنترنت الناجحة النافعة ، إلى غير ذلك من أبواب الخير وطرقه التي لا يحصيها إلا الله ، والمهم أن يعلم المنفق أن ماله الحقيقي هو ما قدمه لله ، لأنه سيجد عاقبته الحميدة بعد موته ، وأما المال الذي احتفظ به ، فليس مالا له على الحقيقة وإنما هو مال وارثه ، وهذا معنى ما رواه البخاري (6442) عن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ : فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ ).
ثالثا :
أما كيفية تشغيل المال وتنميته ، فإن هذا يرجع فيه إلى أهل الاختصاص ، لكن نحن نفيدك بالضوابط العامة لذلك ، ومنها :
1- السؤال والتحري عن مشروعية المعاملة أو طريقة الاستثمار قبل الشروع فيها.
2- الحذر من وضعه في البنوك الربوية ، وعدم الاغترار بمن يفتي بجواز ذلك ، فإن الربا من أسباب المقت والمحق ، وفاعله محارب لله ورسوله .
3- البعد عن الأمور المشتبهات .
4- معرفة خطورة المال الحرام على النفس والأهل والذرية .
5- التدرج والقناعة ، وعدم الاغترار بما يجلب الأرباح السريعة ، قبل الدراسة والتأني .
6- الحذر من تضييع هذه النعمة ، بوضعها في يد من لا يؤمن عليها .
7- تحري الصدق والأمانة والبيان ، والبعد عن الغش والكتمان ، فإن ذلك من أسباب البركة وتحصيل الربح والأجر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن البائع والمشتري : ( فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) رواه البخاري (2097) ومسلم (1532).
نسأل الله أن يبارك لك في مالك ، وأن يوفقك لتنميته ، واستعماله فيما يرضيه .
والله أعلم .
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب