نذرت أن تتصدق بمال لو رزقت بطفل
السؤال: 132579
ماذا لو نوت زوجتي فعل عمل خير ، مثل : لو نذرت أن تتصدق بقدر من المال لإطعام الفقراء إن رزقت بطفل ، فهل هذا جائز أم أن في هذا ما يشبه فعل الهندوس من تقديم القرابين ؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
ليس
تقديم القرابين مما يختص به الهندوس ، حتى يكون فاعله متشبهاً بهم ، بل لم يزل
المؤمنون الموحدون يقدمون القرابين لله ، شكراً على نعمه ، وابتغاء مرضاته ، ففي
قصة ابني آدم يقول الله تعالى : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ
بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ
يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) المائدة/27 .
فإذا كان الهندوس يقربون القرابين لألهتهم – وهي كثيرة ، ذكوراً وإناثاً – فإن
المسلمين يقدمون القرابين لله الواحد الأحد .
ثانياً :
إذا
كانت زوجتك قد تلفظت بالنذر ، فإذا رُزقت بطفل وجب عليها الوفاء بالنذر ، لقول
النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) رواه
البخاري (6696) .
أما
إذا كانت زوجتك قد نوت الصدقة فقط ، ولم تتلفظ فهذا لا يعتبر نذراً ، لأن النذر لا
ينعقد بمجرد النية ، بل لابد من اللفظ ، وحينئذٍ تكون مخيرة في هذه الصدقة ، فإن
شاءت تصدقت ، وإن شاءت لم تتصدق .
قال
النووي في “المجموع” (8/435) :
“هَلْ النذر يَصِحُّ بِالنِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ؟ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي
ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ
إلَّا بِالْقَوْلِ , وَلَا تَنْفَعُ النِّيَّةُ وَحْدَهَا” انتهى باختصار .
وقال المرداوي في “الإنصاف” (11/118) :
“وَلَا يَصِحُّ – يعني النذر – إلَّا بِالْقَوْلِ . فَإِنْ نَوَاهُ مِنْ غَيْرِ
قَوْلٍ : لَمْ يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ” انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : رجل نوى بقلبه أن يصوم سبعة أيام متواليات ،
ولم يستطع الإكمال ، فهل عليه شيء ؟
فأجابوا :
“النذر لا ينعقد إلا بالتلفظ به قاصداً له ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ
اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ
أَوْ تَتَكَلَّمْ) متفق على صحته . فمن نوى النذر ولم يتلفظ به فإنه لا يلزمه شيء”
انتهى .
“فتاوى اللجنة” (23/302-303) .
ثالثاً :
ينبغي للمسلم إذا أراد أن يعبد الله تعالى بالصدقة أو غيرها أن يفعل ذلك بلا نذر ،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر .
روى
البخاري (6608) ومسلم (1639) – واللفظ له – عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النَّذْرِ
وَقَالَ : (إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ
الْبَخِيلِ) .
قال
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
“اعلم أن النذر لا يأتي بخير ولو كان نذر طاعة ، وإنما يستخرج به من البخيل ، ولهذا
نهى عنه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبعض العلماء يحرمه ، وإليه
يميل شيخ الإسلام ابن تيمية للنهي عنه ، ولأنك تلزم نفسك بأمر أنت في عافية منه ،
وكم من إنسان نذر وأخيراً ندم ، وربما لم يفعل .
ويدل لقوة القول بتحريم النذر قوله تعالى : (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ
أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ) النور/53 ؛ فهذا التزام موكد
بالقسم ، فيشبه النذر ، قال الله تعالى : (قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ
مَعْرُوفَةٌ) النور/53 أي : عليكم طاعة معروفة بدون يمين ، والإنسان الذي لا يفعل
الطاعة إلا بنذر ، أو حلف على نفسه يعني أن الطاعة ثقيلة عليه .
ومما يدل على قوة القول بالتحريم أيضاً خصوصاً النذر المعلق : أن الناذر كأنه غير
واثق بالله عز وجل ؛ فكأنه يعتقد أن الله لا يعطيه الشفاء إلا إذا أعطاه مقابله
ولهذا إذا أيسوا من البرء ذهبوا ينذرون ، وفي هذا سوء ظن بالله عز وجل .
والقول بالتحريم قول وجيه ” انتهى .
“مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (9/242) .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟