بطلان الاستدلال بلعب الحبشة بالحراب على الرقص الصوفي!
السؤال: 133594
لدي سؤال حول الرقص في الإسلام ، فالصوفية يستندون إلى حديث من مسند الإمام أحمد بن حنبل من المجلد الثالث الصفحة رقم 152 ، ويدعي الصوفية أنه كان من عادة الأحباش أنهم كانوا يرقصون حول النبي صلى الله عليه وسلم ، فهل يمكن أن توضح لي الحديث الذي ذكرتُ لكَ موضعه ، وأسأل : لماذا لا تجوز طريقة تعبد الصوفية (وهي الرقص عند ذكر الأوراد) ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
اعلم أخي السائل أن ” الصوفية ” من الفرق التي قد انحرفت عن منهج النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه ، وللوقوف على شيء من ذلك : انظر جواب السؤال رقم : (4983)
.
وأما الحديث الذي أشار إليه السائل :
فلا
يدل على جواز الرقص الصوفي ، بل هو دليل جواز اللعب بالسلاح ، والتدرب على الحرب ،
والمبارزة ؛ لغاية الجهاد .
فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ ، فَاضْطَجَعَ
عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ ، وَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي
وَقَالَ : “مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؟”
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ : (دَعْهُمَا)
فَلَمَّا غَفَلَ ، غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا ، وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ
السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله
عليه وسلم وَإِمَّا قَالَ (تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ) فَقُلْتُ : نَعَمْ ،
فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ ، وَهُوَ يَقُولُ (دُونَكُمْ يَا
بَنِي أَرْفِدَةَ) حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ قَالَ : (حَسْبُكِ ؟) قُلْتُ : نَعَمْ ،
قَالَ : (فَاذْهَبِي) رواه البخاري (907) ومسلم (829) .
وقد
ترجم البخاري رحمه الله على هذا الحديث في صحيحه بقوله : “باب الحراب والدَّرَق يوم
العيد” .
وقال بدر الدين العيني رحمه الله :
والحِراب : جمع حَربة .
والدَّرَق : جمع درقة ، وهي الترس الذي يتخذ من الجلود .
“عمدة القاري” (6/267) .
وقال النووي رحمه الله :
فيه
جواز اللعب بالسلاح ، ونحوه من آلات الحرب ، في المسجد ، ويلتحق به ما في معناه من
الأسباب المعينة على الجهاد .
“شرح مسلم” (6/271) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
واستُدل به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التواثب ، للتدريب على الحرب ،
والتنشيط عليه .
“فتح الباري” (2/445) .
فهذا هو لفظ الحديث ، وهذا هو كلام العلماء عليه ، وبه يتبين عدم صحة استدلال من
استدلَّ به على الرقص الصوفي في حلقاتهم البدعية ، فهؤلاء الصحابة (الأحباش) لم
يكونوا أصلاً حول النبي صلى الله عليه وسلم – كما جاء في السؤال – ، ولم يكونوا
يذكرون الله، حتى يكون دليلاً لأهل البدع من أصحاب الرقص ، بل كانوا يلعبون بآلات
الحرب والجهاد .
وقد
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
:
عندنا في مناطقنا هناك في الجنوب في الأعراس يحصل رقص للرجال على الطبول بأسلحتهم ،
فهل هذا جائز ؟ .
فأجاب :
“اعلم أن الأصل في المعازف أنها حرام ، ومنها الطبول ، ولا يحل منها إلا ما ورد
الشرع به ، والذي ورد به الشرع هو “الدف” ، وكان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم
لا يرتاده إلا النساء ، يضربن بالدف ، والدف هو عبارة عن شيء مدور كالصحن ، ويكون
أحد جانبيه مستوراً بالجلد الذي يكون له الصوت ، أي : أنه مفتوح من جانب ، ومختوم
بالجلد من جانب ، هذا هو الذي وردت به السنَّة .
أما الرقص للرجال : فإنه لا يجوز ؛ لأن الرقص من عادات النساء ، وليس من عادات
الرجال .
وأما اللعب بالسلاح بالبنادق ، والسيوف ، وما أشبه ذلك – إذا لم يكن فيه طبول – :
فهذا لا بأس به ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مكَّن الحبشة أن يلعبوا في وسط
مسجده صلى الله عليه وسلم برماحهم ، لكن بدون رقص” انتهى .
“لقاء الباب المفتوح” ( 39 / السؤال رقم 5 ) .
وقد
يصاحب هذا الرقص الصوفي محرمات أخرى كالغناء ، وبعض المعازف ، كالطبل , واختلاط
الرجال بالنساء ، وهذا يزيد في الإثم ، ويُعظم المعصية .
ثانياً :
الرقص في حلقات الذكر هو من الأمور المحدثة ، المبتدعة ، التي لم يفعلها الرسول صلى
الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه ، وإذا كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
أنكر على من وجدهم جلوساً في المسجد حِلَقاً ، ومعهم حصى يعدون عليه التسبيح ، وفي
كل حلقة رجل ، يقول : سبحوا مائة ، فيسبحون . احمدوا مائة فيحمدون … إلخ .
وقد
ذكرنا هذا الأثر بطوله في جواب السؤال رقم (11938)
فماذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه لمن وجدهم يرقصون ويطبلون ويغنون ، ويزعمون أنهم
يذكرون الله !
ويجب أن يُعلم أن كل عبادة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أرشدنا إليها ،
ولم يفعلها أصحابه رضي الله عنهم ، لا يجوز لأحد أن يفعلها ، لأنها لو كانت خيراً
لسبقونا إليه .
قال
علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
“والأصل في باب العبادات : المنع ، حتى يرد الدليل عليها شرعاً ، فلا يقال : إن هذه
العبادة مشروعة من أصلها ، أو من جهة عددها ، أو هيئتها ، إلا بدليل شرعي ، فمَن
ابتدع في دين الله ما لم يشرعه الله : فما صدر منه : مردود عليه ، قال صلى الله
عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) ، وفي
رواية : (مَنْ أَحْدَثَ في أَمْرِنَا هذا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ)” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
“فتاوى اللجنة الدائمة” (2/473) .
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
فكل
مَن أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين ، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه : فهو ضلالة ،
والدين منه بريء .
“جامع العلوم والحكم” (2/128) .
وقال ابن حجر رحمه الله :
والمراد بقوله : (كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلةٌ) ما أُحدث ولا دليل له من الشرع ، بطريق
خاص ، ولا عام .
“فتح الباري” (13/254) .
وعلى هذا ؛ فهذا الرقص الصوفي المصاحب للذِّكر : لا يدل عليه دليل من الكتاب ، أو
السنَّة ، ولا عمل الصحابة ، بل هو من البدع المحدثة التي أنكرها العلماء والأئمة ،
فليس هناك أحد من الأئمة الأربعة رحمهم الله (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) يجيز
مثل هذا الرقص ، ولا يجيز لأحد أن يحضر تلك الحلقات ، بل أصله مأخوذ من اليهودية .
فقد
سئل الإمام أبو بكر الطرطوشي رحمه الله :
ما
يقول سيدنا الفقيه في مذهب الصوفية ؟ واعلم – حرس الله مدته – أنه اجتمع جماعة من
رجال ، فيكثرون من ذِكر الله تعالى ، وذِكر محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم إنهم
يوقعون بالقضيب على شيء من الأديم – الجِلد – ، ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع
مغشيّاً عليه ، ويحضرون شيئا يأكلونه ، هل الحضور معهم جائز أم لا ؟ أفتونا مأجورين
.
فأجاب :
“يرحمك الله ، مذهب الصوفية بطالة ، وجهالة ، وضلالة ، وما الإسلام إلا كتاب الله
وسنَّة رسول ، وأما الرقص والتواجد : فأول من أحدثه أصحاب ” السامري ” ، لمَّا اتخذ
لهم عجلاً جسداً له خوار ، قاموا يرقصون حواليه ، ويتواجدون ؛ فهو دين الكفار ،
وعُبَّاد العجل ؛ وأما القضيب : فأول من اتخذه الزنادقة ؛ ليشغلوا به المسلمين عن
كتاب الله تعالى ؛ وإنما كان يجلس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه كأنما على
رؤوسهم الطير من الوقار ، فينبغي للسلطان ، ونوابه : أن يمنعهم عن الحضور في
المساجد ، وغيرها ؛ ولا يحل لأحدٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر معهم ، ولا
يعينهم على باطلهم ؛ هذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ،
وغيرهم من أئمة المسلمين ، وبالله التوفيق” انتهى .
نقله عنه الإمام القرطبي في “تفسيره” (11/237 ، 238) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
“لم
يُعرف عنه صلى الله عليه وسلم أنه خصص أياماً ، وليالي من الأسبوع ، يجتمع فيها هو
وأصحابه على ذِكر الله تعالى جماعةً باسمٍ مفردٍ من أسمائه الحسنى ، قياماً ، أو
قعوداً ، في حلقات ، أو صفوفاً ، يترنحون فيها ترنح السكارى ، ويتمايلون فيها تمايل
الراقصين طرباً لتوقيع الأناشيد ، ونغمات المغنين ، ودفات الطبول ، والدفوف ،
وأصوات المزامير ، وبهذا يُعلم أن ما يفعله الصوفية اليوم : بدعة محدثة ، وضلالة
ممقوتة” انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
”
فتاوى اللجنة الدائمة ” ( 2 / 281 ) .
والله
أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة