هل يجوز لهم بيع المسجد لمن يحتمل اتخاذه كنيسة ؟
السؤال: 134297
نحن نعيش في أحد المدن الأمريكية ، ومنذ ما يزيد على 30 عاماً اشترى المسلمون كنيسة ، وعدلوها لتصبح مسجداً , الآن نظراً لقدم البناية ، وصغر مساحة المسجد : نريد بيعه ، واستخدام قيمته في تكملة بناء مسجد أكبر في حي مجاور , المعضلة : أنه يغلب على ظننا أنه سيشتريه منَّا بعض النصارى ، ثم يجعلونه كنيسة ، وخاصة أصحاب كنيسة مجاورة للمسجد ، يصدر منها أحياناً أصوات موسيقى عالية تسمع من داخل المسجد , ما هو حكم بيع المسجد لمن يرغب في جعله كنيسة ؟ وهل فِعْل ذلك يعدُّ مِن معاونتهم على ما هم فيه من الشرك ، والضلال ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
اتفق العلماء على حرمة بيع المسجد الذي لم تتعطل منافعه ، ولم يهجره أهله ، وأن من
فعل ذلك فهو آثم ، ولا يتملكه من اشتراه .
واختلفوا في حكم بيع المسجد الذي تعطلت منافعه ، أو هجره أهله :
فذهب بعضهم إلى أنه يجوز بيع المسجد إذا كان ذلك هو حاله ، وإذا بيع : فيصرف ثمنه
إلى مسجد آخر ، وإن كان قريباً من الأول فهو أفضل .
وهو رواية عن الإمام أحمد ، وهو الذي عليه
مذهب الحنابلة .
وذهب آخرون إلى أنه لا يصح بيع الوقف بحال عموماً ، والمسجد لا يكون إلا وقفاً ،
وعليه : فلا يصح عندهم بيعه ، وإن تعطلت منافعه ، وهجره المصلون .
وهو قول الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية ، ورواية عن الإمام أحمد .
والقول بالجواز هو الأصح من القولين .
وانظر المسألة بتفصيلها ، وترجيحها في جواب السؤال رقم : (
103236 ) .
ثانياً:
إذا تقرر جواز بيع مسجد القديم ذاك : فهل يجوز لكم بيعه لمن يتخذه كنيسة ، أو
لإقامة محل يُعصى فيه الله تعالى ، كخمارة ، أو مؤسسة ربوية ؟
والجواب : قطعاً لا يجوز ؛ فالوسائل لها حكم الغايات ، فالوسيلة إلى فعل المعصية
تكون معصية ، والوسيلة إلى فعل الطاعة تكون طاعة ، ولذلك حرم بيع السلاح وقت الفتنة
، وحرم بيع العنب لمن يعصره خمراً ، ويقال هنا : يحرم بيع أرض للنصارى بقصد بنائها
كنيسة ، أو لليهود بقصد بنائها بيعة ، ونحو ذلك ، كما يحرم تأجيرهم دوراً لإقامة
شعائر الكفر فيها .
وفي ” الموسوعة الفقهية ” ( 38 / 157 ، 158 ) :
نصَّ جمهور الفقهاء على أنّه يمنع المسلم من بيع أرضٍ أو دارٍ لتتّخذ كنيسةً
:
قال الحنفيّة : إن اشتروا دوراً في مصرٍ من أمصار المسلمين فأرادوا أن يتّخذوا
داراً منها كنيسةً ، أو بيعةً ، أو بيت نارٍ في ذلك لصلواتهم : منعوا عن ذلك
.
وقال المالكيّة : يمنع – أي : يحرم – بيع أرضٍ لتتّخذ كنيسةً ، وأجبر المشتري من
غير فسخٍ للبيع على إخراجه من ملكه ، ببيع ، أو نحوه
.
روى الخلال عن المروذيّ أنّ أبا عبد اللّه سئل عن رجلٍ باع داره من ذمّيٍّ وفيها
محاريب فاستعظم ذلك ، وقال : نصراني ؟! لا تباع ، يضرب فيها النّاقوس وينصب فيها
الصلبان ؟ وقال : لا تباع من الكافر ، وشدّد في ذلك
.
وعن أبي الحارث أنّ أبا عبد اللّه سئل عن الرّجل يبيع داره وقد جاء نصراني فأرغبه
وزاده في ثمن الدّار , ترى أن يبيع منه وهو نصراني ، أو يهودي ، أو مجوسي , قال :
لا أرى له ذلك , قال : ولا أرى أن يبيع داره من كافرٍ يكفر فيها باللّه تعالى
.
إذا اشترى أو استأجر ذمّي داراً على أنّه سيتّخذها كنيسةً : فالجمهور على أنّ
الإجارة فاسدة , أمّا إذا استأجرها للسكنى ، ثمّ اتّخذها معبداً : فالإجارة صحيحة ,
ولكن للمسلمين عامّةً منعه حسبةً . انتهى
ثالثاً:
المشتري من الكفار لا ندري ما يصنع بهذا المسجد إن اشتراه ، فمتى يكون البيع له
محرَّماً ؟.
والجواب : أنه يكون محرَّماً في حال العلم باتخاذه له كنيسة ، بتصريحه ، أو بقرائن
قوية ، أو بغلبة الظن الراجحة ، وما عدا ذلك : فلا يحرم بيعه له .
قال أحمد الصاوي – رحمه الله – :
ويمنع أيضاً بيع التوراة ، والإنجيل لهم ؛ لأنها مبدَّلة ، ففيه إعانة لهم على
ضلالهم ، وكما يُمنع بيع ما ذُكر لهم : يُمنع الهبة ، والتصدق ، وتمضي الهبة ،
والصدقة ، ويجبرون على إخراجها من ملكهم كالبيع
.
تنبيه : كذلك يُمنع بيع كل شيءٍ عُلم
أن المشتري قصد به أمراً لا يجوز ؛ كبيع جارية لأهل الفساد ، أو مملوك ، أو بيع أرض
لتتخذ كنيسة ، أو خمارة ، أو خشبة لتتخذ صليباً ، أو عنباً لمن يعصره خمراً ، أو
نحاساً لمن يتخذه ناقوساً ، أو آلة حرب للحربيين ، وكذا كل ما فيه قوة لأهل الحرب
.
” بلغة السالك ” ( 3 / 8 ) .
وقال ابن قدامة – رحمه الله – :
إذا ثبت هذا : فإنما يحرم البيع ،
ويبطل إذا علم البائع قصْد المشتري ذلك ، إما بقوله ، وإما بقرائن مختصة به تدل على
ذلك ، فأما إن كان الأمر محتملاً مثل أن يشتريها مَن لا يُعلم حالُه ، أو من
يَعمل الخل والخمر معاًً ، ولم يلفظ بما يدل على إرادة الخمر : فالبيع جائز ، وإذا
ثبت التحريم : فالبيع باطل ، ويحتمل أن يصح ، وهو مذهب الشافعي …
ولنا : أنه عقد على عين لمعصية الله بها فلم يصح ، كإجارة الأمَة للزنا ، والغناء
… .
” المغني “( 4 / 306 ) .
والخلاصة :
أنه لا يحل لكم بيع المسجد إذا لم تتعطل منافعه ، وأمكن الانتفاع به ، ويحل لكم
بيعه إن تعطلت منافعه ، وصار مهجوراً من أهله ، والنصيحة لكم : عدم بيعه ، وإبقاؤه
وقفاً ، وجعله مكتبة ، أو مؤسسة خيرية ، في حال تعطله عنه الانتفاع به في الصلاة .
وإن لم يتيسر لكم هذا ، وتعين عليكم بيعه : فيجوز لكم بيعه لنصراني وغيره ، إلا إذا
علمتم ، أو غلب على ظنكم أنه سيحوله كنيسة ونحوها من دور الكفر : فلا يجوز لكم ذلك
البيع ، وعليكم تحري من يشتريه لاستخدام مباح ، فإن جهلتم حال المشتري ، ولم تعلموا
نيته : فالبيع له جائز ، والاحتياط : التورع بالتحري عن نيته .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
موضوعات ذات صلة