تسبب في قتل والده فهل يرث أم لا؟
السؤال: 135380
حصل لي حادث وتوفي الوالد رحمه الله وسائق السيارة الأخرى وقرر المرور الخطأ علي كاملا ، وأنا متأكد أنني لست مخطئاً ، وإذا كان علي خطأ فنسبته لا تتعدى ال25% ، هل عليه كفارة أم لا؟ وهل أرث من الوالد رحمه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
هذه
المسألة ترجع إلى أهل الاختصاص وهم الذين يقررون نسبة الخطأ ، وإذا كان لك اعتراض
على تقريرهم ، فلك مناقشتهم أو كلام المسؤولين عن ذلك .
وبناء على ما تم تقريره من أن الخطأ كاملاً عليك ، فالذي يلزمك الآتي :
1ـ
كفارة قتل الخطأ ، وقد ذَكرت أنه توفي والدك وسائق السيارة الأخرى ، فيلزمك كفارتان
، والكفارة : عتق رقبة ، فإن لم تجد ، فتصوم شهرين متتابعين ، ويدل لهذا قوله تعالى
: (وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن
يَصَّدَّقُواْ…إلى أن سبحانه ـ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ
مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً )
النساء/92 ، ولا مدخل للإطعام في كفارة قتل الخطأ عند جمهور العلماء رحمهم الله .
2ـ
الدية ، عن كل نفس ؛ لما تقدم من الآية الكريمة إلا أن الدية هنا واجبة على عاقلتك
، ـ وهم العصبة ـ ؛ لما رواه المغير بن شعبة رضي الله عنه قال : (ضَرَبَتْ
امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا .. قَالَ :
فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ
عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ) رواه مسلم (1682) .
قال
ابن قدامة في “المغني” (8/296) : “ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الخطأ
على العاقلة . قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم . وقد
ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة ,
وأجمع أهل العلم على القول به” انتهى .
فإن
عجزت العاقلة تحملها عنك بيت مال المسلمين ، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال ، ففي
المسألة خلاف ، منهم من قال : لا شيء على القاتل ، وهو المذهب عند الحنابلة ،
والأكثر على أنه يتحملها القاتل نفسه ، وهو مذهب الأكثر ، واختاره ابن قدامة وشيخ
الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
قال
في الإنصاف (10/123) : ” ومن لا عاقلة له , أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع :
فالدية أو باقيها من بيت المال ، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال ، فلا شيء على
القاتل ، وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب….وهو من مفردات المذهب ، ويحتمل أن تجب
في مال القاتل . قال المصنف هنا [ابن قدامة] : وهو أولى , فاختاره ” انتهى .
ينظر “المغني” (8/311) الفتاوى الكبرى (5/525) .
وإذا عفا أولياء القتيل عن الدية ، فالحق لهم وأسقطوه ، ويدل له قوله تعالى : (
وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ..)
ثالثاً :
أما
الميراث ، فقد ذهب جمهور العلماء إلى أن القاتل لا يرث من المقتول شيئاً ، ولو كان
قتله خطأ ؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : (لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا) رواه أبو داود (4564) وحسنه الشيخ الألباني
في صحيح أبي داود .
قال
ابن قدامة في “المغني” (6/245) :
”
أجمع أهل العلم على أن قاتل العمد لا يرث من المقتول شيئاً ….فأما القتل خطأ ,
فذهب كثير من أهل العلم إلى أنه لا يرث أيضاً . نص عليه أحمد ويروى ذلك عن عمر ,
وعلي , وزيد , وعبد الله بن مسعود , وعبد الله بن عباس , وروي نحوه عن أبي بكر رضي
الله عنه . وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وورثه قوم من المال دون الدية ، روي ذلك عن
سعيد بن المسيب , وعمرو بن شعيب , وعطاء , والحسن , ومجاهد , واختاره ابن المنذر ,
وداود . وروي نحوه عن علي ; لأن ميراثه ثابت بالكتاب والسنة , تخصص قاتل العمد
بالإجماع , فوجب البقاء على الظاهر فيما سواه..”انتهى ، وتوريث القاتل خطأ هو مذهب
الإمام مالك رحمه الله .
جاء
في “مختصر خليل” (8/223) : ” وأما قاتل الخطأ ، فيرث من المال الذي لمورثه , ولا
يرث من الدية..” انتهى .
واختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى قال : “..فإذا علمنا يقيناً أن
هذا الوارث لم يتعمد القتل ، فإننا لا نمنعه ؛ لأنه قد استحق الميراث ، فكيف نحرمه
منه ؟ وهذا يقع كثيراً … ، ولهذا كان مذهب الإمام مالك رحمه الله في هذه المسألة
أصح المذاهب ..
ولكن هل يرث من الدية التي سيبذلها ؟ لا يرث ؛ لأن الدية غرم عليه ، فيرث من المال
لا من الدية…انتهى باختصار . من “الشرح الممتع” (11/143) .
وقد
اختار الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد العزيز بن باز رحمهما الله أن
القاتل خطأ لا يرث .
فقد
سئل الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى :
إذا
قتل الرجل أخاه وعفى الأب عن هذا القاتل ، فهل يرث القاتل من المقتول ؟
الجواب : لا يرث القاتل من المقتول إذا كان قتله عمدا عدوانا فإنه لا يرث منه ،
وهكذا لو كان خطأ أوجب عليه الدية أو الكفارة فإنه لا يرث منه ؛ لقوله صلى الله
عليه وسلم : ( ليس للقاتل من الميراث شيء ) ، وقد أجمع العلماء – رحمهم الله – على
أن القاتل لا يرث من المقتول إذا كان قتله عدوانا ، لكن لو سمح الورثة الباقون أن
يشركوه فلا حرج عليهم إذا كانوا مكلفين مرشدين وسمحوا ؛ بأن يرث معهم هذا القاتل ؛
لأن الحق لهم وقد أسقطوه ” انتهى من “مجموع فتاوى” ابن باز (20/261).
وينظر فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (11/208) .
والذي نراه في هذا ـ إذا لم يتفق الورثة على شيء ، وتنازعوا ـ أن يتم رفع القضية
إلى القضاء الشرعي ، فيحكم القاضي بما يراه صواباً ، ويكون قوله ملزماً لجميع
الورثة .
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟