نحن طلاب سعوديون ، مبتعثون للدراسة في بريطانيا ، وبالتحديد : في مدينة ” Birmingham ” , وتواجهنا في مثل هذه الأيام – ومع بداية فصل الصيف – مشكلة ” طول الفترة بين دخول المغرب ، ودخول العشاء ” .
وفي كل عام تثار ضجة بين المسلمين فيما يفعلون ، فبعض المساجد تصلي العشاء بعد 90 دقيقة من دخول المغرب ، والبعض ينتظر غياب حمرة الشفق لمدة تصل إلى 3 ساعات أحياناً !! مما يوقع الناس في حرج ، خصوصاً مع قصر الليل .
نحن المسلمون في سكن الكلية في مثل هذه الأيام نصلي العشاء في جماعتين ، الأولى : تصلي بعد 90 دقيقة , وتعتمد على ما يلي :
أ. أن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله قد ذكر في إحدى خطبه أن أقصى مدة بين دخول المغرب والعشاء هي ساعة واثنين وثلاثين دقيقة .
ب. بناء على فتوى من أحد المشايخ المشهورين في المملكة .
ج. أن الشفق لا يغيب طوال الليل في بعض الأجزاء ، وبعض الفصول من السنَة .
د. أن بعض المساجد ، والمراكز الإسلامية تعتمد نظام الـ 90 دقيقة .
هـ. أن الحرمين الشريفين تعتمد هذا النظام .
أما الجماعة الأخرى : فتصلي متأخرة ، بناء على ما يلي :
أ. فتوى اللجنة الدائمة ، بأن تصلى كل صلاة بتوقيتها الشرعي ، حسب علامتها الشرعية ( إذا تميز الليل من النهار ) .
ب. فتوى من شيخ آخر مشهور ، في السعودية ، أكد فيها أن نظام الـ 90 دقيقة اجتهاد خاطئ .
ج. أن بعض المساجد ، والمراكز الإسلامية ، تفعل هذا .
د. التقويم المعتمد من ” رابطة العالم الإسلامي ” .
وفي حقيقة الأمر – يا فضيلة الشيخ – أن تقويم ” الرابطة ” يوقعنا في حرج ، ومشقة ، في بعض فصول السنَة .
نحن نعتمد في تقاويم الصلاة على الموقع التالي :
www.islamicfinder.org
والذي يوفر جميع التقاويم ، وطرق الحساب المعروفة ، بالإضافة إلى إمكانية التعديل الشخصي .
ونظراً لأننا لم نجد في الإنترنت ، ولا غيره ، بحثاً مؤصَّلاً في هذه المسألة ، ولا فتوى واضحة : فإننا – يا فضيلة الشيخ – ننتظر منكم البحث الكافي ، والجواب الشافي ، الذي نسأل الله أن يوحد به القلوب ، ويجمعها على الحق ، في هذه المسألة .
وجزاكم الله خيراً .
وقت صلاة العشاء في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق إلا متأخراً
السؤال: 135415
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
من شروط صحة الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم : دخول وقت الصلاة ، قال تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً ) النساء/ 103 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
أي : مفروضاً في وقته ، فدلَّ ذلك على فرضيتها ، وأن لها وقتاً لا تصح إلا به ، وهو هذه الأوقات التي قد تقررت عند المسلمين ، صغيرهم ، وكبيرهم ، عالمهم ، وجاهلهم .
” تفسير السعدي ” ( ص 198 ) .
ثانياً :
أول وقت صلاة المغرب : مغيب قرص الشمس في الأفق , وآخره – وبه يدخل وقت العشاء – : مغيب الشفق الأحمر .
فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (وَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتِ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ ، وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ) رواه مسلم (612) .
وهذه المواقيت المحددة في الشرع إنما تكون في البلاد التي فيها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة ، ولا عبرة بطول النهار وقصَر الليل في هذه الحال ، إلا أن يكون وقت العشاء لا يتسع لأداء الصلاة ، فإن لم يتسع : فكأنه لا وقت لها ، ويقدَّر بأقرب البلاد إليه مما فيه ليل ونهار يتسعان لأداء الصلوات الخمس .
ومسألتكم هذه مما عُني بها العلماء ، وتداولوها بينهم بالبحث ، والفتوى ، وقد ألَّف بعضهم رسالة مستقلة فيها بعنوان ” وقت صلاة العشاء ووقت الإمساك في المناطق التي لا يغيب فيها الشفق إلا متأخرًا ويطلع الفجر مبكراً ” وهي لرئيس مركز البحوث الإسلامية في إستانبول ، الدكتور “طيار آلتي قولاج ” ، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة إلى ثلاثة أقوال :
القول الأول : الأخذ برخصة الجمع بين المغرب والعشاء ؛ لوجود المشقة التي لا تقل عن المطر ، وغيره من أعذار الجمع .
والقول الثاني : تقدير وقت صلاة العشاء ، ودعا بعضهم إلى جعل الاعتبار في هذا : مكة المكرمة ، وممن قال بهذا القول صاحب الرسالة آنفة الذِّكر .
والقول الثالث : الالتزام بالأوقات الشرعية للعشاء ، وهي مغيب الشفق ، ما دام الوقت يتسع لأداء الصلاة .
وهذا القول الأخير هو الذي نراه راجحاً ، وهو الذي تدل عليه النصوص النبوية ، وبه يفتي هيئة كبار العلماء ، واللجنة الدائمة للإفتاء ، والشيخان : العثيمين ، وابن باز ، وغيرهم من أهل العلم .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
وهذه المواقيت المحددة : إنما تكون في مكان يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة ، سواء تساوى الليل والنهار ، أم زاد أحدهما على الآخر زيادة قليلة أو كثيرة .
أما المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة : فلا يخلو : إما أن يكون ذلك مطرداً في سائر العام ، أو في أيام قليلة منه .
فإن كان في أيام قليلة منه ، مثل أن يكون المكان يتخلله الليل والنهار في أربع عشرين ساعة طيلة فصول السنة ، لكن في بعض الفصول يكون فيه أربعاً وعشرين ساعة أو أكثر والنهار كذلك : ففي هذه الحالة إما أن يكون في الأفق ظاهرة حية يمكن بها تحديد الوقت ، كابتداء زيادة النور مثلاً ، أو انطماسه بالكلية ، فيعلَّق الحكم بتلك الظاهرة ، وإما أن لا يكون فيه ذلك فتقدر أوقات الصلاة بقدرها في آخر يوم قبل استمرار الليل في الأربع والعشرين ساعة أو النهار … .
إما إذا كان المكان لا يتخلله الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة طيلة العام في الفصول كلها : فإنه يحدد لأوقات الصلاة بقدرها ؛ لما رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم ذكر الدجال الذي يكون في آخر الزمان فسألوه عن لبثه في الأرض فقال : (أربعون يوماً ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم) ، قالوا : يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال : (لا ، اقدروا له قدره) .
… فإذا ثبت أن المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار يقدر له قدره فماذا نقدره ؟
… يرى بعض العلماء : أنه يقدر بالزمن المعتدل ، فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة ، وكذلك النهار ؛ لأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط ، كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز .
ويرى آخرون : أنه يقدَّر بأقرب البلاد إلى هذا المكان ، مما يحدث فيه ليل ونهار في أثناء العام ؛ لأنه لما تعذر اعتباره بنفسه : اعتُبر بأقرب الأماكن شبهاً به ، وهو أقرب البلاد إليه التي يتخللها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة .
وهذا القول أرجح ؛ لأنه أقوى تعليلاً ، وأقرب إلي الواقع .
“مجموع فتاوى الشيخ العثيمين” (12/197 ، 198) .
وهو قول هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ، وأيدته اللجنة الدائمة للإفتاء ، وقد نقلنا فتواهم في جواب السؤال رقم : ( 5842 ) وفيها قولهم :
“… إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في تحديد أوقات الصلوات الخمس ، قولاً ، وفعلاً ، ولم تفرِّق بين طول النهار ، وقصره ، وطول الليل وقصره ، ما دامت أوقات الصلوات متمايزة بالعلامات التي بيَّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم” انتهى .
وبالنظر في حال البلاد التي تدرسون فيها : نجد أن فيها ليلاً ونهاراً في أربع وعشرين ساعة ، وقصَر وقت العشاء ليس بالقدر الذي لا يتسع لأداء الصلاة فيه ، وعليه : فالمتعين في حقكم : أداء الصلوات في أوقاتها الشرعية .
ثالثاً :
إذا كان وقت العشاء يتأخر كثيراً بحيث يكون في أداء الصلاة في وقتها مشقة ، فلا حرج حينئذ من الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء جمع تقديم .
وفي جواب السؤال رقم : (5709) نقلنا عن الشيخ العثيمين رحمه الله قوله :
“وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء : فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب ، إلا أن يشق عليهم الانتظار ، فحينئذ يجوز لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع تقديم ؛ دفعاً للحرج ، والمشقة …” انتهى .
وقد جاء في قرار “المجمع الفقهي الإسلامي” التابع لرابطة العالم الإسلامي :
“تداول أعضاء المجلس في موضوع مواقيت الصلاة ، والصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية ، واستمعوا إلى الدراسات الشرعية ، والفلكية ، المقدمة من بعض الأعضاء ، والعروض التوضيحية للجوانب الفنية ذات الصلة التي تمت التوصية بها في الدورة الحادية عشرة للمجلس ، وقرر ما يلي :
“…
ثالثاً : تقسم المناطق ذات الدرجات العالية إلى ثلاثة أقسام :
المنطقة الأولى : وهي التي تقع ما بين خطي العرض (45ْ) درجة و (48ْ) درجة ، شمالاً وجنوباً ، وتتميز فيه العلامات الظاهرة للأوقات في أربع وعشرين ساعة ، طالت الأوقات ، أو قصرت .
المنطقة الثانية : وتقع ما بين خطي عرض (48ْ) درجة و(66ْ) درجة شمالاً وجنوباً، وتنعدم فيها بعض العلامات الفلكية للأوقات في عدد من أيام السنة، كأن لا يغيب الشفق الذي به يبتدئ العشاء ، وتمتد نهاية وقت المغرب حتى يتداخل مع الفجر .
المنطقة الثالثة : وتقع فوق خط عرض (66ْ) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين ، وتنعدم فيها العلامات الظاهرة للأوقات في فترة طويلة من السنة نهاراً ، أو ليلاً .
رابعاً : والحكم في المنطقة الأولى : أن يلتزم أهلها في الصلاة بأوقاتها الشرعية ، وفي الصوم بوقته الشرعي من تبيّن الفجر الصادق إلى غروب الشمس ؛ عملاً بالنصوص الشرعية في أوقات الصلاة ، والصوم ، ومن عجز عن صيام يوم ، أو إتمامه لطول الوقت : أفطر ، وقضى في الأيام المناسبة …” انتهى .
وهذه الحالة هي التي وقع السؤال عنها كما هو بَيَّن .
وفي قرار لاحق للمجمع الفقهي الإسلامي أكَّد على القرار السابق ، ورخَّص لمن يجد مشقة في أداء صلاة العشاء أن يجمعها مع المغرب ، وقد نصَّ على عدم جعل هذا ديدناً عامّاً ، بل يكون فقط لأصحاب الأعذار ، فقد جاء في ذلك القرار :
“أما إذا كانت تظهر علامات أوقات الصلاة ، لكن يتأخر غياب الشفق الذي يدخل به وقت صلاة العشاء كثيراً : فيرى ” المجمع ” وجوب أداء صلاة العشاء في وقتها المحدد شرعاً ، لكن مَن كان يشق عليه الانتظار وأداؤها في وقتها – كالطلاب ، والموظفين ، والعمَّال أيام أعمالهم – : فله الجمع ؛ عملاً بالنصوص الواردة في رفع الحرج عن هذه الأمة ، ومن ذلك ما جاء في صحيح مسلم وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء بالمدينة ، من غير خوف ولا مطر) ، فسئل ابن عباس عن ذلك فقال : (أراد ألا يُحرج أمته) .
على ألا يكون الجمع أصلاً لجميع الناس في تلك البلاد ، طيلة هذه الفترة ؛ لأن ذلك من شأنه تحويل رخصة الجمع إلى عزيمة …
وأما الضابط لهذه المشقة : فمرده إلى العُرف ، وهو مما يختلف باختلاف الأشخاص ، والأماكن والأحوال” انتهى من ” الدورة التاسعة عشر ” المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي ، بمكة المكرمة ، في الفترة من 22 – 27 شوال 1428هـ، الموافق 3 – 8 نوفمبر2007 م ، القرار الثاني .
رابعاً :
أما تقدير الوقت بين المغرب والعشاء بساعة واثنتين وثلاثين دقيقة : فلم نجده عن الشيخ العثيمين ، ولا غيره ، وقد ذكرنا فيما سبق كلام الشيخ رحمه الله ولم يذكر هذا القول ولا رجحه .
ولعله حصل خطأ من الناقل عن الشيخ ، وأن الشيخ رحمه الله أراد الوقت بين المغرب والعشاء عادة وغالبا في البلاد المتوسطة ، أو في السعودية تحديداً ، وهو الأقرب .
أ. ومن كلامه رحمه الله :
“وقت العشاء لا يختص بالأذان في الحقيقة ؛ لأن وقت العشاء أحياناً في بعض السنة ، وفي بعض الفصول : يكون بين غروب الشمس ودخول وقت العشاء ساعة وربع ساعة ، وأحياناً ساعة وثلث الساعة ، وأحياناً ساعة وخمساً وعشرين دقيقة ، وأحياناً ساعة وثلاثين دقيقة ، يختلف ، لا يمكن أن يُضبط في جميع الفصول” .
” جلسات رمضانية ” .
ب. وقال – رحمه الله – أيضاً – :
وقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر ، فتارة يكون ساعة ونصف ، بين المغرب والعشاء ، وتارة ساعة وثلث وتارة ساعة ، وسبع عشرة دقيقة ، يختلف .
“مجموع فتاوى الشيخ العثيمين” (7/338) .
والخلاصة :
1-في البلاد التي يوجد بها ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة : يجب الالتزام بالصلوات في أوقاتها الشرعية ، ولو طال الليل ، أو قصر .
2- في البلاد التي لا يكون فيها ليل ونهار في أربع وعشرين ساعة : يُلتزم في صلواتها بأقرب مكان إليهم يوجد فيه ليل ونهار .
3-في البلاد التي يتصل بها الشفق إلى الفجر ، أو يغيب ولا يتسع الوقت لصلاة العشاء : يُلتزم بأقرب مكان إليهم يوجد فيه متسع من الوقت لصلاتها .
4- يجوز لأهل الأعذار الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء إن تعذر عليهم انتظار وقت العشاء .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة