ورثنا عن والدي رحمة الله عليه مبلغاً من المال ، يقدَّر بأكثر من مائة ألف ريال , وكان الوكيل في تحصيل هذا المال من مؤسسة التقاعد هو عمي , وقام بعد تحصيل المال بفرض الوصاية عليه ، والاحتفاظ به ، وعدم إعطاء أي شخص من الورثة حقه ، بحجة حفظ حقوق الأيتام من الضياع ، علماً أن هناك من مات من الورثة , ولم يحصل على حقه ، مثل جدي رحمة الله عليه ، فكان قد مات بعد والدي ، وظلَّ المال عند عمِّي قرابة ثلاثة عشر سنة ، أي : تقريباً من عام 1417 إلى عام 1430 ، وبعدما كبر جميع الأيتام تم دفع المال إلينا كاملاً ، ولم يتم قسمته على الورثة إلى الآن .
السؤال :
هل على المال هذا طوال الفترة السابقة زكاة ؟ وكم تكون زكاته التقريبية ؟ علماً أن له – كما أسلفت – 13 عاماً تقريباً ، علماً أيضا أن حالة الورثة ليس جيدة ماليّاً ، والورثة هم أم ، وستة إخوة ، وثلاث بنات .
وشكراً .
حبس الوصي مال الميراث عن الصغار والكبار ثلاثة عشر عاماً فهل عليهم زكاة عند قبضه ؟
السؤال: 136047
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
حفظ أموال اليتامى واجب على الدولة ، وعلى أوصياء أولئك الأيتام ، كما قال تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلا مَعْرُوفًا . وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) النساء/ 5 ، 6 .
قال ابن كثير رحمه الله :
نهى تعالى عن تَمْكين السفهاء من التصرّف في الأموال التي جعلها الله للناس قياماً ، أي : تقوم بها معايشهم ، من التجارات ، وغيرها ، ومن هاهنا يُؤْخَذُ الحَجر على السفهاء ، وهم أقسام : فتارة يكون الحَجْرُ للصغر ، وتارة يكون الحجرُ للجنون ، وتارة لسوء التصرف ؛ لنقص العقل ، أو الدين ، وتارة يكون الحجر للفَلَس ، وهو ما إذا أحاطت الديون برجل وضاقَ ماله عن وفائها ، فإذا سأل الغُرَماء الحاكم الحَجْرَ عليه : حَجَرَ عليه .
“تفسير ابن كثير” (2/214) .
فإذا مات الميت : وجب أن يقوم أحد الأولياء بحفظ أيتام ذلك الميت ، حتى يأنس منه الرشد ، وحسن التصرف بالمال , وأما بقية الورثة (وهم البالغون) : فلا يجوز حبس مالهم ، بل يدفع لهم نصيبهم من الميراث .
وانظر جواب السؤال رقم : (13262) .
ثانياً:
ذهب جمهور العلماء إلى وجوب الزكاة في مال الصبي ، واليتيم ، والمجنون ، فالزكاة لا تعلُّق لها بالتكليف .
وانظر جواب السؤال رقم : (75307) .
فعلى هذا : تجب الزكاة في التركة بعد مضي سنَة من وفاة المورِّث ، كما ذكر العلماء .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ويعتبر الحول في أموالهم من حين مات والدهم ؛ لأنها بموته دخلت في ملكهم .
“فتاوى الشيخ ابن باز” (14/240) .
وانظر جواب السؤال رقم : (117209) .
ثالثاً:
أما بخصوص الزكاة المترتبة على أموال الورثة : فهي على قسمين :
الأول : ما كان منها للكبار غير الأيتام – كمال جدكم ، ووالدتكم – : فهذه لا زكاة فيها إلا عند قبضها ، وتزكى لعام واحد ؛ لأنها كانت محجوزة عند مغتصب لها ، وغير مقدور على الانتفاع بها ، فيكون حكمها حكم الدَّيْن على المعسِر ، ومن مات من الورثة قبل قبض ماله (كجدكم) فلا زكاة عليه .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
أما إذا كان الدَّين على معسر ، أو غني لا يمكن مطالبته : فإنه لا يجب عليه زكاته لكل سنة ؛ وذلك لأنه لا يمكنه الحصول عليه ، فإن الله تعالى يقول : ( وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، فلا يمكن أن يستلم هذا المال ، وينتفع به ، فليس عليه زكاته ، ولكن إذا قبضه : فمِن أهل العلم من يقول : يستقبل به حولاً من جديد ، ومنهم من يقول : يزكي لسنة واحدة ، وإذا دارت السنة : يزكيه أيضاً ، وهذا أحوط .
” مجموع فتاوى الشيخ العثيمين ” ( 18 / 16 ) .
القسم الثاني : أموال اليتامى ، وهذه تزكى للسنوات الماضية كلها ، وليس لها حكم زكاة الكبار ؛ لأن بقاءها في يد الوصي ، أو الولي : ليس اغتصاباً لها ، بل هو من شرع الله تعالى ، وإن كان يستحب الاتجار بها ، لكنَّ عدم الاتجار لا يمنع من إيجاب الزكاة على تلك الأموال .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
ويستحب التجارة بمال اليتيم ؛ لقول عمر وغيره : (اتجروا بأموال اليتامى كي لا تأكلها الصدقة).
“الفتاوى الكبرى” (5/398) .
وطريقة إخراج الزكاة : أن تُحسب حصة كل واحد من الأيتام من الميراث ، ويخرج زكاتها ، عن السنوات الماضية من أول موت الوالد إلى حين بلوغه ، فيخرج زكاة هذه السنوات كلها ، أما بعد البلوغ فكان الواجب على عمكم أن يعطي من بلغ من أولاد أخيه حقه من الميراث إذا كان رشيداً ، لقول الله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء/6 .
فيكون المال عند عمكم في هذه الحالة كالمال المغصوب ، فلا زكاة فيه إلا بعد قبضه ، فيزكى عن سنة واحدة ، عن المدة من أول بلوغ صاحبه إلى حين قبضه المال .
ومقدار الزكاة الواجب إخراجه كل عام هو 2.5 بالمائة من المال .
وما تبقى للورثة من المال بعد إخراج الزكاة فهو مال طيب ، فليحمدوا الله تعالى ، وليشكروه ، وليثقوا بربهم أنه سيزكيهم ويطهرهم بتلك الصدقة ، كما قال سبحانه : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) التوبة/ 103 ، وليثقوا بربهم تعالى أنه سيبارك لهم في مالهم ، وأن مالهم لن يُنقص بإخراج تلك الزكاة منه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (مَا نَقَصَت صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) رواه مسلم ( 2588 ) .
هذا ، ويجب على عمِّك التوبة من حجز أموال الورثة الكبار ، ويجب عليه دفع حصة جدكم لورثته ؛ حيث كان من أصحاب الحق في ميراث ابنه ، ونصيبه سدس الميراث .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة