معنى التعزير
السؤال: 138334
ما معنى الحكم بالقتل تعزيرا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
العقوبات في الشريعة الإسلامية ثلاثة أنواع :
1-
القصاص : في جرائم القتل والتعدي على الأطراف والجنايات .
2-
الحدود : وهي العقوبات المقدرة شرعا : كحد الزنى ، وحد السرقة ، ونحوهما .
3-
التعزير : وهو التأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود .
”
الأحكام السلطانية ” للماوردي (ص/236) .
فإذا ارتكب أحدهم مخالفة شرعية لم يرد الشرع بتقدير عقوبة خاصة بها ، ورأى القاضي
أنها من الخطورة بقدر بحيث تستحق العقوبة عليها ، فإن له أن يعاقب هذا المتعدي بما
يراه مناسبا لجرمه وذنبه ، وهذا ما يسميه الفقهاء بـ ” التعزير “، وله أحكام
وتفصيلات كثيرة مذكورة في مطولات الفقه .
ولما كان مقصد التعزير هو التأديب ، كان الأصل ألا يبلغ التعزير إلى حد القتل بحال
من الأحوال ، لكن لما رأى الفقهاء أن بعض الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة تدل على
إيقاع عقوبة القتل على هذا الوجه ، كانت لهم بعض الاستثناءات التي تجيز القتل
كعقوبة تعزيرية وليست حدية ، وذلك لخطر بعض الجرائم العظيمة ، ولتحقيق المصلحة
العامة للدولة والمجتمع الإسلامي .
جاء
في ” الموسوعة الفقهية ” (12/263) :
”
الأصل : أنه لا يبلغ بالتعزير القتل ، وذلك لقول الله تعالى : ( ولا تقتلوا
النفس التي حرم الله إلا بالحق ) الأنعام/151 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (
لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك
لدينه المفارق للجماعة ) متفق عليه.
وقد
ذهب بعض الفقهاء إلى جواز القتل تعزيرا في جرائم معينة بشروط مخصوصة ، من ذلك:
1-
قتل الجاسوس المسلم إذا تجسس على المسلمين :
وذهب إلى جواز تعزيره بالقتل مالك ، وبعض أصحاب أحمد ، ومنعه أبو حنيفة ، والشافعي
، وأبو يعلى من الحنابلة ، وتوقف فيه أحمد .
ومن
ذلك :
2-
قتل الداعية إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة كالجهمية :
ذهب
إلى ذلك كثير من أصحاب مالك ، وطائفة من أصحاب أحمد .
3-
وأجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من الجرائم ، إذا كان جنسه يوجب القتل ،
كما يقتل من تكرر منه اللواط أو القتل بالمثقل .
4-
وقال ابن تيمية : وقد يستدل على أن المفسد إذا لم ينقطع شره إلا بقتله فإنه يقتل ،
بما رواه مسلم في صحيحه عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : ( من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ، أو
يفرق جماعتكم فاقتلوه ) ” انتهى.
قال
الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله :
”
يظهر من مباحث القتل تعزيرا على سبيل الإجمال والتفصيل : أن القتل تعزيرا مشروع عند
عامة الفقهاء ، على التوسع عند البعض ، والتضييق عند آخرين في قضايا معينة .
وأن
القول الصحيح الذي يتمشى مع مقاصد الشرع وحماية مصالح الأمة وحفظ الضروريات من أمر
دينها ودنياها : هو القول بجواز القتل تعزيرا حسب المصلحة ، وعلى قدر الجريمة ، إذا
لم يندفع الفساد إلا به ، على ما اختاره ابن القيم رحمه الله تعالى .” انتهى.
”
الحدود والتعزيرات عند ابن القيم ” (ص/493)
وقال الشيخ عبد القادر عودة رحمه الله :
”
الأصل في الشريعة أن التعزير للتأديب ، وأنه يجوز من التعزير ما أمنت عاقبته غالباً
، فينبغي أن لا تكون عقوبة التعزير مهلكة ، ومن ثم فلا يجوز في التعزير قتل ولا قطع
.
لكن
الكثيرين من الفقهاء أجازوا ـ استثناءً من هذه القاعدة العامة ـ أن يعاقب بالقتل
تعزيراً إذا اقتضت المصلحة العامة تقرير عقوبة القتل ، أو كان فساد المجرم لا يزول
إلا بقتله ، كقتل الجاسوس والداعية إلى البدعة ومعتاد الجرائم الخطيرة .
وإذا كان القتل تعزيراً قد جاء استثناء من القاعدة ، فإنه لا يتوسع فيه ، ولا يترك
أمره للقاضي ككل العقوبات التعزيرية ، بل يجب أن يعين ولي الأمر الجرائم التي يجوز
فيها الحكم بالقتل . وقد اجتهد الفقهاء في تعيين هذه الجرائم وتحديدها ، ولم يبيحوا
القتل إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك ، بأن كان المجرم قد تكررت جرائمه ويُئِس من
إصلاحه ، أو كان استئصال المجرم ضرورياً لدفع فساده وحماية الجماعة منه .
ويبيح الحنفيون عامة القتل تعزيراً ويسمونه القتل سياسة ، ويرى بعض الحنابلة هذا
الرأي وعلى الأخص ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، ويأخذ بهذا الرأي قليل من المالكية
، ولكن أكثر الجرائم التي يبيح فيها الحنفية القتل تعزيراً ، أو سياسةً ، يعاقب
عليها حداً أو قصاصاً في المذاهب الأخرى ، فما يظن توسعاً في مذهب الحنفية من هذه
الوجهة ، هو توسع ظاهري في أكثر الحالات . فمثلاً يبيح الحنفية القتل تعزيراً في
جريمة القتل بالمثقل ، وفي جريمة اللواط ، ولا يرون القتل قصاصاً في الحالة الأولى
، أو حداً في الحالة الثانية ، بينما يرى مالك والشافعي وأحمد قتل القاتل بالمثقل
قصاصاً ، وقتل اللائط والملوط به حداً ، ويرى بعض الحنابلة والمالكية قتل الداعية
إلى البدعة تعزيراً ، بينما يراه غيرهم مرتداً بدعوته للبدعة فيقتل حداً .
والقتل تعزيراً بالشروط السابقة لا يمكن أن يكون إلا في جرائم تعزيرية محدودة العدد
، وقد رأينا فيما سبق أن الشريعة جعلت القتل عقوبة في أربع جرائم من جرائم الحدود ،
وهي : الزنا ، والحرابة ، والردة ، والبغي .
وجعلته عقوبة في جريمة واحدة من القصاص ، وهي القتل العمد .
فإذا قدرنا أن الجرائم التعزيرية التي يمكن العقاب عليها بالقتل تصل إلى خمس جرائم
أيضاً ، كانت كل الجرائم المعاقب عليها بالقتل في الشريعة لا تزيد على عشر جرائم
عند من يجيزون القتل تعزيراً ، وكان عددها لا يزيد على خمس جرائم عند من لا يبيحون
القتل تعزيراً ، وتلك ميزة انفردت بها الشريعة الإسلامية من يوم نزولها ، فهي لا
تسرف في عقوبة القتل ولا تفرضها دون مقتض .
ونستطيع أن نحيط بمدى تفوق الشريعة في هذه الوجهة إذا علمنا أن القوانين الوضعية
كانت إلى أواخر القرن الثامن عشر تسرف في عقوبة القتل إلى حد بعيد ، بحيث كان
القانون الإنجليزي ـ مثلاً ـ يعاقب على مائتي جريمة بالإعدام ، والقانون الفرنسي
يعاقب على مائة وخمس عشرة جريمة بالإعدام . ” انتهى.
”
التشريع الجنائي في الإسلام ” (1/687-689) .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟