حكم الهبوط بالمظلة من الطائرة
السؤال: 138420
هل يجوز تجربة الهبوط بالمظلة من الطائرة ، وهل إذا مات الشخص وهو يهبط يعتبر انتحارا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
إذا كان الهبوط بالمظلة من الطائرة يقوم به الجيش والمجندون لغرض التدريب على أساليب القتال الحديثة
والمناورات الحربية فلا بأس به ، بل هو مأمور به
، لقوله تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ
رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) الأنفال / 60
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” أي ( وَأَعِدُّوا ) لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم ( مَا
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ) أي : كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية
وأنواع الأسلحة ، ونحو ذلك مما يعين على قتالهم ، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي
تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات ، من المدافع والرشاشات ، والبنادق ، والطيارات
الجوية ، والمراكب البرية والبحرية ، والحصون والقلاع والخنادق ، وآلات الدفاع ،
والرأْي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم ، وتَعَلُّم
الرَّمْيِ ، والشجاعة والتدبير .
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن القوة الرَّمْيُ ) ومن ذلك :
الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال ، ولهذا قال تعالى : ( وَمِنْ رِبَاطِ
الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) وهذه العلة موجودة
فيها في ذلك الزمان ، وهي إرهاب الأعداء ، والحكم يدور مع علته .
فإذا كان شيء موجود أكثر إرهابا منها ، كالسيارات البرية والهوائية ، المعدة للقتال
التي تكون النكاية فيها أشد ، كانت مأمورا بالاستعداد بها ، والسعي لتحصيلها ، حتى
إنها إذا لم توجد إلا بتعلُّم الصناعة ، وجب ذلك ؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو
واجب ” انتهى .
“تفسير السعدي” (ص 324-325) .
وأما إذا كان الهبوط على سبيل الرياضة واللعب والترفيه : فلا يجوز ، وأقل أحواله
الكراهة إن كان الغالب على الظن السلامة ، فإن غلب على الظن أن ممارسه يتلف ، أو
يصيبه ضرر في بدنه أو نفسه : حرم حينئذ .
عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ
، وَغَزَوْنَا نَحْوَ فَارِسَ ، فَقَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ بَاتَ فَوْقَ بَيْتٍ لَيْسَتْ لَهُ إِجَّارٌ ،
فَوَقَعَ فَمَاتَ ، فَبَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ . وَمَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ عِنْدَ
ارْتِجَاجِهِ فَمَاتَ ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ ) .
رواه الإمام أحمد في مسنده (20224) ، وحسنه الألباني .
قال ابن بطال رحمه الله :
” ومعناه إن شاء الله – : فقد برئت منه ذمة الحفظ ؛ لأنه ألقى بيده إلى التهلكة
وغرر بنفسه ، ولم يرد فقد برئت منه ذمة الإسلام ؛ لأنه لا يبرأ أحد من الإسلام إلا
بالكفر” . انتهى.
“شرح البخاري” (5/89) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” ومفهومه الجواز عند عدمه ، وهو المشهور من أقوال العلماء ؛ فإذا غلبت
السلامة فالبر والبحر سواء ” انتهى . “فتح الباري” (6/88) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
هل تجوز المغامرة بالنفس أو المخاطرة ، كما نرى حالياً في بعض أنواع الرياضة
العنيفة التي قد تؤدي بمن يمارسها إلى الهلاك ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
” هذا محرم ، ولا يجوز للإنسان أن يغرر بنفسه فيما يخشى منه التلف أو الضرر ؛ لأن
الله تعالى يقول ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيماً ) وإذا كان الله تعالى قد نهى عن ذلك فقال ( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ
) ؛ فإن كل شيء يؤدي إلى الموت أو يؤدي إلى الضرر فإنه أيضاً محرم . قال النبي صلى
الله عليه وسلم ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ) فكما أن الإنسان لا يحل
له أن يعتدي على غيره ، فلا يحل له أن يعتدي على نفسه بتعريضها لما فيه التلف أو
الضرر ” انتهى .
“فتاوى نور على الدرب” (13/252) .
فالحاصل :
أن من قام بذلك النوع من الأعمال والمخاطرات : فإن كان ذلك من أجل التدريب على
أساليب القتال الحديثة لإعداد القوة للأعداء: فلا حرج عليه فيه ، بل هو مأجور عليه
إن شاء الله ، لكن ينبغي على المسؤول عن ذلك والقائم عليه : أن يتخير من يصلح لهذا
النوع من المهمات ، من حيث استعداده البدني والنفسي ، وقدرته على القيام بهذا النوع
من المهام ، ومراقبة تدرجه في النهوض بأعباء ذلك ، قبل أن يمارس المهمة فعلا .
فإن مات ، أو تضرر بذلك ، فليس قاتلا لنفسه ، بل هو مأجور على قصده وعمله ، إن شاء
الله .
وأما لمجرد الرياضة والتسلية ، كما هو شائع اليوم ، ففيه التفصيل السابق .
والله تعالى أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟