كيف يكون تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء
السؤال: 138812
لا أعرف ما تقصدون في تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
المقصود بتمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء : هو البداءة بحمد الله تعالى وشكره ،
وذكر بعض أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، والاعتراف بين يديه سبحانه وتعالى بالذل
والفقر إليه، لتكون هذه الكلمات تمهيدا لسؤاله عز وجل ، فهو سبحانه يحب من عبده
التذلل إليه ، والاعتراف بعظيم نعمه وجليل فضله ، فإذا قدم العبد صدق التذلل ، ثم
أتبعه بصدق الدعاء والمسألة ، كان ذلك أدعى لإجابة الدعاء .
عن
فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال :
(
سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يَدْعُو فِي
صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجِلَ هَذَا . ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ :
إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ ،
وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ )
رواه أبو داود (1481) ، والترمذي (3477) وقال : حسن صحيح .
ومن
أمثلة تمجيد الله والثناء عليه قبل الدعاء ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال :
(
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ
يَتَهَجَّدُ قَالَ :
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ
، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ ،
وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ ، وَوَعْدُكَ حَقٌّ ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ ،
وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ ، وَالنَّارُ حَقٌّ ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ ،
وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ ،
وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ
، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ :
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ
، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ – أَوْ
لَا إِلَهَ غَيْرُكَ – )
رواه البخاري (1120) ومسلم (769) .
فتأمل كيف قدم النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبدأ بالدعاء جملا كثيرة ، كلها حمد
لله ، وثناء عليه ، وتمجيد له ، واعتراف بالفقر إليه ، وإقرار بألوهيته وربوبيته
وأسمائه وصفاته ، ثم بعد ذلك كله بدأ بالدعاء ، وقد كان جملة واحدة فقط ، وهي :
فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
”
فيه استحبابُ تقديم الثناء على المسألة عند كلِّ مطلوب ، اقتداءً به صلى الله عليه
وسلم ” انتهى.
”
فتح الباري ” (3/5)
ويقول الدكتور عبد الرزاق البدر :
”
إنَّ من ضوابط الدعاء المهمة وآدابه العظيمة أن يقدِّم المسلم بين يدي دعائه
الثناءَ على ربِّه بما هو أهلُه من نعوت الجلال ، وصفات العظمة والكمال ، وذكر جوده
وفضله وكرَمه وعظيم إنعامه ، وذلك أنَّه أبلغُ ما يكون في حال السائل والطالب
ثناؤُه على ربِّه ، وحمدُه له ، وتمجيدُه ، وذكرُ نعمه وآلائه ، وجعل ذلك كلِّه بين
يدي مسألته وسيلةً للقبول ومفتاحاً للإجابة.
ومَن يتأمّل الأدعيةَ الواردة في الكتاب والسنة يجد كثيراً منها مبدوءاً بالثناء
على الله وعدِّ نِعمه وآلائه ، والاعتراف بفضله وجوده وعطائه ، ومن الأمثلة على ذلك
الدعاءُ العظيم الذي اشتملت عليه سورة الفاتحة التي هي أعظم سور القرآن الكريم
وأجلُّها ( اهدنا الصراط المستقيم )
فهذا الدعاءُ العظيم مبدوءٌ بالثناء على الله وحمده وتمجيده ، مما هو سببٌ لقبوله ،
ومفتاحٌ لإجابته .
قال
ابن القيم رحمه الله : ولما كان سؤال الله الهدايةَ إلى الصراط المستقيم أجلَّ
المطالب ، ونيلُه أشرفَ المواهب ، علّم الله عبادَه كيفيةَ سؤاله ، وأمرهم أن
يقدِّموا بين يديه حمدَه والثناء عليه وتمجيدَه ، ثمَّ ذكر عبوديتهم وتوحيدهم ،
فهاتان وسيلتان إلى مطلوبهم ، توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته ، وتوسلٌ إليه بعبوديته ،
وهاتان الوسيلتان لا يكاد يُردُّ معهما الدعاء … إلى أن قال رحمه الله :
وقد
جَمعت الفاتحة الوسيلتين ، وهما التوسلُ بالحمد والثناء عليه وتمجيده ، والتوسلُ
إليه بعبوديته وتوحيده ، ثمَّ جاء سؤال أهم المطالب وأنجح الرغائب ، وهو الهداية
بعد الوسيلتين ، فالداعي به حقيقٌ بالإجابة .
ومن
الأمثلة على ذلك دعاء يوسف عليه السلام : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ المُلْكِ
وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيث فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ
وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ ) ، ودعاء أيوب عليه السلام ، قال تعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ
نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ،
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلعَابِدِينَ ) ، ودعاءُ
أولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوداً وعلى جنوبهم ، ويتفكرون في خلق
السموات والأرض ( رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا
عَذَابَ النَّارِ ) ، ودعاءُ الملائكة : ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً
وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهْمْ عَذَابَ
الجَحِيمِ ) ، والأمثلة على ذلك كثيرةٌ جداًّ ، يطول عدُّها ، فينبغي على المسلم أن
يحافظ على هذا الأدب الرفيع عند سؤاله له سبحانه بأن يُثْنِيَ عليه ويَحمده ويمجّده
، ويعترف بفضله وإنعامه ، ثمَّ يسأله بعد ذلك ما يشاء من خَيْرَي الدنيا والآخرة ”
انتهى.
”
فقه الأدعية والأذكار ” (2/203-207)
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟