أنا فتاة ( 23 ) سنَة ، أدرس في ألمانيا منذ 4 سنوات ، وكنت أعيش مع أهلي في دولة عربية مسلمة ، وبعد الثانوي سافرت إلى أخي الذي يعيش في هذه الدولة الغربية ، وبعد مدة انتهى أخي من الدراسة ، وبحكم عمله اضطر إلى السفر إلى مدينة أخرى ، وبقيت في مدينتي الدراسية مع صديقتي أسكن معها , وبدأت أنشر نشرات عن الدين الإسلامي أدعو بها إلى دين الله , وأتمنى من الله أن يرزقني الزوج الذي يعينني على مواصلة هذا المشوار , لكن – يا فضيلة الشيخ – أنا أحس أن بقائي في هذه الدولة بدون محرم للدراسة ذنب ، وأنا عزمت إن شاء الله أن أرجع نهائيَّا إلى أهلي , لكن أهلي يرفضون أشد الرفض , ويقولون : كيف تعودين بعد أن صرفنا عليك الكثير من المال , مع العلم أني لم أكن أعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بريء من المسلم المقيم بين المشركين ، وآسف على الإطالة .
أفيدوني ، وفقكم الله لما يحب ويرضى ، ماذا أفعل ؟ أنا حائرة ، وادع الله لي أن يبدلني بدل هذه الدولة بالزوج الصالح المتدين وأن أجاهد عنده .
تريد ترك ديار الكفر والرجوع إلى أهلها وهم يأبون عليها ذلك فكيف تتصرف ؟
السؤال: 139025
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
إقامة المسلم بين أظهر المشركين خطرها عظيم لما في كثير من تلك البيئات من تحلل من الأخلاق الفاضلة وانحراف عن الفطرة السوية ، ولا يشك عاقل على علم ودراية بتلك البيئات ما لها من آثار سيئة على المسلم الذي يعيش فيها.
ولينظر العقلاء إلى ما جاء به الشرع الحكيم من أحكام تحفظ على الناس دينهم وأعراضهم ، وليعضوا عليها بالنواجذ وليعملوا بها ، فهو خير لهم في دنياهم وأخراهم ، فها هي صحابية جليلة في مجتمع طاهر تريد الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الله تعالى الحج ، وها هو زوجها يريد الذهاب للقتال في سبيل الله تعالى ، فيمنع النبي صلى الله عليه وسلم زوجها من الذهاب إلى الجهاد ويأمره أن يسافر مع امرأته ويكون محرماً ومرافقاً لها في حجتها ، فقد روى البخاري ( 3006 ) ومسلم ( 1341 ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلا تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ ) فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً ، قَالَ ( اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ ) . فإذا كان هذا هو الحكم الشرعي في ذاك الزمان الطاهر بأهله وبيئته فماذا يقال في زماننا هذا ، إذا كان الحال هو أن امرأة تريد السفر إلى بلاد الكفر وحدها ، وتريد الدراسة في بيئة مختلطة مع الكفار ، وتقيم بين أظهرهم من غير وجود أحد من أهلها ؟! .
وإن الظروف التي تعيشها السائلة في تلك البلاد تجعلنا نحثها ، ونؤكد عليها أن تصر على ما عزمت عليه من الرجوع إلى بلدها المسلم ، لتكون بين أهلها ، فإقامة امرأة عزبة في بلاد الكفر ، مع دراسة في بيئة مختلطة ، وليس عندها أهل يعتنون بها ويحافظون عليها : كل ذلك لا يشك في خطره على دين تلك المرأة إلا من لا يعرف تلك الحال ، أو لا يقيم للخطر على الدين والعرض وزنا !!
فلا ينبغي لأهلك أن يجعلوا ما بذلوه من مال مانعاً من رجوعك إليهم ، وليتأملوا في أحوال من سقط في براثن أعداء الإسلام والخلُق والفطرة من الرجال والنساء في تلك البلاد من الطلاب والطالبات ، وليتأملوا في عواقب ذلك على أهاليهم وكيف أنهم مستعدون الآن لبذل الغالي والنفيس من أجل إصلاح ما أفسدته تلك البيئات لأبنائهم وبناتهم ، وليس كل ما فسد يمكن إصلاحه ، والسعيد من اتعظ بغيره ، وليعلم والدكِ أنه مسئولٌ يوم القيامة عنكِ فهو الراعي في بيته وهو مسئول عنها ، كما روى البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) .
نسأل الله تعالى أن يهديَ أهلك لما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، وأن يوفقهم لما يحبه الله ويرضاه منهم ، واحرصي على أن يكون رجوعك برضاهم قدر المستطاع ، فإن لم تنجحي في ذلك فلا يحل لك طاعتهم بالبقاء هناك ، ويجب عليك الرجوع إليهم ، وأنتِ بذلك ترضين ربَّك عز وجل فلا يهمك سخط أهلك وغيرهم عليك ، واعلمي أن الأمر لن يطول ـ إن شاء الله ـ وسيُحفظ لك موقفك عندهم ، وسيرضون عنكِ وسيتبين لهم أن ما فعلتِه هو الصواب بلا ريب ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَن التَمَسَ رِضَا الله بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ ، وَمَنْ التَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ الله سَخِطَ الله عَلَيْهِ وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاسَ ) رواه ابن حبان في ” صحيحه ” ( 1 / 501 ) ، وصححه الألباني في ” السلسلة الصحيحة ” ( 2311 ) .
وانظري أجوبة الأسئلة ( 112188 ) ( 118132 ) (27211 ) .
نسأل الله تعالى أن يربط على قلبك ، وأن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يرزقك زوجاً صالحاً يعينك على إقامة دينك ، وأن يرزقك ذرية طيبة ، إنه سميع مجيب .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة