هل يجوز في الردود السخرية بأهل البدع والمستهزئين بالشرع والفسَّاق ؟
السؤال: 139345
دائماً يا شيخ – حفظك الله – إذا أخطأ شيخ فاضل ، أو طالب علم ، أو أحد من الناس ، وكان كلامه خطأ ، أو ظنّاً منَّا أنه أخطأ ، فنسمع المقولة الدائمة من أخطأ علناً نرد عليه علناً ، فهل ذلك صحيح ، أرجو تبين المسألة بالتفصيل ؛ للإشكال فيها .
والسؤال الثاني هو :
هل يجوز لنا التكلم على أحد الفساق ، أو أحد الذين يكتبون في الصحف ويتكلمون في الدين ، فنرد عليه – مثلاً – بمقال ساخر يسخر منه في المنتديات ، فالبعض قالوا لنا : إنها غيبة ، وردَّ عليهم بعض الإخوة بأنها تجوز من باب قوله تعالى : ( وجزاء سيئة سيئة
مثلها ) ، وما جاء في تفسير ” التحرير والتنوير ” للطاهر بن عاشور : ( ..أي : أن المُجازي يجازي من فَعَل معه فَعلةً تسوؤه بفعلة سيئة مثل فعلتِه في السوء ، وليس المراد بالسيئة هنا المعصية التي لا يرضاها الله ، فلا إشكال في إطلاق السيئة على الأذَى الذي يُلحق بالظالم ) .
فيقولون : يجوز أن نلحق به الأذى بالسخرية من كتاباته ، وأن نستهزئ به ؛ لأنه يستهزئ بالإسلام ، وهو مسلم في الحقيقة ، والسخرية منه ، والتنقص : جزاء لسوء عباراته ، وأما أن نؤذيه بالكلام بالضوابط الشرعية : فهذا جائز ( وليس واجباً أو مندوباً ) وإنما جائز ، وهناك نصوص توضح مثل هذا الأصل ، ومنها قول الله تعالى : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظُلِم ..) فما هو الحكم يا شيخ حفظك الله ونفع بك ؟ .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً:
من المسلَّمات التي لا يختلف عليها العقلاء : أن الخطأ لا يسلم منه أحد ، لا الدعاة
، ولا العلماء ، ولا من دونهم , وهذه سنَّة الله في خلقه ، لا تتبدل .
ثانياً:
إن النصيحة من أعظم أخلاق هذا الدين العظيم ، كما جاء في حديث
تَمِيمٍ الدَّارِيِ أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( الدِّينُ
النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : ( لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ
وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه مسلم ( 55 ) .
والأصل في النصح : الرفق ، والستر :
أما
الرفق : فهو أدعى لقبول الحق ، والتراجع عن الخطأ ، ففي الحديث عنْ عَائِشَةَ
زَوْجِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : (
إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ
إِلاَّ شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ) .
ومن
أمثلته : ما جاء في الحديث عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ فِي
الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذْ جَاءَ أَعْرَابِي
فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم : مَهْ ، مَهْ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ
تُزْرِمُوهُ ، دَعُوهُ ) ، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ : ( إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ
تَصْلُحُ لِشَيءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِي لِذِكْرِ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ) ،
قَالَ : فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ
عَلَيْهِ .
رواه البخاري ( 5679 ) ومسلم ( 285 ) .
وأما الستر : فلحديث أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ : (
لاَ يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم (2590) .
ومن أمثلة ذلك : ما جاء عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ النَّبِي صلى
الله عليه وسلم إِذَا بَلَغَهُ عَنِ الرَّجُلِ الشَّيءُ لَمْ يَقُلْ مَا بَالُ
فُلاَنٍ يَقُولُ وَلَكِنْ يَقُولُ:( مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا
).
رواه أبو داود (
4788 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
ومن
كلام الشافعي – رحمه الله – :
تعمَّدني بنصحك في انفرادي ** وجنِّبني النصيحة في الجماعة
فإن
النصح بين الناس نوع ** من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي ** فلا تجزع إذا لم تعط طاعـه
ويستثنى من ذلك : المجاهر بالمعصية ، أو بدعة , والمصر عليها ، والداعي لها , وانظر
جواب السؤال رقم : (
9057 ) .
ثالثاً:
السخرية بأقوال أهل البدع ، وأقوال المجاهرين بالمعصية ، والذين يتكلمون في الدين
وأهله : مباحة , بشرط أن لا يُسخر من خِلقتهم ، وأن تكون في ” طور الرزانة والحق ،
وألا يتخذها عادة وديدناً ، وألا يغلب هزله على جدِّه ” ، وانظر جواب السؤال رقم :
(
9057 ) .
وقد يستدل لذلك بقوله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ
آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا
انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا
إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ . وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ .
فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ) المطففين/ 29 – 34 .
قال الألوسي- رحمه الله – :
فإنه صريح في أن ضحك المؤمنين منهم جزاء لضحكهم منهم في الدنيا ، فلا بد من
المجانسة ، والمشاكلة حتماً .
”
روح المعاني ” ( 30 / 77 ) .
ويستدل لذلك – أيضاً – بقوله تعالى 🙁
إِنَّ الَّذِينَ
يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ )
المجادلة/ 20 .
قال الإمام أبو عثمان إسماعيل الصابوني – حاكياً اعتقاد السلف أهل
الحديث – :
واتفقـوا مع ذلك : على القول بقهر أهل البدع ، وإذلالهم ، وإخزائهم ،
وإبعادهم ،
وإقصائهم ، والتباعد منهم ، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم ، والتقرب إلى الله عز وجل
بمجانبتهم ، ومهاجرتهم .
” عقيدة السلف وأصحاب الحديث ” ( ص 123 ) .
والذين يسخرون من الإسلام وشعائره وأهله : يقعون في الكفر المخرج من الملة ، باتفاق
أهل السنَّة ، وتسقط حرمتهم ، ويجوز معاملتهم بالمثل بالسخرية منهم ، ومن بدعهم ،
وضلالهم ، كما قال تعالى : ( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ
بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) البقرة/ 194 ، وقال تعالى ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ
فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ) النحل/ 126 .
وأما الاستدلال بالآية الكريمة وهي قوله تعالى ( وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ
مِثْلُهَا ) الشورى/ 40 : فالاستدلال بها صحيح .
قال
ابن الجوزي
– رحمه الله –
:
قوله تعالى : ( وجزاءُ سيِّئةٍ سيِّئةٌ مِثْلُها ) قال مجاهد ، والسدِّي : هو جواب
القبيح ، إذا قال له كلمة أجابه بمثْلها ، من غير أن يعتديَ .
”
زاد المسير ” ( 5 / 325 ) .
وهذا كله في المجاهر ، والمبتدع ، والمتربص بالدِّين وأهله ,
وأما المشايخ ، والدعاة ، وطلبة العلم : فقد تقدم الجواب على الأصول والضوابط في
الرد عليهم ، وبيان أخطائهم , فانظر جواب السؤال رقم : (
93211 ) .
ومع أننا ذكرنا ما يدل على جواز السخرية بأقوال أهل البدع ، والمجاهرين بضلالهم ،
والكائدين للإسلام وأهله بأقلامهم : إلا أننا نرى عدم فعل ذلك أثناء الرد عليهم ،
والاكتفاء بنقض أقوالهم ، وردها عليهم ، دون اللجوء إلى أسلوب السخرية والاستهزاء ؛
خشية من الوقوع في المحظور وعدم الالتزام بالضوابط الشرعية ، وتنزيهاً لأقلام أهل
السنَّة أن تكتب ما لا يعلم جوازه عامة أهل السنَّة ، فلا يعود فعل ذلك إلا بالضرر
عليهم .
فخلاصة الجواب أنه يجوز السخرية بأولئك المحادين لله ورسوله ودينه ، والكمال في ترك
ذلك ، والاكتفاء بالردود العلمية الرصينة ، خاصة إذا لم تكن مصلحة شرعية من تلك
السخرية .
وانظر للفائدة جواب السؤال رقم (138629)
والله أعلم
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
![answer](/_next/image?url=%2F_next%2Fstatic%2Fmedia%2Fanswer.91a384f1.png&w=64&q=75)
موضوعات ذات صلة