ما هي أطول مدة تمكثها المرأة وهي حامل؟ أود أن أعرف ما هي أكثر مدة للحمل ، وما أطول مدة له ؛ حيث إني قد قرأت هذه القتوى برقم (120178) ، وبسبب هذه الفتوى قد دار نقاش بيني وبين الوالد ، حيث إن الوالد من أهل الاختصاص في مسائل الحمل ، حيث إنه يعمل طبيب أشعة تشخيصية ، وهو يقول باستحالة هذا الحمل طبّاً ، وإن كان قد حدث قبل ذلك ، وهو ما استنكره بشدة ، فهو غالبا لم يكن حملاً حقيقيّاً ، وإنما اشتباه بحمل ، أو حمل كاذب ، وقد استدل الوالد بآية (وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) ، كما استدل بأدلة طبية كثيرة تمنع هذه المدة من طول الحمل ويقول إنه بذلك قد فتح الباب لإلحاق أحد الأولاد برجل ليس هو أباه ! . وما جاء في الفتوى هو كلام العلماء رحمهم الله جميعا ، غير أنه لم يستدل بحديث إلا بحديث ( الولد للفراش ) متفق عليه ، وما أعرفه أن هذا الحديث عن عائشة قالت : " اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال سعد : يا رسول اللّه ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إليَّ أنه ابنه انظر إلى شبهه ، وقال عبد بن زمعة : هذا أخي يا رسول اللّه ولد على فراش أبي فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى شبهه فرأى شبهًا بيِّناً بعتبة فقال : (هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة) قال : فلم ير سودة قط . ففي هذا لم يذكر مدة حمل وغير ذلك مما استدل به على هذه المسألة . أفتونا مأجورين ، هل هناك تناقض بين الدِّين والعلم ، مع أن القرآن قد وقَّت للحمل والرضاعة عامين وستة أشهر على الأكثر .
أطول مدة تمكثها المرأة وهي حامل
السؤال: 140103
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولاً :
مسألة " أطول مدة لحمل المرأة " من مسائل الخلاف بين علماء الشرع ، وهي ضيقة الخلاف عند الأطباء ، وأضيق منها في قوانين الأحوال الشخصية في غالب العالم العربي .
أما عند علماء الشرع : فقد اختلفوا في أقصى مدة تمكثها المرأة وهي حامل إلى أقوال :
1. أقصى مدة للحمل : هي المدة المعهودة ، وهي تسـعة أشـهر، وبه قال أصحاب المذهب الظاهري .
2. أقصى مدة للحمل : سنَة واحدة ، وهو قول محمد بن عبد الحكم ، واختاره ابن رشد .
3. سنتان ، وهو مذهب الحنفية .
4. ثلاث سنين ، وهو قول الليث بن سعد .
4. أربع سنين ، وهو مذهب الشافعية ، والحنابلة ، وأشهر القولين عند المالكية .
5. خمس سنين ، وهي رواية عن الإمام مالك .
6. ست سنين ، وهي رواية عن الزهري ، ومالك .
7. سبع سنين ، وبه قال ربيعة الرأي ، وهي رواية أخرى عن الزهري ، ومالك .
8. لا حد لأكثر الحمل ، وهو قول أبي عبيد ، والشوكاني ، وقال به من المعاصرين : المشايخ : الشنقيطي ، وابن باز ، والعثيمين .
انظر : " المحلى " لابن حزم ( 10 / 316 ) ، " المُغني " لابن قدامة المقدسي ( 9 / 116 ) ، " أضواء البيان " ( 2 / 227 ) .
وأما عند الأطباء : فقد اختلفوا على ثلاثة أقوال :
1. عشرة أشهر .
2. 310 يوماً .
3. 330 يوماً .
وأما في قوانين الأحوال الشخصية في غالب البلاد العربية : فقد ذهبوا إلى تحديد المدة بسنة ، ومنهم من حسبها باعتبارها سنة شمسية – وهم الأكثر – ، ومنهم من نصَّ على كونها سنَة قمرية .
والذي اختاره كثير من الباحثين المعاصرين : أن أقصى مدة حمل للمرأة ما بين التسعة أشهر إلى السنَة ، وهو قول ابن عبد الحكم ، وابن رشد ، رحمهما الله ، وليس بعيداً عن قول الأطباء ، وهو مطابق لقوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلاد الإسلامية .
وأما القول بأن الحمل يمكن أن يمتد لسنوات فهو أمرٌ مرفوض في عالم الطب ، ولذا رفضه غالب الباحثين المعاصرين .
وقد طعن ابن حزم رحمه الله في صحة الأخبار التي اعتمد عليها أولئك العلماء، وقالوا بأن الحمل يمكن أن يمتد لسنوات . فقال رحمه الله – تعليقاً على الأخبار التي تروى عن نساء حملن لعدة سنين – :
"وكلُّ هذه : أخبارٌ مكذوبةٌ ، راجعةٌ إلى مَنْ لا يَصْدق ، ولا يُعرف من هو ، ولا يجوز الحكم في دين الله تعالى بمثل هذا" انتهى .
"المحلى" (10/316) .
وقد استدل من قال من الفقهاء بامتداد مدة الحمل إلى سنوات كثيرة ببعض الأحاديث والآثار ، غير أنها ضعيفة لا يثبت بها مثل هذا الحكم .
وقد تتبعها ابن حزم رحمه الله بالتضعيف ، والإنكار .
ثانياً :
أما أقوال الباحثين المعاصرين في هذه المسألة فنذكر بعضها :
1. جاء في التوصيات الصادرة عن " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " في موضوع " أقصى مدة الحمل " – الندوة الثالثة سنة 1987 م – :
يستمر نماء الحمل منذ التلقيح حتى الميلاد معتمداً في غذائه على المشيمة ، والاعتبار : أن مدة الحمل بوجه التقريب : مائتان وثمانون يوماً ، تبدأ من أول أيام الحيضة السوية السابقة للحمل .
فإذا تأخر الميلاد عن ذلك : ففي المشيمة بقية رصيد يخدم الجنين بكفاءة لمدة أسبوعين آخرين , ثم يعاني الجنين المجاعة من بعد ذلك ، لدرجة ترفع نسبة وفاة الجنين في الأسبوع الثالث والأربعين , والرابع والأربعين , ومن النادر : أن ينجو من الموت جنين بقي في الرحم خمسة وأربعين أسبوعاً .
ولاستيعاب النادر والشاذ : تُمد هذه المدة اعتباراً من أسبوعين آخرين ، لتصبح ثلاثمائة وثلاثين يوماً , ولم يُعرف أن مشيمة قدِرت أن تمدَّ الجنين بعناصر الحياة لهذه المدة , وقد بالغ القانون في الاحتياط مستنداً إلى بعض الآراء الفقهية ، بجانب الرأي العلمي , فجعل أقصى مدة الحمل : سنَة . انتهى .
2. وقد ذكر الأستاذ عمر بن محمد بن إبراهيم غانم في خاتمة كتابه " أحكام الجنين في الفقه الإسلامي " النتائج التي توصل إليها ، ومنها :
– أن أقصى مدة للحمل هي : سنَة قمرية واحدة ، ولا عبرة لما ذهب إليه الفقهاء من أقوال تزيد عن هذه المدة ، بنيت على الظنون ، والأوهام ، ولا أساس لها من الحقيقة ، بل إن معطيات العلم الحديث تبددها . انتهى .
3. وقال الدكتور محمد سليمان النور في مقاله " مدّة الحمل بين الفقه والطب وبعض قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة " :
وترجح للباحث أنها ثلاثمائة وثلاثون يوماً ، ويمكن أن تزيد إذا ثبت بالفحص ما يتسمى عند الأطباء بـ " السبات " ، وهو يحدث عندما يتم الحمل ، وفي مرحلة ما يتوقف هذا الحمل عن النمو لفترة ، لكنه موجود حيٌّ ، وفق الفحوصات ، والاختبارات الطبية ، فتزيد مدة الحمل بقدر زيادته ، واختلف الأطباء في أكثر مدة الحمل على ثلاثة آراء : أنها : عشرة أشهر ، ( 310 ) يوماً ، ( 330 ) يوماً ، وهي آراء متقاربة ، وأحوطها : الرأي الأخير ، وعلل بعض الأطباء حكايات الحمل الممتد لسنين بعدة تعليلات ، وهي : الحمل الوهمي أو الكاذب ، الخطأ في الحساب من بعض الحوامل ، ظهور أسنان عند بعض المولودين حديثاً ، موت الحمل في بطن أمه وبقاؤه فيها مدة طويلة ، عدم صحة هذه الأخبار .
وذهبت قوانين الأحوال الشخصية المعاصرة ، ومشروعات قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلاد الإسلامية : إلى أن أكثر مدة الحمل : سنًة واحدة .
" مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية " ، عدد شعبان ، 1428 هـ .
4. وقال الدكتور عبد الرشيد بن محمد أمين بن قاسم :
وبالتأمل في الأقوال السابقة : يظهر لي : أن أقصى مدة الحمل التي تبنى عليها الأحكام الشرعية : هي المدة المعهودة ، تسعة أشهر ، والتي قد تزيد أسابيع محدودة ، كما هو الواقع ، أما المدد الطويلة : فهي نادرة ، والقاعدة الفقهية أن " الاحتمالات النادرة لا يُلتفت إليها " ، والقاعدة : " العبرة بالغالب ، والنادر لا حكم له " ، والواقع المعاصر يبدِّد وهم القائلين بامتداد حمل امتد لسنوات ، حيث يولد في العام الواحد عشرات الملايين من البشر ، ولو قدِّر وجود أمثال هذا الحمل : لتناقلته وسائل الإعلام ، والأطباء ، حيث إنهم يهتمون بنقل ما هو أقل من هذا الحدَث بكثير ، وقد اختار هذا الرأي : عامة الباحثين المعاصرين ، الذين تناولوا هذه المسألة .
" أقل وأكثر مدة الحمل ، دراسة فقهية طبية " ( ص 10 ) – ترقيم الشاملة – .
وأخيراً .. الذي يمكن أن يقال في هذه المسألة : إذا ثبت طبياً ، ثبوتاً أكيداً لا شبهة فيه ، أن الحمل لا يمكن أن يبقى كل هذه السنوات الطويلة ، فلا مفر من القول بذلك ، لأن الشرع لا يمكن أن يأتي بما يخالف الواقع أو الحس .
والمسألة ليس فيها نص من القرآن أو السنة حتى نقول إن الدين تصادم مع العلم ، وإنما هي اجتهادات لأهل العلم المرجع فيها إلى الوجود ؛ أي أن من قال بقول ما ، ذكر أنه قد وجد في الواقع ما يشهد له ويؤيده .
ولهذا قال ابن رشد رحمه الله :
"وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة ، والتجربة ، وقول ابن عبد الحكم ، والظاهرية : هو أقرب إلى المعتاد ، والحُكم : إنما يجب أن يكون بالمعتاد ، لا بالنادر ولعله أن يكون مستحيلاً" انتهى .
"بداية المجتهد" (2/358) .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
"وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد ، والرد إلى ما عُرف من أمر النساء" انتهى .
"الاستذكار" (7/170) .
وحينئذ يمكن الاعتذار عن العلماء الذين قالوا بجواز المدة الطويلة ، بأنهم بنوا ذلك على أخبار ظنوا ـ حينئذ ـ ثبوتها ، وبنوا الأمر على السلامة .
وللوقوف على معنى قوله تعالى : (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً) : الأحقاف/15 : انظر جواب السؤال رقم : (102445) .
وللوقوف على شرح حديث عبد بن زمعة : انظر جواب السؤال رقم : ( 100270 ) .
والله أعلم
هل انتفعت بهذه الإجابة؟
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
موضوعات ذات صلة