حكم ما يسمى بـ ” الختمة الرمضانية المشتركة “
السؤال: 140411
ما حكم مثل هذا الموضوع المنتشر في بعض المنتديات وهو كالتالي :
بعنوان الختمة الرمضانية المشتركة… وذلك بأن يشترك الأعضاء بختم القران ، حيث يقرأ كل عضو جزءا أو جزأين و بنيه خالصة لوجه الله ، ونص الموضوع كالتالي :
الختمة الرمضانية المشتركة ، كل عضو سيشارك معنا في الختمة الرمضانية يقوم بكتابه اسمه في هذي الصفحة .. يكون مسؤؤل عن قراءة جزء واحد من القرآن الكريم …
فالقرآن الكريم يحتوي على 30 جزء .. كل عضو يحدد الجزء الذي سيقرؤه .. وبكل أمانة ونية صادقة يقرأ هذا الجزء .. وعندما ينتهي من قراءته يقوم بكتابة : “لقد أتممت قراءة الجزء المخصص لي بنية خالصة لوجه لله تعالى”..
وهكذا سنكون قد اشتركنا جميعا أعضاء (….. ) بختمة قرآنية لوجه الله .. لعلها تغفر لنا يوم القيامة …
الختمة الأولى ” ستكون في الفترة من 1- 10 رمضان”
الختمة الثانية “ستكون في الفترة من 11-20 رمضان”
الختمة الثالثة ” ستكون في الفترة من 21- 29 رمضان”
أتمنى من كل عضو راغب في المشاركة كتابته اسمه و الجزء الذي سيقوم بقراءته ، وأن يلتزم بالقراءة ..
ودعاء ختم القرآن سيكون باسم منتدى (………) و كل أعضائه !!
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد.
أولا :
ليعلم أن قراءة القرآن عبادة من أجل العبادات لله
تعالى ، فالقرآن كلام الله تعالى أشرف الكلام ، وهو أفضل الذكر ، وأعظم ما يقرؤه
العبد أو يسمعه .
عن فروة بن نوفل قال : كنت جارا لخباب رضي الله عنه
، فخرجنا معه يوما إلى الجمعة فأخذ بيدي فقال : ( يا هناه ؛ تقرب إلى الله ما
استطعت ، فإنك لن تقرب إلى الله بشيء أحب إليه من كلامه ) . رواه الدارمي في الرد
على الجهمية (رقم/310) ، وعبد الله بن أحمد في السنة (رقم/96) ، والحاكم في
المستدرك (رقم/3652) وصحح إسناده ، وأقره الذهبي .
قال الإمام النووي رحمه الله :
” واعلم أن المذهب المختار الذي عليه من يعتمد عليه
من العلماء : أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار ، وقد
تظاهرت الأدلة على ذلك ” انتهى.
“التبيان في آداب حملة القرآن” (45) .
وتتأكد فضيلة هذه العبادة في شهر رمضان ، فهو الشهر
الذي أنزل فيه القرآن ، ولذا أطبق السلف على العناية بالقرآن في هذا الشهر أزيد من
باقي الشهور .
ينظر : “لطائف المعارف” ، لابن رجب رحمه الله
(315-324) .
ثانيا :
تلاوة القرآن عبادة ، كغيرها من العبادات ، يرد
الأمر فيها إلى ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في شأنها ، وما مضى عليه أصحابه
والتابعون لهم بإحسان . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ عَمِلَ عَمَلًا
لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ ) رواه مسلم (1718) .
قال الإمام النووي رحمه الله :
” وَهَذَا الْحَدِيث قَاعِدَة عَظِيمَة مِنْ
قَوَاعِد الْإِسْلَام , وَهُوَ مِنْ جَوَامِع كَلِمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ صَرِيح فِي رَدّ كُلّ الْبِدَع وَالْمُخْتَرَعَات …
وَهَذَا الْحَدِيث مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظه
وَاسْتِعْمَاله فِي إِبْطَال الْمُنْكَرَات , وَإِشَاعَة الِاسْتِدْلَال بِهِ ” .
“شرح صحيح مسلم” (12/6) مختصرا .
ثالثا :
الصورة الواردة في السؤال في تلاوة القرآن : لا شك
أنها صورة مبتدعة ، فلم يرد مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أصحابه ،
ولا عن السلف الصالح بعدهم .
وليست هذه من المستجدات ، التي ينظر إليها في ضوء
أصول الشرع ، لأن مثل هذه الصورة كانت ممكنة في أيامهم : أن يتواصى بعضهم بنفس
الطريقة ، إما مباشرة ، وإما عن طريق المراسلة ، أو نحو ذلك ، ولو كان مثل ذلك خيرا
لسبقونا إليه .
وليعلم أن الصورة المشروعة في القراءة الجماعية :
أن يجتمع القارئون في مكان واحد ، وأفضله المسجد ، فربما قرأ كل منهم لنفسه ، أو
يقرأ أحدهم ويستمع الآخرون ، أو يقرأ كل منهم ما تيسر له ، ثم يكمل الثاني من حيث
انتهى الأول ، وهو المعروف عند العلماء : بالإدارة ؛ يعني : أن تدور النوبة على كل
منهم بالقراءة ، فتحصل القراءة من القارئ ، وأما من لم يقرأ فإنه يشاركه باستماع
قراءته ، وكل من القراءة والسماع : عبادة مطلوبة ، دلت النصوص على مشروعيتها .
ينظر : “التبيان في آداب حملة القرآن” ، للإمام
النووي رحمه الله (119-122) .
وأما العمل الوارد في السؤال : فما علاقة باقي
المجموعة بما يقرؤه أو يفعله أحدهم ، إذا كان غائبا عنهم ، فلا يرونه ، ولا
يشاركونه قراءته ، ولا يستمعون منه ؟!!
وهل من المقبول أن يتفق جماعة على أن يصلي كل واحد
ركعتين من التراويح ـ مثلا ـ ، فيكونوا قد صلوا التراويح . أو يصوم كل واحد يوما ،
فيكونوا قد صاموا الشهر ؟!
وقد قال الله تعالى : ( أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا
فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ
وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ) النجم/36-39 .
قال الشيخ السعدي رحمه الله :
” أي: كل عامل له عمله الحسن والسيئ، فليس له من
عمل غيره وسعيهم شيء، ولا يتحمل أحد عن أحد ذنبا ” . انتهى . “تفسير السعدي” (821)
.
ولا شك أن هذه الصورة المبتدعة للقراءة الجماعية :
سوف يكون لها تأثيرها السلبي على قيام الأعضاء بهذه العبادة على وجهها ، فمن يشارك
في ذلك سوف ينصرف عن تلاوة القرآن ، والإكثار من ختمه بنفسه ، توهما منه أن هذه
الختمة تغنيه ، فإن لم ينصرف بالكلية : سوف تضعف همته ، وتقل رغبته في ذلك .
ثم من أين لهؤلاء الأعضاء أن يتموا ختمتهم “لوجه
الله تعالى” ، كما زعموا ، بل من يقدر أن يحكي ذلك عن نفسه ، ويشهد به ؟!
والخلاصة :
أن هذه الصورة مبتدعة ، غير مشروعة ، تصرف القارئ
عن الوارد المشروع في قراءة القرآن ، وتضعفه همته في التلاوة والختم بنفسه .
والله أعلم .
المصدر:
الإسلام سؤال وجواب
هل انتفعت بهذه الإجابة؟